تساؤلات مشروعة في مواجهة العدوان

جامعة الدول العربية

منذ إنشاء إسرائيل، وهي لا تخفي أطماعها بالتوسع في المنطقة، استنادا إلى نصوص توراتية مزيفة تارة، وبروتوكولات حكماء صهيون تارة أخرى، وحكومات متعاقبة متطرفة تارة ثالثة، ربما كانت الحكومة الحالية أكثرها تطرفا. التوسع بحكم المنطق -كما هو معلن- على حساب دول الجوار، بل تعداه إلى جوار الجوار، أي أنها لم تكتفِ بفلسطين ومصر والأردن وسوريا ولبنان، بل تعدت الأطماع إلى بلدان أخرى بالمنطقة، وهو ما يشير إلى أننا أمام أخطر احتلال عرفه التاريخ.

الواقع يشير إلى أن العرب قد نفضوا أيديهم من القضية الفلسطينية، أو من التوسع الإسرائيلي على حساب الأراضي الفلسطينية، الدليل على ذلك الموقف الحالي من حرب الإبادة على غزة والضفة الغربية، الذي لم يتجاوز التصريحات والبيانات دون المستوى، ثم جاءت الحرب على لبنان لتكشف أن العرب قد نفضوا أيديهم من العروبة ككل، حيث اختفت “المظاهر” المتعلقة بانعقاد قمة هنا، أو اجتماع وزاري هناك، أو على أقل تقدير قطع علاقات عواصم التطبيع مع ذلك الكيان المارق، أو حتى التلويح بذلك، وهو ما جعل من إيران لاعبا رئيسيا على الساحة، إن لم يكن وحيدا.

هناك وجهة نظر ترى أن العرب اختفوا في ظروف غامضة، منذ أن اختفى القادة التاريخيين للصراع في ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي، فقد كان بوجودهم الحد المقبول شعبيا، من المواقف الداعمة لدول المواجهة مع كيان الاحتلال، بينما وجهة النظر الأخرى ترى أن النظام العالمي الجديد، بقيادة الولايات المتحدة، في غياب القطب الآخر، ممثلا في الاتحاد السوفييتي السابق، لا يسمح بوجود تجمعات -عربية أو غير عربية- مناوئة سياسيا، وهو ما تعيه القيادات العربية الناشئة التي تخشى الإطاحة، حتى أن جامعة الدول العربية أصبحت “مجمدة” بحكم الواقع.

المؤكد أنه في حال تحقيق الكيان أهدافه، في كل من غزة ولبنان، لن يتوانى عن استهداف جبهات أخرى على الفور، لاستكمال مخططاته، حتى إن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الكيان أعلن ذلك عقب تنفيذ مخطط التفجيرات اللاسلكية في لبنان قائلا: الآن نبدأ إعادة ترتيب المنطقة! بما يشير إلى أن فلسطين ولبنان مجرد البداية، وقد سمعنا تصريحات رسمية إسرائيلية تتعلق بضرورة ترحيل فلسطينيي الضفة إلى الأردن، كما أن مخطط ترحيل فلسطينيي غزة إلى مصر لم يسقط من الحسابات.

 أسئلة الشارع بلا إجابات

الأسئلة التي تطرح نفسها في الشارع العربي حول ما يجري على الساحة كثيرة، وتظل دون إجابات، ما دامت الشفافية منعدمة، البرلمانات بلا فاعلية، الإعلام يدور في الفلك الرسمي، الأحزاب والقوى السياسية في خبر كان، وهو ما جعل من المواطن العربي مجرد رقم، لا حول له ولا قوة، إلا أن الأنظمة الرسمية على الرغم من هيمنتها، لا تستطيع حجب هذه الأسئلة أو الاستفسارات، حول الحاضر، الذي يُبنى عليه من أجل المستقبل، اقتصاديا بشكل خاص، في صور استثمارات مرتعشة، مشروعات مهددة، مصير غامض، وتتمثل هذه الأسئلة في التالي:

