اغتيال حسن نصر الله.. ليس شرا محضا!
بينما كان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي مجرم الحرب بنيامين نتنياهو يلقي كلمته معتليًا منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تلطخت بعار حضوره، كانت الطائرات الإسرائيلية تباشر طلعاتها الإرهابية، وتقصف الضاحية الجنوبية من بيروت بعشرات الأطنان من القنابل الشديدة الانفجار، التي أُعلن بعدها بساعات تأكيد استشهاد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله.
الإجرام الإسرائيلي
قصف الضاحية الجنوبية من بيروت، والعدوان المستمر على غزة أثناء انعقاد الجمعية العادية للأمم المتحدة، الذي تواصل بضراوة بعد خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وازداد ضراوة بعد حضور نتنياهو للأمم المتحدة وأثناء خطابه أمام الجمعية العامة، أهال التراب على أي شرعية مدعاة للأمم المتحدة، وعلى المزاعم الأمريكية والغربية بالسعي لوقف إطلاق النار وتجنب توسيع دائرة الحرب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعام من البلطجة الإسرائيلية.. وماذا بعد؟
ما بين الاقتصاد اللبناني والإسرائيلي!
إيران تودع الصبر الاستراتيجي!
إضافة إلى ذلك، فقد أكد استمرار العدوان الإسرائيلي أن ردود الفعل الدولية الباهتة التي لا تتجاوز عتبة الرمزيات لا قيمة لها على الإطلاق، خاصة أن الوقت والظرف يتطلبان الفعل والعمل الجاد لوقف الإجرام الإسرائيلي في المنطقة.
وحقيقة الحال أن الإجرام الإسرائيلي هو إجرام أمريكي غربي؛ لأن إسرائيل وجيشها المحتل أداة تنفيذية ويد متقدمة للغرب وأمريكا تحديدًا في المنطقة، تمارس كل الإجرام الممكن بالنيابة، في محاولة محمومة لتحقيق انتصار، ما يعيد الردع الإسرائيلي إلى سابق عهده قبل أن يطيح به طوفان الأقصى، هذا الردع الذي هو في حقيقته يمثل الهيبة الأمريكية والغربية، ويعني التفوق المستمر الذي لطالما حرصوا على تصديره وتأكيده.
نعي حسن نصر الله كُتب في واشنطن
ومع إعلان تأكيد استشهاد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تستوقفني معلومات كشف عنها أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، الدكتور فواز جرجس، وذلك خلال لقاء له مع برنامج (المسائية) على قناة الجزيرة مباشر، في يوم السبت الموافق الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول 2024.
فقد أشار فواز جرجس إلى أن إسرائيل تستعد لتصعيد كبير مستفيدة من الفرصة الأمريكية التي يتيحها لها موقف الإدارة الأمريكية الحالي.
وأضاف جرجس أن أحد الصحفيين الأمريكيين البارزين في اتصال معه قبل أربع ساعات من لقائه مع الجزيرة مباشر، أخبره بأن صحفًا أمريكية كبرى تقوم بتحديث النعي الخاص بالأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، توقعًا لاحتمال قيام إسرائيل بمحاولة اغتياله.
وبالنظر إلى ما أشار إليه فواز جرجس، وبقراءة العديد من المواقف والتصريحات الأمريكية على مستويات مختلفة، فإنه يمكن القول إن عملية التخطيط لاغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تم التوافق عليها والتخطيط لها بين أمريكا وإسرائيل، وكل تصريحات خلافًا لذلك ما هي إلا للاستهلاك الإعلامي الذي تعودنا عليه مع الإدارة الأمريكية وسياستها القائمة على التناقض بين الأقوال والأفعال.
خلال الأيام السابقة، مارست الولايات المتحدة الأمريكية دورًا فاعلًا في التمهيد لاغتيال حسن نصر الله وغيره من قادة حزب الله في لبنان، حيث باشرت الإدارة الأمريكية عمليات أسناد وإشغال واتصالات دبلوماسية، اختُتمت بزيارة الموفد الرئاسي الأمريكي آموس هوكشتيان إلى تل أبيب، التي أعلن بعدها عجزه عن إقناع الإسرائيليين بوقف اندفاعاتهم اتجاه لبنان!
