حزب الله.. لماذا ترتبك قدرته على إطلاق الصواريخ؟!
تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي تصعيد حدة عدوانها على لبنان؛ استهدافا بالغارات الجوية المكثفة، لمناطق متفرقة بالجنوب اللبناني، وضاحية بيروت الجنوبية (معقل حزب الله)، والبقاع (على مسافة 110 كم من شمال فلسطين المُحتلة)، وهو ما أسفر عن سقوط مئات الشهداء من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإصابة آلاف آخرين. وبحسب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فـ”الهدف” هو إعادة سكان شمال فلسطين المُحتلة (150 ألف مستوطن) إلى مستوطناتهم، وهو هدف غير واقعي، مُحال تحقيقه عمليا في ظل اشتداد هذا الصراع المسلح بين إسرائيل، وحزب الله. فالأمين العام للحزب حسن نصر الله، تعهد مُتحديا إسرائيل، في خطابه الخميس الماضي، بعدم عودة هؤلاء المستوطنين، إلا إذا توقفت الحرب على غزة.
التلويح بالغزو البري
“دولة الاحتلال”، ربما وجدت التوقيت مناسبا للتصعيد الحالي، بالقصف الجوي المكثف للمناطق اللبنانية مع التلويح بالغزو البري للأراضي اللبنانية في الجنوب، بعد “الضربات الموجعة والقوية المتتالية”، التي تلقاها حزب الله بتفجير الآلاف من أجهزة البيجر واللاسلكي (يومي 17 و18 /9/ 2024)‘ ثم اغتيال عدد من القيادات العسكرية لوحدات حزب الله القتالية، في ضاحية بيروت الجنوبية. وهو ما نال من منظومة القيادة والسيطرة للحزب، وكشف عن اختراق أمني إسرائيلي خطير (بشري، وتكنولوجي) لصفوف الحزب. وأغرى الكيان بأن الحزب أصبح في حالة ضعف وهوان، وأن الفرصة حانت للقضاء عليه، استغلالا لهذا الضعف المُفترض. تكمن مشكلة “دولة الاحتلال” في الشعور بالتفوق الجوي (وهو حقيقة)، وغطرسة القوة، ومحاولة مداواة الجرح الغائر لديها، المتمثل في تلاشي الردع الذي لطالما كان جدارا سميكا، قويا من الهيبة في مواجهة دول المنطقة، وهو الجدار الذي أسقطته عملية طوفان الأقصى (7 /10/ 2023).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعام من البلطجة الإسرائيلية.. وماذا بعد؟
ما بين الاقتصاد اللبناني والإسرائيلي!
إيران تودع الصبر الاستراتيجي!
فكرة وعقيدة إسلامية
“الكيان الصهيوني” رغم معايشته للمنطقة منذ 76 عاما، غير مُدرك جيدا، لمعنى المقاومة، ودوافعها، رغم انطلاقه من بواعث دينية توراتية مزعومة. فهو يتجاهل أن اعتناق “فكرة المقاومة”، شأن أي فكرة، يعني إيمانا بها، واستعدادا للتضحية في سبيلها. فما بالنا، والفكرة في حالة المقاومة الإسلامية (في فلسطين، ولبنان، وغيرهما) مرتبطة بعقيدة دينية إسلامية، تُحبذ “الجهاد”، وتُعلي قيمته، لتسمو فوق قيمة الحياة نفسها نصرا أو استشهادا. ومفاد ذلك أن القوة التي يتمتع بها جيش الاحتلال، لا تُخيف المقاومة، ولا تردعها للتراجع. كما أن المقاومة -أي مقاومة- على مدار التاريخ، تُبدع أساليبها الخاصة في ضرب عدوها، وإيلامه، والانتصار عليه في نهاية المطاف، مهما طال الوقت.