أولا: إذا كان الأمر كذلك، لماذا كل هذا الإنفاق على التسلح في العالم العربي، الذي اقترب من 150 مليار دولار العام الماضي، متفوقا على الإنفاق على التعليم في معظم الدول؟

ثانيا: لماذا انفرط العقد العربي، تجاه العدو الصهيوني، بالهرولة نحو التطبيع وإقامة العلاقات، على الرغم من استمرار احتلال فلسطين وأراضٍ عربية أخرى؟

ثالثا: لماذا يجلس العرب في مقاعد المتفرجين، مع انفراد الكيان بكل وطن على حدة، إلى أن خرجت سوريا من المعادلة المتعلقة بالمواجهة، بينما جاء الدور على المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية؟

رابعا: لماذا لا يُسمح للشعوب العربية بالانخراط في صفوف المقاومة من خلال التطوع ما دامت الأنظمة الرسمية، متخاذلة عن القيام بدورها في هذا الشأن؟

خامسا: ما جدوى وجود جامعة الدول العربية، ما دامت افتقدت الهدف من قيامها، أو من استمرارها، وأصبحت مثارا للتندر والسخرية؟

سادسا: ألا يستدعي الأمر الآن، مع التطورات الأخيرة في المواجهة، انعقاد قمة عربية مفتوحة، والإعلان عن دعم المقاومة في كل من فلسطين ولبنان بالمال والسلاح؟

سابعا: إذا لم يكن هناك تضامن عربي، في مواجهة عدوان خارجي آثم، واحتلال صهيوني بغيض، فعن أي تضامن أو تعاون يمكن أن نتحدث؟

ثامنا: كيف يمكن الوثوق ببعضنا بعضا، حال تسريب أنباء عن تقديم الدعم لدولة الاحتلال من إحدى البلدان العربية، أو تعاون عسكري من أي نوع؟

تاسعا: إلى متى تظل هذه الفجوة الواضحة، بين الشعوب العربية والمواقف الرسمية للأنظمة، وبشكل خاص فيما يتعلق بالقضايا المصيرية للأمة؟

عاشرا: أليست القدس مسرى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والمسجد الأقصى (أولى القبلتين وثالث الحرمين) ركنا أصيلا من إيمان الأمة، بما يفرض شد الرحال إليهما، والذود عنهما؟

   القوة النووية مارقة

سوف تظل أسئلة الشارع العربي تطرح نفسها، من المحيط إلى الخليج، إلا أن الخطير في الأمر، هو أنها يمكن أن تتحول بحكم تطور الأوضاع، إلى عامل قلق وعدم استقرار في كل بلد على حدة، تتفاعل بتفاعل الأحداث، تخرج عن السيطرة بسخونة المواجهات، وهو ما يحتم على الأنظمة، التعامل مع الأوضاع الراهنة، بقدر كبير من المسؤولية، بما يتناسب مع حجم المخاطر التي تنتظر الجميع دون استثناء، في ظل وجود قوة نووية مارقة بالمنطقة، لا تتورع عن ارتكاب مزيد من الجرائم، في حماية قوى كبرى، تحول بينها وبين القانون الدولي، أو بمعنى أدق: تحول بينها وبين المحاسبة على هذه الجرائم، ما مضى منها، وما هو قادم.

نحن في حقيقة الأمر، أمام قضية وجودية لكل دول وشعوب المنطقة دون استثناء، من السفه عدم التعامل معها على قدر خطورتها، بعد أن أصبح مؤكدا أن الجبهتين، الفلسطينية واللبنانية، تمثلان رأس الحربة الآن، في الدفاع عن الوجود العربي ككل، وهو الأمر الذي كان يجب أن تعيه الأنظمة مبكرا، حتى لا تظل طوال الوقت في قفص الاتهام، أمام شعوبها، تارة بالتقصير، وأخرى بالتبعية، وثالثة بما هو أكثر!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان