نتنياهو سيخسر الحرب في لبنان كما خسرها في غزة
الشعور بالتفوق التكنولوجي يصيب قادة الاحتلال بالغرور، ويجعلهم يعيشون في أوهام القوة والغطرسة، ويتخيلون أن تفوقهم العسكري سيعيد لهم الردع الضائع، غير مدركين حجم التغيرات في الجانب المقابل، ففارق القوة التقنية والتسليح المتطور تم تعويضه بالتصنيع المحلي لأسلحة مؤثرة وذكية أيضا، ويزيده قوة العنصر البشري الاستشهادي الذي استطاع الانتصار على الذكاء الاصطناعي في طوفان الأقصى.
بعد تفجير البيجر وأجهزة اللاسلكي حاول نتنياهو المهزوم تجميل صورته في الكيان المنهار، وسعى لدغدغة مشاعر المستوطنين الذين هربوا من الشمال وظن أنه وجه ضربة قاصمة لحزب الله وحقق الانتصار؛ فاندفع في مواصلة العدوان والقصف الجنوني على المدنيين في الجنوب اللبناني، لكنه قوبل برد بالصواريخ والمسيّرات يؤكد تماسك الحزب وتخطي تعطيل الاتصالات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقنابل نتنياهو توحد اللبنانيين.. ولكن!
بنك أهداف الحرب.. وعض الأصابع
بعد السادس من أكتوبر والسابع من أكتوبر .. إلى أين تذهب إسرائيل؟
كانت ضربة البيجر قاسية وكشفت عن اختراق كبير في أحد أهم الأسلحة في الصراعات العسكرية، لكن تسرع الإسرائيليين بتنفيذ التفجيرات قبل نشوب الحرب ساهم في سرعة التعافي، وهذا ما ظهر بعد ذلك في الرد اللبناني وقصف الأهداف الإسرائيلية المنتقاة من قواعد عسكرية ومطارات ومصانع، ومجمعات الإلكترونيات ومستوطنات ومقار القيادة في قلب فلسطين المحتلة.
حسابات إسرائيلية خيالية
يتهرب صانع القرار الإسرائيلي من وقف الحرب، ولا يريد الاعتراف بالهزيمة منذ بداية طوفان الأقصى، لما يترتب على ذلك من نتائج كارثية، أبرزها سقوط الردع الذي كان يعتاش عليه الكيان منذ تأسيسه عام 1948، وكان الإسرائيليون يظنون أن التقنية الفائقة والقوة النارية الهائلة وسلاح الجو المتطور يحقق لهم التفوق في المعركة، لكن مرور عام من القتال واستنزاف قوتهم أظهر عجزهم أمام المقاومة الفلسطينية في غزة.
لقد انتصرت غزة على الذكاء الاصطناعي والأسلحة الأشد فتكا، واستطاع مقاتلو القسام تحييد التكنولوجيا الإسرائيلية في خطة ذكية جعلتهم يقتحمون السياج الإلكتروني ويقضون على فرقة غزة ويأسرون جنودها وضباطها ويحتفظون بهم حتى الآن، كما نجحت شبكة الأنفاق في التغلب على الأقمار الاصطناعية وأفشلت تكنولوجيا المراقبة التي ترصد كل ما يتحرك على الأرض، وتم قتل وإصابة الآلاف من الجنود الإسرائيليين وحرق دباباتهم ومعداتهم الفولاذية بأسلحة محلية الصنع شديدة التدمير.
بدلا من القبول بنتيجة الحرب والدخول في هدنة يرمم فيها الإسرائيليون أنفسهم قرروا الدخول في مغامرة جديدة ضد حزب الله الذي يمتلك أسلحة أقوى وطائرات مسيّرة أكثر ذكاءً وصواريخ لا توجد في غزة المحاصرة، والعجيب أن نتنياهو يكرر ذات السلوك الذي ثبت فشله في كسر الإرادة وهو التدمير والقتل، لكنه في هذه المعركة سيدفع ثمنا أكثر فداحة وأشد ألما.
يكرر الإسرائيليون ما فعلوه مع حماس في غزة وفشلوا، فهم يطالبون حزب الله بالاستسلام ورفع الراية البيضاء، والقبول بوقف حرب الإسناد، وهو هدف ساذج يتناقض مع الواقع على الأرض وطبيعة الخصم، فالصواريخ والمسيّرات التي لا تعترضها منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية فرضت معادلة جديدة مفادها أن كل عدوان يقابله رد، وكل قصف يقابله قصف.
تفجيرات البيجر مجرد حدث عابر
بعد تفجير أجهزة النداء “البيجر” حاولت الدعاية الصهيونية صناعة هالة غير حقيقية عن القدرات الإسرائيلية؛ فالحقيقة أن نجاحهم في اختراق أجهزة اتصالات حزب الله واغتيال قيادات عسكرية كان مجرد خرق أمني، ناتج عن ثغرة أمنية، وهو بقدر ما تسبب في خسارة عسكرية لا يمكن إنكارها فإنه كشف للبنانيين وغيرهم من العرب أن التجسس الإسرائيلي يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والحذر وتوسيع دائرة الرؤية والتتبع.
لا شك أن تفجيرات “البيجر” كانت صادمة في كل أنحاء العالم وليس في لبنان والمحيط العربي فقط، فاستخدام أجهزة يستخدمها مدنيون في القتل الجماعي أثار التساؤلات حول مشروعية زرع متفجرات في الأجهزة الذكية من جوالات وكمبيوترات وغيرها كأسلحة حرب في الصراعات بين الدول، وربما تستخدمها عصابات المافيا والأفراد، خاصة مع غياب الإدانة الدولية لما جرى، بل والتأييد المستتر مثل تكرار التصريحات الأمريكية بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
لا يوجد وازع أخلاقي أو قانوني يمنع الإسرائيليين من تكرار خدعة البيجر مع غيره من الأجهزة والمعدات المستوردة من الغرب في أي مكان في دول المواجهة، وفي أي وقت، خاصة مع اتساع نار الحرب ودخول جغرافيا جديدة كل يوم، بحثًا عن ردع تبدد وتفوق منهار لا رجعة له.
رغم كل ما جرى، لم يكن تفجير البيجرات إلا حدثا عابرا، وستكون نتائجه الإيجابية أكثر من نتائجه السلبية، فتستر الأوربيين والأمريكيين على الجريمة أثار الانتباه إلى ما هو أبعد من الأجهزة ذات الاستخدام المدني، فهناك خطر أشد وتهديد لا يمكن تجاهله، متعلق بشراء الأسلحة من أمريكا وأوروبا؛ فماذا يمنع الإسرائيليين من وضع عبوات متفجرة في الصادرات إلى مناطق ودول مستهدفة يمكن استخدامها ولو بعد حين؟!
الهزيمة الثانية في انتظار نتنياهو
لم يعد خافيا أن نتنياهو عالق في غزة، وأن الاحتلال رغم كل الدعم الأمريكي والغربي غير قادر على تحقيق الأهداف المستحيلة التي اتفق عليها لوبي مراكز الدراسات الممولة من الصهيونية العالمية، فلا هم منعوا التهديد ولا هم انتصروا وأجبروا حماس على الاستسلام، ولا هم قادرون على حكم غزة، ولم يستطيعوا جلب إدارة عميلة، ولا هم أعادوا المستوطنين النازحين من الجنوب والشمال إلى بيوتهم.
لقد عجزت الأسلحة والقنابل عن كسر صلابة المقاومة، وتقابل التكنولوجيا الإسرائيلية تكنولوجيا أخرى تستطيع قصف القلب الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وكلما توسعت الحرب تألم الاحتلال وتصدع، ولن تستطيع الولايات المتحدة إنقاذ الإسرائيليين مهما أرسلت من أسلحة وحاملات طائرات، وما لم يتوقف العدوان على غزة بشروط حماس المعلنة فلا ينتظر الإسرائيليون الأمن وسيدخلون في معارك لا نهاية لها.
سيظل نتنياهو يشعل الحروب حتى تحرقه النار في النهاية، ولا مخرج له إلا بوقف العدوان التام والانسحاب الكامل وإعمار غزة ورفع الحصار، فهذه مفاتيح أي حل ومحاور أي صفقة، وبدونها لن يحصد الاحتلال أي شيء، ولن يستسلم أحد، ومع استمرار الاستنزاف سيضطر الإسرائيليون إلى الرضوخ وتقبل الهزيمة صاغرين.