حكومة الأشباح لن تنقذ ماكرون
“لن يكون الطريق مفروشا بالورود أمام حكومة ميشيل بارنييه اليمينية الجديدة، التي سيكون عليها أن تعتمد، على سقالات هشة من الصفقات لتمرير سياسات تقشفية، لا تحظى بدعم جماهيري، وفي ظل عداء صريح من اليسار (المغدور)”.
صلاحيات الحاكم بأمره
برع النيوليبرالي “ماكرون” في استغلال التناقضات السياسية والاجتماعية لتنصيب نفسه إمبراطورا، يركز السلطات في يده، ويهمش دور الحكومة والبرلمان، كما لو أنه “بونابرت جديد”.
اقرأ أيضا
list of 4 items“نعيم قاسم” و”أبو عبيدة”.. هل تعافى حزب الله؟
لهذه الأسباب.. لا ترد سوريا!
«المقاطعة» تكشف هشاشة دعم الشركات لإسرائيل
حالة الاستقطاب السياسي، أفرزت في شهر يوليو/تموز الماضي، برلمانا منقسما وبلا أغلبية، لم تعرفه أيّ من الجمعيات الستة عشرة، التي عرفتها فرنسا منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958.
كما شرع الراديكاليون في التحرك لعزل الرئيس للمرة الأولى أيضا؛ مما يشكل معضلة، ربما تفتح الباب أمام جمهورية جديدة.
وحتى لا ننسى، فقد أقدم ماكرون على “مقامرة”، حل خلالها البرلمان، لتُنظَّم الانتخابات وشبح وصول اليمين الفاشي للحكم يخيم على البلاد.
ولا يستبعد مراقبون أن يصدر “الإمبراطور الأخير” ميزانية 2025 بمرسوم رئاسي، في حال عرقلتها بالبرلمان، أو يلجأ للمادة 16 من الدستور، التي تمنحه صلاحيات “الحاكم بأمره”.
ألاعيب ماكرون
وفي ضوء عدم حصول أي قوى سياسية على أغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة، استدعى ماكرون من أشباح الماضي الديغولي، اليميني العنصري ميشيل بارنييه (73 عاما) رافضا تسليم الحكومة لمرشحة اليسار لوسي كاستيه، التي تصدرت المشهد الانتخابي.
ولم يتأخر بارنييه القادم من الحزب الجمهوري، الذي حل رابعا في الانتخابات عن إثارة الجدل، فأكد في أول مقابلة له التزامه بخطة تقشف صارمة، وأنه لن يلغي قرار تمديد سن التقاعد، الذي أثار موجة من الاحتجاجات، وشدد على التزامه بتدابير صارمة ضد المهاجرين، وهو خطاب يكاد يكون متطابقا مع توجهات الفاشيين.
اليسار يعود إلى الشارع
وعلى غرار زعماء العالم الثالث المنكوب بالانقلابات العسكرية، وجه زعيم “فرنسا الأبية” جان لوك ميلانشون نداء للجماهير الفرنسيةقال فيه “أدعوكم إلى معركة طويلة الأمد لمواجهة الانقلاب على الديمقراطية”، داعيا إلى الانتقال إلى الجمهورية السادسة، وعقد جمعية تأسيسية “لتخفيف القبضة التي تخنق البلاد”.
وبالفعل انضم مئات الآلاف من الأشخاص إلى نحو 140 احتجاجا، يوم 7 سبتمبر/أيلول الجاري، ضد قرارات ماكرون الاستبدادية.
ودعت الكونفدرالية العامة للشغل إلى “يوم من الإضرابات والمظاهرات” في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مع انعقاد البرلمان، بينما دعت كونفدرالية الصناعات الكيميائية إلى إضراب طويل الأمد”.
وقالت ليزا ديبو، التي شاركت في الاحتجاج، وهي تحمل عريضة تطالب بعزل ماكرون “لدينا مؤسسات مغلقة أمام الرأي العام، وصوتنا غير مسموع”.
وبينما اتفقت جميع الأحزاب بالجبهة اليسارية، على التصويت ضد حكومة بارنييه، طالب حزب “فرنسا الأبية” وجزء من حزب “الخضر” -وحدهما- بعزل الرئيس.
