أحداث لبنان بين الشماتة والتضامن

جانب من الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلة بمزارع شعبا (الفرنسية)

منذ دخول حزب الله على خط القصف الإسرائيلي، وهناك معارك كلامية تدور على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى مستوى البرامج والقنوات كذلك، تدور حول الموقف من عدوان إسرائيل على حزب الله في لبنان، وهل يتضامن العرب والمسلمون معه، أم يرفضون ذلك التضامن لمواقفه السابقة في سوريا، ووقوفه ضد الثورة السورية، والمشاركة بأفراده في عمليات ضد الثورة والسوريين.

مواقف مركبة ومربكة

ومن الطبيعي أن تكون مثل هذه المواقف مركبة ومربكة، لأن الإنسان يقف حائرا، فالقاتل هنا عدو كبير للأمة والإسلام والمسلمين، وهم الصهاينة في حروبهم ضد غزة، وقد قام بمجازره ليس انتقاما لموقف الحزب ضد السوريين، بل لموقفه منه، كما أنه يحار لأن من شارك في قتله وقتل إخوانه وأهله يحاربه عدو مشترك، ولذا فهو يتشفى فيه لما قام به معه، رغم بغضه للكيان.

وبداية نؤكد أن مسألة الفرح أو التشفي في موت من قام بقتلك، أو العدوان عليك، سواء كان مسلما أم غير مسلم، هو أمر طبيعي، لا يملك أحد أن يمنعه، ولا أن يحرمه، بل هو في حكمه الشرعي: مباح، فليس الإنسان مأمورا شرعا بالفرح، ولا منهيا عنه في هذه الحالة، إذا كان من مات هو بالفعل من مارس القتل أو الظلم عليك، فلك أن تعرض عن الفرح لما أصابه، ولك أن تمارسه.

تعميم الشماتة

لكن تكمن المشكلة هنا في نقطتين مهمتين، الأولى: التعميم، فلا يميز الشخص بين ما أصاب عدوه، وما أصاب من لم يمارس عداونا عليه، وهو ما يحدث في أحداث لبنان، فإن في الضحايا أطفال ونساء ودعاة ليسوا منتمين لحزب الله في لبنان، ولا خارجه، فقد قُتل داعية من دعاة الإخوان المسلمين في لبنان، وهو ما يقال عن حالات كثيرة؛ ولذا فإن التعميم هنا سيكون خطأ، لأنه يمس أشخاصا ليسوا أصحاب خصومة مع من يرى التشفي والفرح هنا، خاصة من يعمم في موقفه، بل سيجعله يخسر أشخاصا من أهل لبنان، من مؤيدي قضيته، لأن في مثل هذه الحالات ينظر الناس نظرة قومية، فهو يرى أي شماتة أو فرح في هذه الأحداث هو متعلق بلبنان كلها وليس فصيلا فيها، اعتدى عليك ظلما وبغيا من قبل.

ليس كل مباح يعلن

أما النقطة الثانية، فهي: الإعلان بالفرح أو الموقف الشامت هنا، فهل كل مباح لك، يكون مباحا لك إعلانه؟ هذه مسألة أخرى مهمة، فقد يكون الأمر في أصله مباحا، لكنه يمنع إعلانه، وهذا ما لا بد من تدبره والتأمل فيه جيدا، فإن سب الأصنام في أصله مباح، ولكن القرآن الكريم نهى عن ذلك إذا ترتب عليه ضرر، فقال تعالى: {وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ‌فَيَسُبُّواْ ‌ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡم} (الأنعام: 108). فقد منع القرآن هنا سبّ الأصنام، لما يترتب على ذلك من مفاسد، وهو أن يسبّ أتباعها الله عدوا بغير علم، فمراعاة مآل الفعل المباح مطلوبة، حتى لا يؤدي إلى مفسدة، وإن كان حقا مشروعا.

وهو ما يتضح أكثر في وصية النبي صلى الله عليه وسلم في نهيه عن سب الميت، وبخاصة أمام أهله من المؤمنين، وذلك عندما أسلم عكرمة بن أبي جهل، فقال صلى الله عليه وسلم: “يأتيكم عكرمة مسلما، فلا تسبوا أباه، فإن سبّ الميت يؤذي الحي”، رغم أنه صلى الله عليه وسلم سماه فرعون الأمة، ولا يمكن أن تحكى غزوة بدر دون ذكر أبي جهل ومقتله، وما فعله من قبل، لكن ذكر ذلك أمام عكرمة مع السب ليس مطلوبا، لما يتضمنه من مفاسد، وبخاصة أنه لو عاش إنسان ومات لم يسب أبا جهل ما كان مقصرا في واجب من الواجبات الشرعية.

وهو هنا ما لا بد من حسابه في مثل هذه المواقف، فهل الإعلان عن هذا الموقف -الذي لا ينكر أحقيته للمظلوم أحد- مصلحة تفيد منها أمتنا، أم أنه أكثر فائدة للعدو الصهيوني، بأنه ظفر في معاركه بما يوجع، وقد يؤدي ذلك لمكاسب معنوية يظفر بها، يتقوى بها على ظلم آخرين، كما في حال أهل غزة، أو تحسين صورته داخليا في مجتمعه الصهيوني الذي يهاجم فيه، وتسير مظاهرات ضده، وضد بعض سياساته.

اللهم أهلك الظالمين بالظالمين!

من العبارات التي تم تداولها في هذه الأزمة، مقولة شائعة تقول: اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين. وهي عبارة لا ندري من قائلها، لكنها عبارة تعبر عن سلبية الشخص تجاه الظلم، بل إن القرآن الكريم بين أن لنا دورا في معارك الظلم، فقال تعالى: {وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ ‌بِعَذَابٖ ‌مِّنۡ ‌عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} (التوبة: 52).

فالمطلوب من المسلم أن يقاوم الظالم، لا أن ينتظر لقاء ظالم بظالم، فربما أدى انتصار أحدهم، إلى زيادة قوته، ثم واجهك بظلمه بعد أن قوي، فكان ذلك وبالا عليك، وقد كنا نقول ذلك عند وجود قطبين هما: أمريكا وروسيا، وفرحنا بسقوط الاتحاد السوفيتي، ولكن ذلك لم يكن لصالحنا، لأننا لسنا موجودين على خريطة القوة ولا القوى العالمية. فكل ما حدث أن أصبح العالم يحكمه قطب واحد، وليس معنا، بل علينا في جل قضايانا.

وهو ما لا بد من حسابه في الموقف من مثل هذه المعارك، فهل انتصار إسرائيل على حزب الله في لبنان فيه مكسب لنا ولقضيتنا في غزة وغيرها؟ وهل في ذلك رد لحقوق السوريين والعرب؟ الحقيقة الماثلة أمام العيان، أن ذلك لا يتحقق، بل بنسبة كبرى ليس في صالحنا.

إذن مسألة الإعلان العام بالتشفي والفرح لما يصيب جبهة لبنان، بما فيها حزب الله، جراء العدوان الصهيوني عليها، ليس مطلوبا، ولا مصلحة ترجى منه حاليا، وأصحاب هذا الموقف لا يمكن المزايدة عليهم، فقد كان موقفهم وقت العدوان على أهل سوريا واضحا جليا، وليس مقبولا أن ينسى لهم هذا الموقف، ويصنف أصحابه بأنهم جهلاء بالشأن العام، وأنهم أبعد ما يكونون عن صحة الموقف السياسي، أو الديني. ولسنا مع الذين يتهمون أصحاب الموقف المختلف بأنهم صهاينة، نعم يوجد من يتخذ موقفه دعما للصهيونية، فهؤلاء مواقفهم وتاريخهم مفضوح ومكشوف. ولكن المواقف التي تبنى على تصور ومبدأ، ولو اختلفت معه، مواقف مقدرة، كل ما هنالك أنه ينصح عند اتخاذها بأن ينظر إلى الأمر نظرة عامة وشاملة، لا تقف عند حدود النظرة القُطْرية، أو الشخصية، والحق الشخصي مكفول ومقدر، لكنه ينبغي ألا يؤثر في الموقف العام والجماعي في قضايا متشابكة كقضيتنا التي نناقشها.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان