اغتيال «نصر الله» تسرع بانشطار عالمي وحرب باردة جديدة!

نتائج غارة جوية إسرائيلية أدت إلى مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله (الأناضول)

تظهر المشاهد الدامية في لبنان حالة الدمار الواسع جراء العدوان الإسرائيلي على بيروت واغتيال القائد حسن نصر الله زعيم حزب الله، ونحو 600 شخص وإصابة نحو 2000 آخرين، أن العالم ينجرف إلى حرب باردة، قد تدفعه إلى حرب عالمية ثالثة.

مع هول المعارك التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على جنوب لبنان، لم ندرك بعد غير فوهة البركان، حيث تظل انفجارات أجهزة النداء الآلي والهواتف اللاسلكية، التي وقعت يومي 17 و18 سبتمبر الجاري، قبل اغتيال” نصر الله” أشد خطورة على المنطقة، متجاوزة عدد الضحايا الذين بلغوا 35 قتيلا ومئات المصابين، وعالم ينشطر بقوة إلى نصفين، أحدهما شرقي تقوده الصين وآخر بزعامة الولايات المتحدة، تمارس فيه إسرائيل دور كلب الحراسة على المنطقة.

كارثة مخططة

أطلقت انفجارات الهواتف حربا كانت متوقعة قبيل نهاية العام، بين حزب الله والكيان الصهيوني ظلت معلقة بتوقيت حدوثها، وقدرة رئيس وزراء الكيان على المناورة للهروب من مساءلته عن فشله الذريع في غزة وعدم قدرته القضاء على ” حماس”.

وجد ” نتنياهو حربه المؤجلة مع حزب الله رهينة لتقارب سياسي بين طهران وواشنطن، فأراد الإسراع بضربته الوقحة، أملا في تخفيف الضغوط التي سببتها غارات حزب الله على شمال الأراضي المحتلة، بما يضمن له إعادة 60 ألف مستوطن نزحوا من أماكنهم بعد 8 أكتوبر الماضي، ولم يستطع إعادتهم، لانشغاله بالحرب على غزة، وعدم توصله إلى تفاهمات دائمة مع حزب الله تضمن له تأمين الحدود الشمالية.

ستطول الحرب الإسرائيلية على لبنان لأشهر عدة، وستكون النتائج كارثية لكليهما، ولكنها – وفقا للسيناريو الأمريكي والدعم الغربي – لن تبرح الحدود المرسومة لها من قبل البيت الأبيض، ولن تتجاوز العمليات العسكرية مسافة 8 كيلو مترات جنوب لبنان واستهداف 280 موقعا لحزب الله ومقر القيادات بالضاحية الجنوبية ببيروت.

يضغط البيت الأبيض على نتنياهو حتى لا يخرج عن طوعه والسيناريو المرسوم من قبل القيادات العسكرية والمخابراتية بحلف” الناتو”، بعدما فاز باغتيال حسن نصر الله وأدرك خطورة انفجارات الهواتف والنداء الآلي، وتسببها في حالة انقسام دولي عنيف بين الأصدقاء الغربيين قبل الأعداء لإسرائيل وواشنطن.

حصان طروادة

صنع الإسرائيليون حصان طروادة لاغتيال قيادات حزب الله بعقر دارهم، فرحين بنصر سريع عبر دعم أمريكي وغربي واسع وتوظيف تكنولوجيا مدنية في أغراض عسكرية، دون أن يدركوا أن هذه النوعية من الأسلحة الفتاكة، تستخدم لمرة واحدة، بمجرد الضغط على الزناد، حيث ينتبه الناس إلى خطورتها، ويعمل كل منهم للحيلولة دون حدوثها مرة أخرى.

حرقت تفجيرات بيروت أوراقا إسرائيلية منسية بالذاكرة العربية، حيث أصابت ” الأنظمة العربية الصديقة لتل أبيب، بمخاوف استيراد برامج تقنية أو سلع صناعية معدة في إسرائيل، مسترجعة ما فعلته بهم، أثناء الحروب العربية السابقة، عندما كانت جواسيس إسرائيل وطائراتها تلقي بلعب الأطفال والشيكولاته أمام المدارس وبالميادين، تنفجر بمجرد التقاطها من الأرض، متذكرين قدرتها الحالية في توظيف تفوقها التكنولوجي بوحشية ومهاجمة الخصوم دون تمييز في الوقت الذي تختاره.

زادت المخاوف مع تصريحات يوشيكي إينوموتو مدير شركة (آيكوم) اليابانية، المتخصصة بتصنيع معدات الاتصالات اللاسلكية لجريدة فاينشيال تايمز البريطانية، نهاية الأسبوع الماضي، بأن أجهزة “آيكوم” المحمولة طراز IC-V82، التي ابتكرتها شركته – المماثلة لمعدات تفجيرات بيروت – شُحن منها 160 ألف جهاز إلى دول بالشرق الأوسط، بين عامي 2004 وأكتوبر 2014، قبل توقف إنتاجها منذ 10 سنوات، مبينا أنه من المحتمل أن يكون هناك نفس العدد من النماذج المزيفة يجري تداولها حتى اليوم بالشرق الأوسط وحول العالم.

لدى مصانع (آيكوم) الواقعة بمدينة أوساكا اليابانية، موزعا إسرائيليا لمنتجاتها التي تسيطر على 40٪ من سوق أجهزة الراديو للهواة و25٪ من الأجهزة المستخدمة في البحرية و5٪ من أجهزة الراديو المتنقلة بأنحاء العالم.

أضاف إينوموتو “نحن متأكدون بنسبة 99.9٪ أن منتجاتنا لم تكن متورطة، في تفجيرات بيروت، وأن الأجهزة التي ظهرت بعد الهجوم تفتقد الختم الهولوجرافي الذي يميز بين المنتجات الأصلية والمزيفة، وأن الشركة أوقفت تحديث معداتها القديمة، وإنتاج البطاريات المستخدمة بها”.

الموساد والأجهزة المزيفة

يبحث الخبراء اليابانيون ونظراهم بالعالم، المخاطر المتعلقة بأمن سلاسل التوريد، وسبل التحكم ببيع الأجهزة المزيفة، عبر حلول تكنولوجية، في ضوء الهجمات الإسرائيلية، التي سلطت الضوء على أصول الأجهزة المتفجرة، وكيف يجري تحويلها إلى أسلحة، لا سيما أن بعض هذه الأجهزة المزيفة استخدم بعضها لدى طالبان في أفغانستان، والتي كانت تؤدي إلى مقتل قيادات منها بنفس النهج الذي ارتكبته إسرائيل في لبنان!

أصيبت الشركات الغربية بصدمة ضياع الثقة بسلاسل التوريد، معلنة خشيتها من خلط الدول المتنافسة مع حلف الناتو بين توظيف قدراتها الصناعية المدنية والعسكرية، بإنتاج معدات مفخخة، تحمل شحنات مسمومة أو قابلة للانفجار، بإحدى مراحل الإنتاج والشحن والتوريد، التي تجري عادة بين عدة أطراف دولية عديدة.

يصرخ مسؤولون بالاتحاد الأوروبي من وضع عملاء “الموساد” المتفجرات داخل ” البيجر” وعدم التأكد من تمريرها إلى “العدو اللدود” دون أن تصيب أبرياء لا علاقة لهم بالحرب الدائرة مع حزب الله في لبنان.

يسخر المسؤولون من إفصاح إسرائيل عن استخدامها للتفجيرات كمقدمة لاقتحام لبنان واحتلال منطقة عازلة، تحت دواعي” الأمن والدفاع عن النفس”، تحول دون عودة قوات حزب الله للجنوب وتهديد مستعمراتها بالجليل الأعلى، وهي نفس الحجة التي استخدمتها روسيا في غزو شرق أوكرانيا، المرفوضة من قبل الغرب، الذي يدفع من أجل إسقاط حجيتها بالأسلحة ومليارات الدولارات، كي لا يصبح الاستيلاء على أراض الغير لمخاوف أمنية، حجة بإدارة النزاعات.

موت الإنسان الرقمي

أحال الحادث كل ما يتصل بالصناعات التكنولوجية والاتصالات إلى مسألة أمن قومي بالغرب والشرق، مع غض الطرف عن خطورة القيود التي تفرض قسرا على الحريات العامة وتداول المعلومات وحقوق الانسان. تلاحق دول منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة لإجبارها على تسليم بيانات المستخدمين، وحظر المنصات التي تراها خطرا على أنظمتها.

أسقطت التدخلات الأمنية رغبة شركات التقنية الكبرى بالترويج للعملات الرقمية ومشروع الإنسان الرقمي الذي سيزرع بجسده شريحة رقمية تحتوي على البيانات الخاصة، بدلا من بطاقات الهوية والائتمان.

تخشى الشركات تحويل الشريحة الرقمية إلى قنبلة موقوتة والدولار الرقمي إلى وسيلة لتتتبع البشر من قبل أجهزة أمنية أو عصابات دولية تمكنهم من تدميره ذاتيا عن بعد.

توسعت واشنطن في إجراءات الحظر على دخول المعدات زادت التقنية العالية وبرامج التشغيل من الصين. حظرت مشاركة السيارات الصينية ذاتية القيادة، خوفا من نقل البيانات والمعلومات عن الأمريكيين إلى الصين، وتحويلها إلى قنابل متفجرة عند اللزوم.

تستخدم واشنطن نفوذها لإبعاد “الدول المتأرجحة “في علاقاتها بين بيجين وواشنطن” للانحياز إلى نظامها السياسي والتقني وإبعادها كلية عن ” البديل الصيني” الذي ينافسها على ريادة صناعة الذكاء الاصطناعي والأسلحة النووية والفضائية.

تدفع المخاوف الغربية من نمو الصين الخروج على ” العولمة” التي ابتكرتها، تؤجج حربا باردة جديدة، بينما توسع بيجين شراكاتها الاستراتيجية مع روسيا ودول الجنوب، لقيادة حلفائها بتكنولوجيا بديلة تعزلها عن الغرب.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان