“الحمراء”.. شريان الحياة لـنتنياهو!
لابد أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني ابتسم بزهو، وخيلاء، وهو يتابع على الشاشات صور تجمع عشرات من المواطنين اللبنانيين والمقيمين أمام قسم الطوارئ بمستشفى الجامعة الأمريكية في شارع الحمراء التجاري وسط بيروت للاطمئنان على ذويهم بعد هجمات على أفراد حزب الله تمت الأسبوع الماضي عن طريق تفجير أجهزة النداء الآلي (البيجر)، باستخدام رسائل مشفرة، وهي الهجمات التي أسفرت في حصيلة غير نهائية عن استشهاد أربعين وإصابة نحو ثلاثة آلاف مازال المئات منهم في غرف الرعاية المركزة.
رفع الحادث من حدة الغضب ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان والدول العربية، وازدادت احتمالات التصعيد ونشوب حرب في الشرق الأوسط، وقد كان هذا بالضبط ما يريده رئيس وزراء الدولة العبرية الذي تلاحقه اتهامات بارتكاب جرائم حرب منذ عدوان إسرائيل على قطاع غزة المنكوب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقنابل نتنياهو توحد اللبنانيين.. ولكن!
بنك أهداف الحرب.. وعض الأصابع
بعد السادس من أكتوبر والسابع من أكتوبر .. إلى أين تذهب إسرائيل؟
العملية الأكبر
يُعتقد على نطاق واسع أن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) هو من قام بالهجوم الذي استلزم إجراءات معقدة بين قارتي آسيا وأوروبا من الإخفاء والتمويه والتضليل والخداع عبر سلاسل التوريد من تصنيع الأجهزة وزرع المواد المتفجرة فيها، وحتى تسليمها لعملاء حزب الله في لبنان.
أجهزة النداء الآلي التي تم اختراقها بعد تصنيعها وحشوها بالمواد المتفجرة وتشفيرها بحيث تتلقي رسالة معينة تعطي إشارة بالانفجار الذاتي فورًا هي أكبر وأوسع عملية اختراق تقوم بها أجهزة مخابرات الكيان الصهيوني منذ نشأتها عام 1948 على أرض فلسطين التاريخية بدعم من الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
هدوء هنا
كان لزامًا أن يلجأ بنيامين نتنياهو لتسخين الجبهة اللبنانية بعد أن استنفد أغراضه في غزة التي جعل عاليها سافلها وأضحت خرابًا تحت سمع وبصر المجتمع الدولي ومجلس الأمن ودول العالم كبيرها وصغيرها، وارتقى من سكانها أكثر من أربعين ألف شهيد ونحو ستة وتسعون ألف مصاب. كما أصبحت مدنها ومخيماتها غير صالحة للحياة الطبيعية بعد أن تم تدمير معظم مبانيها وبنيتها الأساسية، وكذلك محطات المياه والكهرباء والمستشفيات والمؤسسات.
الوضع المزري الذي وصل إليه قطاع غزة، وكذلك استيلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي على “محور فيلادلفيا” المتاخم للحدود المصرية وسيطرتها التامة على مداخل القطاع ومخارجه، والعدد الضخم من الضحايا وازدياد ضغط الرأي العام في المجتمعات الغربية على إسرائيل لوقف عدوانها الهمجي على الأبرياء في غزة، كل هذا لم يجعل أمام نتنياهو فرصة لاستمرار خطابه المعلن في أن الحرب على غزة لن تتوقف قبل أن تحقق أهدافها المتمثلة في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإعادة الأمن للدولة الصهيونية.
.. وأزمة مستمرة
يُجمع المراقبون داخل إسرائيل على أن بنيامين نتنياهو في مأزق كبير، وأنه في اليوم التالي لتوقف العمليات العسكرية سيكون مضطرًا لمغادرة مكتبه كرئيس للوزراء، وهو السياسي الأكثر بقاء في هذا المنصب منذ نشأة الكيان الغاصب.
الحساب المنتظر سيكون ثمنه مستقبل نتنياهو السياسي كنتيجة طبيعية للإخفاق الأمني والعسكري والسياسي الذي كشف هشاشة أجهزة الاحتلال الإسرائيلي، وترهلها وعدم قدرتها على رصد أو توقع قيام المقاومة الفلسطينية باختراق السياج الحدودي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بين قطاع غزة والكيان الصهيوني، ومهاجمة مواقع قوات الاحتلال الإسرائيلي وعدد من المستعمرات في “غلاف غزة”، وهي العملية النوعية غير المسبوقة التي عرفت بـ”طوفان الأقصى”، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن ألف ومائتي إسرائيلي، وأسر نحو مائتين وخمسين بواسطة رجال المقاومة الباسلة في الأرض المحتلة.
لم يعترف نتنياهو أبدًا بالمسؤولية عن ما حدث وإنما سارع بتحميل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مسؤولية الإخفاق وهو ما جعله هدفًا دائما لحملات المعارضة وسط مطالبات محمومة ويومية له بالاستقالة من منصبه.
كسياسي داهية متمرس أدرك نتنياهو أنه يجب أن يتجاهل معارضيه وضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة وكل ضغوط الخارج، وكذلك الاتهامات التي تلاحقه بالفساد وتلقي هدايا والتربح من منصبه هو وزوجته سارة، وأن يقفز فوق كل هذا وأن يفرض شروطه الخاصة من أجل البقاء حاضرًا في المجال العام.
.. وتصعيد هناك
لربما كان نتنياهو أسعد محتل بتعدد أعدائه، وبالإسناد الذي تم للمقاومة الفلسطينية في غزة من حلفائها في لبنان واليمن، إذ أتاح له ذلك فرصة عظيمة للمناورة لم يكن ليقتنصها في حال كان خصمه محددًا في غزة ذلك القطاع الواقع فعليًا تحت سيطرة إسرائيل.
مبعث الارتياح لدى نتنياهو هو أن الإسناد تم بواسطة جماعات حليفة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في كل من لبنان واليمن، وهو ما منحه حجة لاستمرار الصراع والمناوشات التي تؤطر إسرائيل في صورة الدولة المستهدفة، مستغلًا العلاقات المتوترة بين نظام الملالي في إيران وبين الحكومات الغربية وهو ما يمنح إسرائيل أفضلية مواكبة المزاج الغربي المعادي لنظام طهران بغض النظر عن حق الكيان الصهيوني في الهجوم على إيران من عدمه.
حرص نتنياهو على استمرار الاشتباكات مع حزب الله على الجبهة اللبنانية عند مستوى لا يصل بها لدرجة الحرب الشاملة، واستطاع التحكم في إيقاع التصعيد وجعله محكومًا بما يريده، ولم يلتفت لكل المناشدات الدولية والإقليمية التي حرصت على تبريد جبهة لبنان.
كان استمرار الصراع مع حزب الله هدفًا في حد ذاته حتى تأتي اللحظة المناسبة لنتنياهو ولظروفه الداخلية ووضعه السياسي ويقرر فيها تصعيدًا يختار توقيته ومداه، لتنفيذ نقلة محسوبة لساحة الصراع من غزة إلى لبنان.
الهروب للأمام
ببراعة نفذ نتنياهو المنشغل ببقائه على رأس السلطة وإطالة أمد الصراع عملية نوعية عبر أجهزته الاستخباراتية استطاع بها أن يربك حزب الله، وحليفته إيران وأن يهز الثقة في جماعة المقاومة اللبنانية، مراهنًا في الخارج على انتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية وعلى فوز المرشح الجمهوري الرئيس السابق “دونالد ترامب”، وداخليًا على تحول الرأي العام في المجتمع الإسرائيلي لصالح اليمين الحاكم خاصة بعد أن استطاع تخطي عدة أزمات عاصفة كان أقلها كفيلًا بانهيار الائتلاف الحاكم.
لم يعد هناك شك في أي عاصمة بالعالم أن رئيس وزراء دولة الاحتلال الصهيوني حريص على استمرار الحرب وعلى إراقة الدماء من أجل البقاء تحت الأضواء وفوق مقاعد الحكم، وهو من أجل ذلك أصبح أكثر حرصًا أن يكون شارع الحمراء في بيروت اسما على مسمى بعد أن تلونت أرصفته ومحاله بلون الدم عقب هجمات “البيجر” الدامية، وما استتبعها من ردود “حمراء” متبادلة بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي وهو بالضبط ما يطيل أمد الصراع بوصفه شريان الحياة السياسية لمجرم الحرب بنيامين نتنياهو.