قصة شباب «تعال لهون» في ألمانيا
من قلب المعاناة تولد الحركات الاحتجاجية التي ينفرد أفرادها بعاداتهم الغريبة ويمعنون في التميز عن الآخرين سواء في سلوكهم أو زيهم أو قصات شعرهم، في كل شيء تقريبًا!
في ألمانيا، سلطت الصحافة الضوء في الآونة الأخيرة على جماعة جديدة من شباب المهاجرين العرب، أطلقت عليها “تعال لهون”. ثم بدأت تبحث في أصل الكلمة والتسمية، ومن هم جماعة “تعال لهون” تحديدًا؟
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقنابل نتنياهو توحد اللبنانيين.. ولكن!
بنك أهداف الحرب.. وعض الأصابع
بعد السادس من أكتوبر والسابع من أكتوبر .. إلى أين تذهب إسرائيل؟
اتضح أن الكلمة من اللهجة الشامية، أي تعني “تعال لي هنا”، وأن المجموعة شبّان عرب تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا، تجدهم في جماعات في محطات القطارات وفي الميادين العامة، يرتدون الترنجات الرياضية من ماركات معروفة حتى وإن كانت مزيفة، المهم هو شعار الماركة، ويتزينون بسلاسل ذهبية سميكة وقبعات رياضية وحقائب جلدية على الخصر وقصات شعر متشابهة وأحذية فاخرة من ماركات شهيرة قد تكون أيضا مزيفة وهواتف حديثة.. يهتمون بتصوير بعضهم بعضًا ويرفعون فيديوهاتهم على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
شباب متمرد
من النظرة الأولى تدرك أنهم متمردون، غير مهتمين بنظرة الناس، تجمعهم وتميزهم هذا يعطيهم الانطباع بالثقة في النفس.
الجماعة اشتهرت، وإن كانت شهرة سلبية، لكنها عندهم تمثل انتصارا ذاتيا على واقعهم المؤلم أحيانًا، حتى وإن كان أغلبهم يحمل الجنسية الألمانية. لقد أصبحت كلمة “تعال لهون” من أشهر 3 كلمات في أوساط الشباب في ألمانيا هذا العام وفق الصحافة الألمانية.
قد يرى البعض أن هؤلاء الشباب كانوا بالفعل موجودين قبل التسمية الأخيرة، ومعروف أن بعض الألمان كانوا يطلقون تسميات عنصرية على الشباب المهاجر الذي ينفرد بقصات شعر غريبة ولباس مختلف ولا يحسن النطق بالألمانية، إلى أن اشتهرت أخيرًا أغنية راب لشاب عربي اسمها “تعال لهون”، كلماتها عنيفة وغريبة، لاقت هوى عند هؤلاء الشباب، فاشتهرت الأغنية العنيفة التي تقول كلماتها: “إذا لم أكن أعجبك، تعال لي هون وأنا سأعرفك.. ستدعي المرجلة لكنك ستقول لي “بردون”.. سأقطعك أربًا، سأتخلص منك في أكياس، سألعق دمك” إلى آخر هذه الكلمات الغريبة. انتشرت الأغنية بأشكال ساخرة متعددة، وكلها كانت تحمل معنى واحدًا وهو التمسك بالهوية الأصلية ورد السخرية التي تلاحقهم إلى المجتمع الذي يعيشون فيه، ووجدت الصحافة أخيرا ضالتها في ذلك الاسم الذي أطلقته على تلك الفئة.
يرى البعض أن موسيقى الراب ليست جديدة على الشباب المهاجر في ألمانيا، فهم يجدون ذواتهم فيها، وفي ألمانيا فرق راب عديدة أسسها مهاجرون من أصول عربية يسخرون فيها من كل شيء حولهم، ويستخدمون أيديهم في الأغاني بلكم الهواء، واللباس الغريب، وأحيانًا ارتداء أقنعة على الوجه، ويدخنون ويتحرشون بسيارات الشرطة ويوجهون السباب إلى المجتمع الذي يعيشون فيه.
ظاهرة الهييبز والخنافس
ليس ذلك غريبا على المجتمعات الغربية؛ فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهرت في ستينيات القرن الماضي مجموعات شباب الهيبيز والخنافس، وكانوا من الشباب المتمردين الذين راحوا يناهضون القيم الرأسمالية المستغلة ويرفضون الحروب وينشدون السلام للعالم أجمع، لقد تميزوا كذلك بإطالة أشعارهم وارتداء الملابس المهلهلة عمدًا، والابتعاد عن أماكن التجمعات، ولجؤوا إلى الطبيعة والأماكن الهادئة المنعزلة، وكانوا يتركون أهاليهم ويعيشون معًا في جماعات. ثم جنحوا إلى تعاطي العقاقير المخدرة ولم يتأخروا دائمًا في الدفاع عن معتقداتهم الخاصة في وجه والديهم والمجتمع.
تميز شباب “تعال لهون” عن جماعات الهييبز بحمل مشروب الطاقة بديلًا للكحوليات، لأن أغلبهم من أصول عربية مسلمة، وأصبح هذا المشروب هو أكثر ما يميزهم، حتى إن أحد سلاسل المتاجر الغذائية المشهورة في ألمانيا وهي إديكا، خصصت قسمًا في متاجرها الآن يحمل اسم “تعال لهون”، ووضعت فيه مشروبات الطاقة التي يتناولها الشباب والحلويات الأخرى وكل المنتجات التي يستهلكونها.
أوجه الشبه بين “الجاز” الأمريكي و”الراب” العربي
صفة التمرد على الواقع وعلى المجتمع هي أكثر ما يميز هؤلاء الشباب، وذلك موجود غالبًا في كل المجتمعات التي عانت الأقليات فيها، مثلًا في أمريكا قديمًا، وجد الأفارقة الذين تم جلبهم للعمل كعبيد مقهورين، مجردين من تاريخهم، ضالتهم في الغناء الذي يحمل في طياته ذكريات الماضي، فاخترعوا موسيقى الجاز التي ترافق أغانيهم التي بدأت في حقول القطن، ثم دخلت إلى تجمعاتهم وأصبحت الشيء الوحيد الذي يسعدهم ويحكي مآسيهم.
قد يكون هذا أمرًا واقعيًّا أن تظهر مجموعات عرقية من الشباب المتمرد في ألمانيا؛ لأنهم ضاقوا بكل ما حولهم. فالهجرة واللجوء في الوقت الحالي يعتبران عملًا من رجس الشيطان وليس إنسانيًّا ولا أخلاقيًّا. كل الصحافة وكل السياسيين لا همّ لهم إلا ملف المهاجرين. لم تعد إنسانية اللجوء موجودة، كما أن هؤلاء الشباب منهم من غامر في قوارب الموت حتى يصل إلى الجنة الموعودة فوجدها زيفًا وخيالًا، ووجوده غير مرحب به، فراح يبحث عن الذات فوجدها في التمرد على كل ما هو تقليدي.
هذا الشباب المتمرد يبصق على الأرض عمدًا، ويتحدث بطريقة فجة وعنيفة، وإذا لم يعجبك ذلك “تعال لهون”، وهي دعوة إلى التشاجر والعنف كما في الأغنية.
حزب البديل الشعبوي اليميني المتطرف استغل شهرة جماعة “تعال لهون” وبدأ في شنّ حرب على الشباب العربي، وطالب بترحيل الشباب ذي الأصول العربية، واتهمهم بمعاداة النساء وعدم الاندماج في المجتمع.
لا شك أن هؤلاء الشباب في حاجة إلى الاهتمام النفسي، كما أن الانصهار والاندماج في المجتمع يتطلب اعتراف المجتمع بهم، وأن يصبحوا إضافة وليس عبئًا على ذلك المجتمع.