ويتطلب تمرير قرار العزل أن يؤيده أغلبية الثلثين في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، إذا رأوا “انتهاكًا للواجب يتعارض بشكل واضح مع ممارسة ولايته”، ولكن نجاح هذا الإجراء يبدو مشكوكًا فيه للغاية نظرًا إلى تشكيل المجلسين.
انتهازية اليمين الفاشي
ورغم أن اليمين المتطرف، هو الأقرب للحكومة، فإنه يطالب بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، معتبرا أن الأوضاع السياسية الراهنة “لا يمكن أن تستمر”.
ويسلك اليمين المتطرف، على الأقل ظاهريا، نهج اليسار في معاداة بارنييه ووضعه “تحت المراقبة”، لتحقيق أقصى استفادة جماهيرية ممكنة.
ولا يناسب ماكرون ولا التجمع الوطني الفاشي، أن يُنظر إليهما على أنهما يتعاونان بشكل مباشر.
وتتظاهر مجموعة ماكرون بأنها “حاجز ضد الفاشية” في الانتخابات ضد التجمع الوطني، بينما ينتقد التجمع الوطني النخبة، التي يجسدها ماكرون، لحصد الدعم من الفقراء.
ويعمل بارنييه كجسر مفيد بينهما، حيث لا يتحمل أي منهما، المسؤولية.
أزمة عميقة
لا يمكن اختزال أزمة فرنسا في رئاسة بارنييه للوزراء، بل تعود إلى التراجع السريع للرأسمالية الفرنسية، مقارنة بالقوى الإمبريالية الأخرى.
ويبلغ إجمالي الدين الحكومي 110% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أحد أعلى المعدلات في أوروبا.
وأدى هذا الوضع إلى إصدار الاتحاد الأوروبي تحذيرا بضرورة خفض العجز بمقدار 70 مليار يورو.
وكما كتب غيوم تبارد في صحيفة لوفيغارو، فإن “اعتراف [ماكرون] بخسارته في الانتخابات التشريعية أمر لا مفر منه”، ولكنه لن يسمح بوضع سياسة اقتصادية تفكك ما أنجزه، على مدى السنوات السبع الماضية.
وفي هذا السياق، يمكن فهم لماذا رفض ماكرون تسمية مرشحة اليسار لرئاسة الوزراء.
بطل متوسط المواهب
وللأسف، فقد أوجد الصراع الاجتماعي والسياسي المحتدم الظروف، التي مكنت شخصًا متوسط المواهب، من أن يؤدي دور البطل.
ولم تمض أشهر قليلة على تنصيب ماكرون رئيسًا في مايو/أيار 2017 حتى بدأ الاستياء يأخذ طريقه إلى فئات اجتماعية عدة بسبب إصلاحات ضريبية منحازة إلى الأكثر ثراء، كما تراجعت باريس إلى مرتبة دنيا، وربما اختفت بالكامل من ساحة القضايا العالمية.
وفي مقال بصحيفة لوموند الفرنسية يحكي جان بيار شانيولو، وهو رئيس مركز أبحاث فرنسي، كيف حاول مؤخرًا أن يثير مع “دبلوماسي هام” في قصر الإليزيه، موضوع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فما كان من هذا الأخير إلا أن سأله بشيء من السخرية “هل ما زلت تهتم بهذه المسألة؟”.
وعندما ندرك أن هذا الدبلوماسي، هو في حقيقة الأمر، عضو في خلية تابعة للرئاسة الفرنسية، ندرك حينها جسامة المشكلة.
لعنة البونابرتية
يبدو أن ماكرون أو بونابرت الجديد، قد بدأ في مسار الهزيمة، بالضبط، كما كانت محصلة البونابرتية في نسختيها الفرنسيتين، عندما هُزم نابليون بونابرت في ووترلو عام 1815، وهُزم لويس بونابرت في سيدان عام 1870.
فشعبيته متراجعة والأزمة الاقتصادية متفاقمة، وإذا لم يكن لليسار رأي آخر فربما تكون نهاية البونابرتية في نسختها الحالية، هي تسليم البلاد إلى اليمين الفاشي.