بشهادات غربية.. حزب الله قادر على الصمود
ينضم يوم الاثنين 23 سبتمبر/أيلول الحالي إلى أيام العار لدولة الاحتلال الإسرائيلي لضخامة عدد الضحايا الذين سقطوا، جراء قصف العديد من المناطق اللبنانية، وهم مئات من الشهداء والجرحى بينهم عشرات الأطفال والنساء، وقد وقع ذلك بعد أيام قليلة من مجزرتي أجهزة الاستدعاء الآلي والأجهزة اللاسلكية.
وتكرر نفس الرد العربي المكتفي بالإدانة على هذا العدد الكبير من الضحايا بلبنان، وذلك منذ اجتياح دولة الاحتلال للبنان عام 1982 لاجتثاث المقاومة الفلسطينية منها، حين وقفت الدول العربية موقف المتفرج رغم قطع إسرائيل الكهرباء والماء والغذاء عن بيروت المحاصرة ثلاثة أشهر، حتى خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وهي الإدانة التي تكررت مع العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1968 وبين 1970 و1974، وكذلك عدوان 1978 واعتداءات ما بين 1979 و1981.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكان ناصرياً في زمن ما..!
في لبنان انقلب السحر على الساحر
ضجيج بالفناء الخلفي للبنان لا ينتظر نهاية الحرب
ومع حلول حزب الله بالمشهد اللبناني بعد خروج المقاومة الفلسطينية منه عام 1982، تكرر العدوان الإسرائيلي فيما بين عامي 1983 و1990، وبعملية الحاسبة ضد حزب الله عام 1993 التي استمرت تسعة أيام، وعملية عناقيد الغضب عام 1996 للقضاء على حزب الله، وعام 1999 وكان العدوان الأكبر عام 2006 وقد استمر 33 يوما.
واستمرت العمليات الحربية بين الجانبين أعوام 2007 و2010 باشتباكات حدودية و2013، وبقصف مدفعي إسرائيلي لمواقع حزب الله 2014 وخلال 2015 و2019 بتبادل إطلاق صواريخ و2021 بضربات على جنوب لبنان، حتى جاء توجه حزب الله إلى إسناد المقاومة بغزة بعد عملية طوفان الأقصى المستمرة عملياته حتى الآن.
لبنان شريك في الحرب منذ 1948
ويرجع تاريخ الصراع بين لبنان ودولة الاحتلال منذ مشاركة الجيش اللبناني ضمن الجيوش العربية السبعة التي شاركت في حرب عام 1948، حيث شارك الجيش اللبناني الذي كان قوامه ألف جندي منذ بداية العمليات في منتصف مايو/أيار 1948 حتى انتهاء العمليات، وبعد توقيع مصر هدنة مع دولة الاحتلال تبعها لبنان بتوقيع هدنة مماثلة في 23 مارس/آذار 1949، وظل لبنان بعيدا عن الصراع خاصة خلال حكم الرئيس كميل شمعون.
ومع ظهور العمليات الفدائية الفلسطينية في النصف الثاني من الستينيات من القرن الماضي، كان للعمل الفدائي الفلسطيني قواعد قوية بالأردن ولبنان، وبعد خروج القوات الفلسطينية من الأردن 1970، اتخذت لبنان مركزا لها، حيث كانت تقوم بعمليات فدائية ضد دولة الاحتلال، فيما بين عامي 1970 و1982 الأمر الذي ترتبت عليه عمليات إسرائيلية ضد قواعد الفلسطينيين وضد المدنيين وقراهم ومحاصيلهم.
وقامت إسرائيل باغتيال ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية ببيروت في إبريل/نيسان 1973 وهم: محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، وفي مارس/آذار 1978 اجتاحت إسرائيل لبنان وأقامت شريطا أمنيا حدوديا ونصبت الرائد سعد حداد قائدا له، وأعلنت دولة لبنان الحرب في إبريل/نيسان 1979، وفي أغسطس/آب 1980 كانت معركة الشقيف التي هاجمت فيها إسرائيل الفلسطينيين، وفي يوليو/تموز 1981 قصفت إسرائيل قوات الفدائيين بهجوم شمل 46 مدينة وقرية.
وبعد غزو إسرائيل للبنان 1982 تأسس حزب الله بمعاونة من الحرس الثوري الإيراني، وأصبح حسن نصر الله أمينا عاما له عام 1992 بعد أن اغتالت إسرائيل بطائرة هليكوبتر أمينه العام عباس الموسوي. وقد توسع الحزب في توفير الخدمات بضاحية بيروت من مستشفيات ومدارس وصيدليات ومحلات بقالة ودور أيتام وجمع للقمامة وإصلاح للبيوت، بجانب نشاطه العسكري حيث كان صاحب أول عمليات استشهادية وأول من نفذ عمليات هجمات مزدوجة في وقت متزامن.