تفريغ الجنوب اللبناني من سُكانه
ليس صحيحا ما يزعمه “نتنياهو”، بأنه يهدف فقط لإعادة مستوطني الشمال (شمال فلسطين المُحتلة)، إلى مساكنهم، فهو يعلم قبل غيره استحالة تحقيق هذا الهدف بالحرب. لكنه يبتغي بحربه على لبنان ستة أهداف نسردها دون أن يعني ذلك إمكانية تحققها، فالوقت مبكر للقطع بهذا. أول أهداف نتنياهو: إزاحة “غزة” من دائرة الاهتمام، للتعمية على فشل جيشه في تحقيق أهداف حربه عليها، والتهرب من صفقة تبادل الأسرى؛ ليظهر كما لو أنه قد انتصر في حربه على قطاع غزة، واستدار للقضاء على حزب الله. ثانيها: إثارة الفتنة في صفوف الشعب اللبناني، بالضغط العسكري على المدنيين، وإعمال الإبادة فيهم -على غرار غزة- مع التركيز على جنوب لبنان الذي يُعد سكانه الحاضنة الشعبية لحزب الله، والخزان البشري له. وذلك بقصد تفريغه من سكانه، بتهجيرهم، وتشريدهم، لدفعهم إلى الثورة على الحزب، لكونه السبب المُباشر فيما لحق بهم من دمار وأذى.
مقاتلو الحزب ومعنوياتهم
ثالث الأهداف الإسرائيلية: استثمار هذه الفتنة المُبتغاة إسرائيليا -إن نجحت- في ضرب معنويات مقاتلي الحزب، ونقل الانشقاقات إلى صفوفهم، ومن ثم يسهُل هزيمته والقضاء عليه. رابعها: في حال سارت الأمور على هذا النحو أنه يمكن لجيش الاحتلال اقتحام معسكرات الحزب، ووحداته القتالية وتفكيكها، بما يقضي على القوة الضاربة للحزب بافتراض إخلاء الجنوب من السكان. خامسها: إذا لم يتمكن جيشه من القضاء على الحزب عسكريا، فيكون قد تم إضعافه، وإرغامه على قبول الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، لتكون قواته على مسافة 45 كم من الخط الأزرق الفاصل بين لبنان، ودولة الاحتلال، وبالتالي يُعيد سكان مستوطنات الشمال. سادس أهداف نتنياهو، وآخرها: الاستفراد مرة أخرى بـ”قطاع غزة”، لعله ينجح في تحقيق أهدافه المستحيلة من حربه على القطاع.
ارتباك، دون الانهيار
إسرائيل تورطت في التصعيد الحالي بفعل “الحسابات الخاطئة”، التي افترضت انهيار حزب الله، بتأثير ضربات البيجر واللاسلكي، واغتيال بعض قادته العسكريين. فالحزب، وإن كان قد أصيب حتما بارتباك فإن قدراته القتالية وترسانته الصاروخية لم تتأثر. بدليل إطلاقه لصواريخ جديدة أبعد مدى، وأكثر وجعا وإيلاما للكيان الصهيوني، إذ أصاب أهدافا وقواعد عسكرية، في حيفا، ونهاريا، بثلاث نسخ من صواريخ “فادي” التي استخدمها للمرة الأولى. وقصف بصاروخ باليستي (قادر 1)، “مقر الموساد” في تل أبيب تنفيذا لمعادلة تل أبيب مقابل بيروت التي أعلنها نصر الله. يؤخذ على “الحزب”، أن ردوده على الغارات الجوية الكثيفة التي يشنها الطيران الإسرائيلي على البلدات اللبنانية تبدو غير متناسبة، وليست رادعة، وأنه يقصر ضرباته للكيان على أهداف عسكرية، دون المدنيين، ربما ارتهانا لضغوط إيرانية، أو حسابات مرتبكة، فإلى متى يستمر ذلك والغارات الإسرائيلية لا تتوقف على البلدات اللبنانية؟
الهزيمة الثالثة
سياق التصعيد الجاري يشي بأن جيش الاحتلال، ربما ينجر، إن عاجلا، أو آجلا، للدخول بريا إلى جنوب لبنان؛ ليحقق ما يتمناه حزب الله، الذي يتوق إلى المواجهات البرية التي هي ذاتها نقطة ضعف لدى الجيش الإسرائيلي. لتكون الهزيمة الثالثة لـ”جيش الاحتلال” في لبنان. كانت الأولى، هزيمة الحزب لجيش الاحتلال عام 2000، لينسحب من جنوب لبنان دون شروط. المرة الثانية عندما هُزم الاحتلال في جنوب لبنان بعد حرب دامت 34 يوما، (حرب يوليو/تموز 2006)، عقب المجزرة التي نفذها الحزب لـ”دبابات” جيش الاحتلال.
نسأل الله أن يحفظ لبنان وفلسطين.