من ناحية أخرى، فقد زار قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان للاطلاع على خطة الهجوم المُعدَّة للبنان، وقد شهدت الجبهة تصعيدًا إسرائيليًّا كبيرًا عقب هذه الزيارة.
كما جاء هذا التصعيد متزامنًا مع وصول حاملات الطائرات الأمريكية إلى شواطئ البحر المتوسط.
على جانب آخر، توالت الإعلانات الأمريكية عن الالتزام بأمن إسرائيل والدفاع عنها وحمايتها، في الوقت الذي أجَّل فيه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن زيارته لإسرائيل، وأجرى اتصالًا هاتفيًّا مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وناقش معه الوضع في لبنان وغزة، وأبلغه بقراره تأجيل الرحلة.
وقد أكد أوستن لغالانت أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في مواجهة تهديدات إيران وحزب الله اللبناني، وملتزمة بالعمل على مواصلة ردعهما.
كل المؤشرات تقود إلى الإجابة عن السؤال: من الفاعل الحقيقي لجريمة اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله؟
أمريكا هي التي تقود مسار التصعيد
من ينظر في حقيقة الموقف الأمريكي سواء في الحرب على غزة أو التصعيد ضد لبنان ومحور المقاومة، سيجد أن الإدارة الأمريكية تقف وراء تصعيد الأزمات وكل الأفعال الإرهابية التي تمارسها إسرائيل في المنطقة، فالأقوال والتصريحات ما هي إلا وسائل التمويه المعتادة، أما الأفعال على أرض الواقع فهي كاشفة لحقيقة المواقف الأمريكية.
إن واشنطن هي التي تقود المسار فيما يحدث من تصعيد في المنطقة، وهناك تنسيق على كل المستويات، وتعاون عسكري ولوجيستي كامل بين إسرائيل وأمريكا، ومن الخطأ تصور أن حكومة نتنياهو تباشر تحركاتها سواء في غزة ولبنان أو في المنطقة دون مباركة وضوء أخضر أمريكي، ودعم استخباراتي ولوجيستي.
إن الإجابة عن السؤال حول الفاعل الحقيقي وراء اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، لا تحتاج إلى جهد، فمن وقف وراء اغتياله واغتيال غيره من قادة المقاومة هو من يقف وراء كل تصعيد في المنطقة، ويسعى لكسر إرادة شعوبها.
إن معركة إسرائيل ومن تمثلهم ليست مع حركات مقاومة أو قادة هنا وهناك، ولكنها معركة مع شعوب المنطقة، وعمليات الاغتيال التي يتم هندستها بمباركة وضوء أخضر أمريكي، لن تفت في إرادة شعوب المنطقة، التي باتت تدرك أكثر فأكثر حقيقة العدو، الذي يحرك دوامة الحرب ويتجاوز كل الخطوط الحمراء.
إن الإرهاب الذي تمارسه دولة العصابات الإسرائيلية، بقيادة عصابة نتنياهو، وأجهزتها العسكرية والأمنية، هو تنفيذ للأيديولوجية الصهيونية، التي يتبناها الفاعل الحقيقي، الذي يقف وراء التصعيد في المنطقة، ومن الخداع للنفس الاعتقاد بغير ذلك.
ختامًا
إن الاغتيالات لا تحقق نصرًا ولا تحسم حربًا، واغتيال قادة المقاومة على مر تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي يؤكد ذلك، حيث تنتقل المقاومة من مستوى إلى مستوى أفضل منه، وما يحدث ليس شرًّا محضًا، ولكن في طياته ما يقود المنطقة نحو تغيير كبير طال انتظاره، سيأخذ وقته ولا بد من دفع ثمنه.