واتجه الحزب إلى المشاركة في العمل السياسي عام 2005 وأصبح له 14 مقعدا بالبرلمان المكون من 128 مقعدا. وأصبح يُشغل نحو 250 ألف شخص عام 2006 مما جعله ثاني رب عمل بالبلاد بعد الحكومة، وبعد انسحاب إسرائيل بعد حرب يوليو/تموز 2006 أصبح نصر الله بطلا محليا، ولم يستجب لقرار مجلس الأمن رقم 1559 لعام 2004، الذي دعا جميع الفصائل المسلحة اللبنانية إلى نزع سلاحها، حيث احتفظ بسلاحه بمبرر استمرار احتلال إسرائيل لمزارع شبعا اللبنانية.
الانقسام الداخلي والتمسك بقواعد الاشتباك
وفي 2008 سيطر الحزب على بيروت الغربية لفترة وجيزة بعد تحرك الحكومة لإزالة شبكة اتصالات عسكرية تابعة للحزب، وشارك الحزب في دعم النظام السوري عام 2012 عند احتدام الحرب الأهلية هناك؛ مما زاد من قدراته العسكرية، وأبرم اتفاقا مع سعد الحريري عام 2016 لجعل ميشال عون رئيسا للبلاد، وكان للحزب دوره في اختيار حسان دياب رئيسا للوزراء بداية 2020 بعد استقالة الحريري، وهو ما يشير إلى تعاظم دور الحزب سياسيا وعسكريا في المشهد اللبناني.
ولم يجد ذلك قبولا من جانب عدد من الفصائل المسيحية، كما تسبب الحزب في تأثر علاقة السُّنّة بلبنان التاريخية بعدد من دول الخليج العربي، التي اعتبرت الحزب منظمة إرهابية مثلما فعل عدد من الدول الغربية.
ولعل كل ما سبق يفسر تمسك الحزب بما أطلق عليه قواعد الاشتباك خلال إسناده للمقاومة بغزة، حيث حرص على الابتعاد عن ضرب المدنيين تجنّبًا لضرب إسرائيل للمدنيين بلبنان، كما حرص لشهور طويلة على قصر عملياته على المناطق الحدودية بعيدا عن المدن الإسرائيلية الرئيسية، أملا في تجنيب المدن اللبنانية الرئيسية خاصة بيروت تبعات القصف الإسرائيلي لها، وحرصا على تجنب تصعيد غضب الفصائل المسيحية غير الراضية عن عملياته لإسناد غزة.
لكنه مع القصف الإسرائيلي الأخير وكثرة ضحايا انفجارات أجهزة الاتصالات ووصول القصف إلى ضاحية بيروت الجنوبية، قام بتوجيه ضرباته وصواريخه إلى مدن إسرائيلية رئيسية ولكن بقدر محدد، أملا في عدم توسيع رقعة الحرب التي تسعى القيادة الإسرائيلية إلى توسيعها، للهروب من مأزق عدم استطاعتها تحقيق ما أعلنته من أهداف لحربها بغزة التي قاربت العام، ولتفادي إعطاء الفرصة للدول الغربية التي تستهدف القضاء عليه منذ سنوات طويلة.
ورغم تصاعد العمليات الإسرائيلية المكثفة مؤخرا، وكثرة عدد الضحايا والتجاهل الغربي لكثرة الضحايا، وما ثبت أكثر من مرة من وجود اختراق للحزب، وكثرة عدد قادة الحزب الذين قضوا نحبهم، يرى عدد من المحللين العسكريين الغربيين أنه ما زال هناك عدد من العوامل التي تتيح للحزب الصمود، أبرزها خبراته القتالية الممتدة عبر أربعين عاما، وإمكانية لحاق آلاف المقاتلين من دول أخرى بصفوفه وتسلسل القيادة المرن به، وشبكة الأنفاق الواسعة التي تعد أصعب من أنفاق غزة، والترسانة الضخمة من الصواريخ والأسلحة التي يمتلكها والتي عززها منذ عملية طوفان الأقصى تحسبًا للرد الإسرائيلي، حيث يدرك الحزب تماما أنه إذا استطاعت إسرائيل إسقاط غزة فإنها ستتجه بكل قوتها للإجهاز على حزب الله بلا أي تأخر.