حزب الله.. هل تخرجه الحرب من المأزق الإستراتيجي؟

علم إسرائيل على جدار مبنى استهدفه حزب الله في كريات بياليك في منطقة حيفا (الفرنسية)

لم تكن مفاجأة أن يتدحرج التصعيد المحسوب بعناية بين حزب الله وإسرائيل، من إطار ضيق إلى مواجهة مفتوحة بين الطرفين.

فقبل أن يفيق حزب الله اللبناني من صدمة انفجار أجهزة الاتصال “البيجر”، كانت الضربة الجوية التي استهدفت اجتماعا رفيع المستوى لقادة عسكريين في الحزب.

هذه الضربات المتتالية، أوقعت بالحزب هزيمة بالغة دون وجود معركة حقيقية ضد إسرائيل في ذلك التوقيت.

وليس أدل على ذلك، من تحييد قرابة ألفين من عناصر الحزب في انفجارات البيجرات ما بين قتيل ومصاب بإعاقة دائمة أقعدته عن القتال بقية حياته.

كما أن معاناة حزب الله، تفاقمت بفقدانه هذا العدد الكبير من القادة وفي مقدمتهم القائد إبراهيم عقيل، قائد ومؤسس قوة الرضوان، ذات الشهرة القتالية المعروفة داخل الحزب.

هذه الأحداث المتلاحقة، أدت إلى انكشاف الحزب استخباراتيا وأمنيا، بشكل سريع لم يكن يتوقعه أحد من أعدائه فضلا عن مؤيديه وداعميه.

فإسرائيل نجحت في اختراقه أمنيا، بشبكة واسعة من العملاء، وبالاعتماد على تكنولوجيا حديثة غير معروفة للحزب، حيث تمكنت من تفخيخ آلاف أجهزة الاتصال دون أن يتمكن الحزب من كشفها.

كما وصل الاختراق الأمني الإسرائيلي إلى مفاصل الحزب الرئيسية، بحيث باتت اجتماعات وتحركات كبار القادة الأمنيين والعسكريين مكشوفة للجيش الإسرائيلي.

وكان آخر هؤلاء، قائد الجبهة الجنوبية علي كركي، الذي تم استهدافه في بيروت يوم الاثنين 23 سبتمبر/أيلول، وإن كان نجا من هذا الاستهداف.

كل هذه المقدمات كانت تقود إلى ذلك التصعيد، الذي نراه الآن والذي خلف في يوم واحد، نحو ألف لبناني ما بين شهيد وجريح في أكبر حصيلة يومية للضحايا منذ الحرب الأهلية اللبنانية.

هذه التطورات أفصحت عن معاناة الحزب إستراتيجيا، ووضعته لأول مرة منذ تأسيسه أمام تحدٍ يطول وجوده واستمراره خاصة مع توسع دائرة الحرب.

لكن لماذا وصل الحزب إلى هذه الدرجة من المعاناة؟ وكيف أوقع نفسه في هذا المأزق؟

أولاً: الحسابات الإستراتيجية الخاطئة

مثّل طوفان الأقصى نقلة إستراتيجية مهمة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، وكان واضحا أن ما بعدها سيختلف بعمق عما قبلها.

كما أوضح رد الفعل الإسرائيلي على مدار عام تقريبا، أن الحسابات الإستراتيجية الإسرائيلية تغيرت بعمق، ولم تعد كما كانت من قبل.

فإسرائيل التي أفرجت عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، وفي مقدمتهم يحيى السنوار، مقابل الجندي الأسير جلعاد شاليط، عام 2011، لم تعد هي كذلك اليوم.

فقد عمد نتنياهو إلى إفشال جميع الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وبدا واضحا أن حياة الأسرى لم تعد تمثل ضغطا عليه، بل  تورطت القوات الإسرائيلية في قتل البعض، وتعريض حياة البعض الآخر للخطر.

كل هذا كان دالا بوضوح على أن تل أبيب، تمضي بإصرار صوب تنفيذ مخطط أوسع وأكبر من مجرد الإفراج عن الأسرى، أو حتى تفكيك القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

وهذا المخطط أشار إليه نتنياهو في العديد من تصريحاته، من خلال ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الخالي من المقاومة، وأكد على ضرورة إعادة بناء الأجيال في قطاع غزة كما حدث مع الشعب الألماني عقب الحرب العالمية الثانية.

كل هذه المقدمات كان يجب على حزب الله قراءتها جيدا، ويدرك أن معركته مع إسرائيل لن تكون على غرار ما حدث في 2006، بل هي معركة من نوع آخر، ما يلزم إعدادا وتجهيزا مختلفين لها.

ثانياً: عدم الجاهزية

كشف طوفان الأقصى بوضوح أن حزب الله لم يكن مستعدا لمواجهة حقيقية ضد إسرائيل، فقد دهمته الأحداث كما دهمت الجميع، لكنه في موضع مختلف بحكم الجغرافيا وصراعه مع إسرائيل.

ففي أول إطلالة له عقب انطلاق عمليات الطوفان، ظهر واضحا أن حسن نصر الله، لم يكن لديه ما يقدمه فعليا للمقاومة في قطاع غزة، فرغم قوله بوضوح: “جبهتنا هي جبهة تضامن مع غزة وتتطور وتتحرك تبعا للتطورات هناك، كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة”.

إلا أن الحزب لم يحاول تطوير جبهة “الإسناد” و “التضامن” إلى جبهة مواجهة حقيقية، حتى مع اشتداد المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة.

بل إنه لم يعمد إلى رفع تكلفة فاتورة المواجهة لإسرائيل، وحافظ على مستوى منخفض من التوتر، ما أعطى تل أبيب أريحية تنفيذ العمليات في قطاع غزة، قبل أن تستدير إلى الجبهة اللبنانية، بحثا عن نصر لم تظفر به في القطاع.

ثالثا: ترهل بنية الحزب

لم يلتفت الحزب في غمرة انغماسه في الصراعات اللبنانية الداخلية، أو إصراره على مواصلة مواجهة الشعب السوري، أن بنيته وهياكله التنظيمية أصيبت بالترهل.

لذا وجدت إسرائيل الطريق مفتوحا، لإحداث اختراقات كبيرة داخله، دون أن يحرك الحزب ساكنا لمواجهة كل ذلك، ومعالجة الثغرة الأمنية بالغة الخطورة.

فعلى مدار سنوات تمكنت إسرائيل من استهداف خطوط إمداد الحزب في سوريا، وكذلك استهداف قواعده هناك وبعضا من قادته المؤثرين، دون أي رد فعل مؤثر من الحزب.

وبمقارنة سريعة بين أداء كتائب القسام والحزب، يتضح لنا الفارق الكبير لصالح المقاومة الفلسطينية، رغم الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 17 عاما، والفارق الكبير بين الطرفين في حجم التسليح كما ونوعا، وتوفر خطوط الإمداد لصالح الحزب دون كتائب القسام.

ومع هذا نجحت المقاومة في غزة في بناء قدراتها الأمنية والعسكرية والسياسية، البشرية والتكنولوجية، بما أتاح لها تنفيذ عملية عسكرية بحجم طوفان الأقصى باحترافية عالية باعتراف الجانب الإسرائيلي نفسه، حيث وجهت المقاومة الفلسطينية لإسرائيل أكبر ضربة عسكرية منذ عام 1973 تقريبا، قبل أن ينجح نتنياهو في ترميم صورته وصورة جيشه بالضربات التي وجهت إلى حزب الله مؤخرا.

بل ليس أدل على ترهل الحزب من اغتيال قادة فلسطينيين ولبنانيين في مقدمتهم صالح العاروري، وفؤاد شكر، ومصطفى بدر الدين، وإبراهيم عقيل وآخرين، مع العجز المستمر عن كشف تلك الثغرة الأمنية.

وأخيرا…

فالحزب في مأزق إستراتيجي حقيقي، خاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني، وليس أدل على ذلك من أن المعلومات التي بحوزة الجانب الإسرائيلي تمتد من تحركات القادة، وصولا إلى خرائط توزيع مخازن أسلحة وصواريخ الحزب!

والحرب الحالية قد تمثل مخرجا من هذا المأزق الإستراتيجي، بشرط أن يجيد الحزب معالجة هذه الثغرات في أسرع وقت، فهذه الحرب لا تقبل القسمة على اثنين.

فأي هزيمة تقوده إلى الانسحاب إلى ما بعد نهر الليطاني، فضلا عن تسليم سلاحه، لا تعني إلا نهاية الحزب تماماً.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان