إلى أين يمضي نتنياهو بعناده؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

لا يزال بنيامين نتنياهو متمسكا بالمضي قدما إما بفرض عزمه على تدمير أرض فلسطين بادئا بتدمير غزة، وها هو ينتقل إلى الضفة الغربية منذ أيام ليلحقها بغزة مدمرة تمتلئ شوارعها بالشهداء والمصابين من الأطفال والنساء والعجائز، ومخلفا وراء مذابحه عشرات الآلاف من المآسي الإنسانية.

المسعى الثاني الذي يهدف إليه هو جر المنطقة لحرب شاملة تكون القوى الكبرى عالميا وإقليميا طرفا فيها، عبر ضربات في لبنان وطهران مستهدفا قادة كبار في المقاومة الفلسطينية والعربية، وكل حجج نتنياهو في ذلك هو القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقادتها وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية أو اللبنانية، ومن ثم القضاء على محور المقاومة وقادته، وجره العالم إلى حرب مفتوحة مدمرة، وذلك رغم كل الضغوط التي تمارس على نتنياهو من أطراف متعددة في الكيان الصهيوني أبرزها  مظاهرات عائلات الأسرى الصهاينة التي وصلت إلى مئات الآلاف من المتظاهرين والعديد من الاعتصامات التي قاموا بها أمام مؤسسات مهمة خاصة بعد وصول جثامين الأسرى الستة التي عثر عليها من جيش الاحتلال في رفح..

إضافة إلى انقسام بدا حادا بينه وبين وزير الدفاع الصهيوني في مجلس الوزراء المصغر الأخير، وزيادة حجم المعارضة من جانب زعيم المعارضة في إسرائيل، بما يشير إلى غليان بدا لنا في الداخل الفلسطيني المحتل بين أطراف صهيونية متعددة واتهامات إعلامية إسرائيلية لنتنياهو بعرقلة الوصول إلى اتفاق حول وقف القتال وعودة الأسرى الصهاينة..

كل هذا يحيط برئيس وزراء الكيان المحتل ومع ذلك ما زال متمسكا برؤيته في القضاء على المقاومة، بل وصل به الأمر إلى تحدى مصر بإعلانه أنه لن يترك محور صلاح الدين (فيلاديلفيا) ولو لفترة 42 يوما بل أكد أنه لن ينسحب منه لأن الانسحاب معناه عدم قدرته على العودة إليه ولو بعد 42 عاما! بل أعلن أن الوسطاء في عملية التفاوض يسيئون الفهم ويلخبطون أمور المباحثات وهو ما رفضته الخارجية المصرية التي اتهمته بعرقلة الوصول لاتفاق، وهو ما اتهمته به شخصيات سياسية ووسائل إعلام صهيونية.

الصمت العالمي والعربي

يبدو أن الصمت العربي والإسلامي المطبق على الخريطة العربية والدول الإسلامية مع دخول اجتياح غزة الشهر الأخير من العام الأول قد أغرى رئيس وزراء الكيان بالاستمرار في غطرسته وغروره الذي يصور إليه أنه سيدمر المقاومة في فلسطين ثم ينتقل إلى باقي محور المقاومة، بل إن صمت مصر التي كان يُعول عليها في الانتفاض أو على الأقل الوقوف بحزم ضد احتلال محور صلاح الدين بين مصر وفلسطين، وابتلاعها الإهانة بالعمل الإجرامي الصهيوني باحتلال المحور ونقض اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل كان عاملا مضافا إلى نتنياهو ليستمر في هدفه المعلن.

قلت التظاهرات المتضامنة مع المقاومة الفلسطينية في معظم الدول العربية والإسلامية ما عدا اليمن والأردن اللذان عادا للتظاهر بعد اغتيال أبو شجاع (محمد جابر) قائد كتيبة طولكرم، وأصبح الشكل الغالب على التضامن هو الشكل الفردي، ولم تعد مظاهرات كبيرة تخرج في الدول الأوروبية كما كان الحال في الشهور الأولى، وهو ما ينطبق على تركيا مثلا والدول الإسلامية الكبرى مثل باكستان.

واضح أن نتنياهو أيضا فهم أن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية لا تخرج عن كونها حبرا على ورق، فكل ما صدر من قرارات عن المنظمة الدولية ومجلس أمنها لم يستطع أن يجبر إسرائيل على إيقاف الحرب، والتوقف عن المجازر في حق المدنيين وقتل الأطفال بل توسع الكيان الصهيوني في القتل باستخدام القنابل الأمريكية شديدة الانفجار التي شهدنا كيف حولت أجساد المصلين إلى أشلاء في المجزرة التي شهدتها مدرسة التابعين بدعم أمريكي غربي غير مسبوق.

محكمة العدل الدولية أيضا تنضم إلى طابور الصامتين عن جرائم الاحتلال الصهيوني، وبعد انضمام العديد من الدول إلى جنوب إفريقيا في محاكمة الكيان وقادته بارتكاب جرائم حرب في غزة إلا أن الصمت عاد يطبق على أجواء المحكمة ولم نسمع عنها خبرا منذ مذكرة المدعي العام بالقبض على قادة الكيان الصهيوني.

كل ما سبق يؤكد نظرية إسرائيل الدائمة وهي نفس نظرية رئيس وزراء عصابتها أنه لا صوت يُسمع في العالم إلا صوت القوة العسكرية.

ماذا بعد؟

نتنياهو يمضي قدما نحو أهدافه ظنا منه أنه سيحقق هذه الأهداف بمنطق القوة الداعمة له من أمريكا والغرب الأوروبي، لكن تتصاعد في الداخل مطالبات بعزله ومحاكمته، وتتصاعد تظاهرات عائلات الأسرى والمتضررين من استمرار الحرب على غزة خاصة في الشمال، وأيضا ترتفع أضرار الاقتصاد الإسرائيلي، فهل يصمد نتنياهو خاصة بعد تصريح بايدن الأخير بأنه لا يفعل ما عليه؟ هذا التصريح الذي يفهمه العالم أنه حث على إتمام صفقة التبادل -وأفهمه أنا عكس ذلك- لكن يبقى أن التصريح قد يكون لوقف القتال.

المقاومة الفلسطينية بدأت تطوير أساليبها إذ دعت حركة حماس جميع أبناء فلسطين لمهاجمة المستوطنين في كل مكان من الأرض المحتلة، وكانت عملية اغتيال الأفراد الثلاثة الشرطة الإسرائيلية بداية كبيرة لعمليات جديدة. الضفة الغربية تقاتل وتقاوم بجدية كبيرة خلال الأيام الخمسة الماضية، وعملياتها تتصاعد وهذا يكبد الصهاينة المزيد من القتلى، مما يشكل عاملا مهما في إفشال أهداف نتنياهو وستكون النهاية على يد أبطال فلسطين في كل مكان من الأرض المحتلة.

قوى المقاومة العربية في لبنان، العراق، سوريا، واليمن أيضا عليها تصعيد عملياتها ضد الصهاينة في كل مكان تصله يد المقاومة. حزب الله رغم تفهم موقفه من عدم الانجرار لحرب شاملة، وهذا مفهوم من تحركاته وخطاباته إلا أنه مطالب بالتصعيد أيضا لتخفيف الضغط على غزة والضفة الغربية.

رغم الصمت السائد في الدول العربية الكبرى إلا أن على الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، اتخاذ مواقف أكثر قوة حينها سيكون لنتنياهو مسار آخر غير ما يتمناه خارج التاريخ بوصفه مجرم حرب. وفي النهاية الكل يمضي إلى قدر الله إن شاء الله، وإنه لنصر قريب.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان