أبعاد المأساة الإنسانية في السودان
بينما العالم مشغول عنها، ها هي ثمانية عشر شهرا مرت على اشتعال الحرب بين قوات الجيش النظامي، وقوات ومليشيا الدعم السريع وذلك منذ إبريل/نيسان 2023.
لقد شهدت هذه الفترة أحداثا عنيفة ربما لم يشهدها السودان من قبل؛ مما اضطر أكثر من سبعة ملايين مواطن إلى النزوح داخل البلاد وخارجها، وترك بلادهم وأملاكهم وحياتهم خلفهم هربًا من جرائم بشعة ترتكبها مليشيا الدعم السريع من قتل واغتصاب بحسب شهود عيان، وفق ما صرحت به منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بينما تخطى عدد القتلى مئة وخمسين ألفا وفق ما صرح به المبعوث الأمريكي توم بيريلو لموقع فرانس 24 منذ أربعة أشهر وتحديدا في إبريل 2024 تاريخ الذكرى السنوية الأولى لبداية الحرب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقنابل نتنياهو توحد اللبنانيين.. ولكن!
بنك أهداف الحرب.. وعض الأصابع
بعد السادس من أكتوبر والسابع من أكتوبر .. إلى أين تذهب إسرائيل؟
وفي الوقت الذي يعلن فيه الجيش السوداني تحرير بعض المناطق بالعاصمة الخرطوم التي تشهد أوضاعا غاية في التردي الإنساني حيث كانت ساحة لمعارك طويلة الأمد، ما زال المواطن السوداني المشرد يعيش أوضاعا إنسانية غير مقبولة على كافة المستويات، الصحية والتعليمية والحياتية، على الرغم من أن السودان يطفو على بحر من الخيرات.
فالسوداني يموت جوعا وأرضه ما زالت تحمل صفة “سلة غذاء العالم”، ويموت عطشا أو متناولا مياها ملوثة بينما تجري الأنهار في بلاده وتفيض، ويتفشى المرض بعد انهيار البنية التحتية تحت ضربات قوات الدعم السريع التي تنتقم من الشعب المساند لجيشه، فقد قامت بضرب محطات المياه بالعاصمة منذ الأيام الأولى لبداية الحرب، ثم ضرب المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء فأظلمت العاصمة بشكل تام، ثم استولت المليشيا على منطقة الخرطوم بحري واستخدمت البيوت السكنية مقرات لها بعد قتل أصحابها أو ملاحقتهم ومعهم آلاف من العرب؛ مصريين وسوريين وفلسطينيين، والأتراك كذلك، حتى هربوا بشكل عاجل إلى محافظات أخرى أو دول مجاورة حسب ما تسنّى لكل أسرة.
مأساة مئات الآلاف من الطلاب
وقد شهدت أماكن الصراع خاصة بالخرطوم ودارفور وأخيرا مدينة الفاشر وكافة المدن التي استولت عليها قوات الدعم السريع، تعطل الدراسة بشكل كامل في كافة المراحل، وينتسب للمؤسسات التعليمية المختلفة بها عشرات الآلاف من الطلاب السودانيين وغيرهم، حيث تم قصف المدارس ومقار الجامعات، وللسنة الثانية تتوقف الدراسة ولم يتم إجراء امتحانات للثانوية العامة، وتم تشتيت الطلاب بالدول المجاورة بالجامعات التي فرضت شروطا قاسية على من استطاع الالتحاق بها من حيث المصروفات والإقامات التي أثقلت كواهل معظم الطلاب فعجز معظمهم عن الحصول على أوراق اعتماد خاصة بمستوياتهم التعليمية نظرا لاضطرار أسرهم إلى الخروج العاجل من البلاد خوفًا على أبنائهم، وتوقف الهيئات التعليمية الرسمية بسبب عجزها عن الاستمرار في ظل الحرب العنيفة دون مراعاة مستقبل هؤلاء الطلاب وأوضاعهم الحرجة، ومنهم من لم يستطع اللحاق بأي مؤسسة تعليمية ليَضيع عام من عمره وها هو العام الثاني يمر دون ظهور حلول قريبة في الأفق؛ مما يهدد مستقبل الآلاف من هؤلاء الطلاب، هذا فضلًا عن الحياة غير الآدمية التي يحيونها بدول المهجر أو محافظات سودانية بعد ضياع معظم ممتلكاتهم؛ ليدفعوا ثمن حرب كان معظمهم ما زال طفلا حين اشتعلت، ولا يعرف أبعاد الحرب ولا أسبابها؛ ليضيع جيل كامل بتلك البلاد الغنية البائسة.
مأساة القطاع الصحي
وتعمد قوات الدعم السريع، وفق تصريحات وزارة الصحة السودانية بولاية الخرطوم، إلى قصف المستشفيات. فعلى سبيل المثال، تم قصف مستشفى النساء والتوليد في أم درمان (الشاطئ الغربي للعاصمة الخرطوم)، وخلّف القصف دمارا هائلا في عدد كبير من المباني، وهو مستشفى النساء والتوليد الوحيد الباقي؛ مما يضاعف مأساة المرأة السودانية علاوة على مآسيها الأخرى.
ويعاني السودان من تفشي الأمراض المعدية مثل مرض الكوليرا التي ازدادت انتشارا مع غياب الرعاية الصحية الكافية علاوة على تهدم محطات الصرف الصحي وعدم قدرة المستشفيات بالولايات الأخرى على استيعاب أعداد المصابين من ولايات النزوح، وقد تابعنا في الشهرين الأخيرين تفاقم وباء الكوليرا المصاحب لموسم الفيضانات الذي اجتمع مع غياب معظم مظاهر الرعاية الصحية جراء الحرب، وقد فقد المئات حياتهم من المصابين بذلك الوباء المتكرر والمتفاقم.
وعلاوة على الوضع الصحي المأساوي الذي تعيشه المرأة السودانية، فلك أن تتخيل أحوال ملايين النساء اللاتي أُخرجن من ديارهن الآمنة وسط ظروف أمنية أسوأ ما تكون، لا تأمن فيها المرأة على نفسها وحياتها، تحمل صغارها وهي العزيزة في الأرض الطيبة لا تدري إلى أين الرحيل، تحمل ما تستطيع حمله من متاع قليل وما بقي من مال، ولعام ونصف يتكدّسن في الشقق السكنية حيث تضيق بهن البلاد لتستوعب الغرفة الواحدة أكثر من عشر نساء من عائلات مشتركة، أقارب أو معارف ببور سودان والقاهرة حيث الملاحقات والمضايقات وضيق اليد وتوقف الأبناء عن الدراسة والاكتفاء بما يقيم أود الحياة ولا يكاد يكفي، فضلا عن عدم القدرة على العيش بصورة طبيعية في ظل ذلك التكدس الحياتي خاصة بالنسبة للفتيات الصغيرات دون أمل في انفراجة قريبة. وهي مأساة يتحمّل العرب والمسلمون المسؤولية الأدبية عنها.
وتظل المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المنظمات الإنسانية الدولية اتجاه ما يدور لحماية المدنيين العزل وخاصة النساء في ولايات الحرب، والولايات الأخرى التي تتحمل النازحين بها في الوقت الذي كانت تعاني فيه من نقص الخدمات وعجزها عن خدمة السكان الأصليين.
إنها محنة كبرى.