إدارة بايدن.. واللعب في الوقت الضائع
لا أمل في إحراز تقدم (1)
بعد إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عن عدم ترشحه لولاية ثانية ودعمه لنائبته كامالا هاريس، لم يعد أمامه إلا العمل بدأب على إنجاز سجل مشرف يختم به خدمته الطويلة في الحقل السياسي يحسب له ويذكر مقرونًا باسمه.
إدارة بايدن قدمت إنجازات لمسها المواطن الأمريكي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تحركه السريع للخروج من ركود ما بعد كورونا وحزمة المساعدات التي قدمها للصناعات الأمريكية وحمايتها بعد حرب أوكرانيا ورصد ميزانية ضخمة لتحسين البنية التحتية الأمريكية ودعم صناعة الإلكترونيات والرقائق وأشباه الموصلات حتى لا يصبح اعتماد أمريكا على تايوان في هذا المجال بما يضر بمصالحها وأمنها القومي وغيرها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتونس.. أن تصنع الوحش وتنتظر رحمته
هل أخطأ شيخ الأزهر حين قال: المفاضلة بين الأديان متروك لله؟!
ماذا لو فازت كامالا هاريس؟
بالنسبة للسياسة الخارجية، نجحت أمريكا في عهده في استرجاع ثقة حلفائها وخاصة الغربيين، ومسح آثار السياسات والقرارات الترامبية السابقة، لكنها أخفقت في إدارة العديد من الملفات الخارجية الأخرى وظهر ذلك واضحًا في خروجها العشوائي من أفغانستان وعدم التخطيط لليوم التالي. خلال فترة “بايدن “اندلعت حربان كان لهما تأثير عميق على السياسة والاقتصاد والنظام العالمي، وهما حربا أوكرانيا وغزة.
كما نجحت أجهزة الاستخبارات الأمريكية في رصد التحركات الروسية والتنبؤ بهجوم الرئيس الروسي بوتين على أوكرانيا رغم إنكاره المتكرر لهذا الأمر، لكنها فشلت في توقع تحرك فصائل المقاومة الفلسطينية وبدء حماس عملية طوفان الأقصى، حتى أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قبل السابع من أكتوبر 2023 بفترة قصيرة تحدث عن شرق أوسط مستقر أكثر من أي وقت مضى! وهذا معناه أن أمريكا كانت غائبة عن المنطقة ومستجدات ما يجري فيها لأنها لم تعد توليها الاهتمام الكافي.
منذ اللحظة الأولي لطوفان الأقصى أعلن بايدن انحيازه التام لإسرائيل، ولم تكن أمريكا في أي مرحلة تالية وسيطًا محايدًا.
نجح الرئيس السابق ترامب في خسارة الولايات المتحدة لسمعتها وصورتها، أما بايدن فموقفه من حرب غزة أفقد بلاده مرجعيتها الأخلاقية أمام العالم. لم يفلح بايدن في إيقاف حرب الإبادة في غزة ولم يستطع (أو لم يرد) الضغط على إسرائيل من أجل ذلك رغم تصريحاته المتكررة بضرورة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن ووصول المساعدات الإنسانية لأهل غزة، وفي نفس الوقت لم يستطع أن يفرض علي حماس التنازل أمام جيش الاحتلال.
ورغم الزيارات المتكررة لوزير خارجيته أنتوني بلينكن وحضور مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان للمنطقة والمفاوضات السرية والعلنية مع الدول والجهات المنخرطة في الصراع والوسطاء، لم يتم إحراز أي تقدم في المفاوضات الرامية لوقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، رغم رغبة بايدن الأكيدة والملحة بأن ينهي عهده في البيت الأبيض بالنجاح في وقف الحرب في غزة وتخفيض التصعيد والتوتر في المنطقة وإحلال الاستقرار والأمن..
(2) ويبقى الحال على ما هو عليه
إدارة بايدن، تذكرنا بفريق كرة القدم الذي يجد من الصعوبة بمكان الفوز في الوقت الضائع أمام الفريق المنافس، فيلجأ لتكتيك إضاعة الوقت لينتهي بالتعادل وعدم الخسارة أمام جمهوره للحفاظ على ماء وجهه.
الكل يدرك أن الحروب التي اندلعت خلال فترة ولاية جو بايدن لن يخمد لهيبها خلال الفترة المتبقية له في البيت الأبيض، الرئيس الأمريكي الحالي وفريقه لا يملكان معدات الإطفاء اللازمة، وحتى لو كان يملكها فلن يستخدمها خوفًا من تأثيرها على مجريات الانتخابات الرئاسية القادمة وخسارة دعم اللوبي الصهيوني.
أسابيع قليلة تفصلنا عن انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية، ستنتقل إليه بالتبعية تركة بايدن الثقيلة وأمامه تحد أكبر من الذي واجه بايدن ، وهو خسارة أمريكا لمكانتها كقطب أوحد يحكم العالم، وتأثير ذلك على الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد على مكانة الدولار في التعاملات الدولية، ولو حدث تغيير في هذه المكانة سنشهد انهيارًا غير مسبوق للدولار وتراجع متسارع في ترتيب الاقتصاد الأمريكي، فلن يكون الاقتصاد رقم واحد ولكن ستحتل الصين عن جدارة هذه المرتبة.
لا يمكن لأمريكا أن تظل معتمدة على القوة العسكرية لحل خلافاتها وإزاحة القوى المنافسة لها أو تلك التي تعرقل مصالحها، تحريك الأسطول وحاملات الطائرات ونقل السلاح والذخيرة من مكان لآخر يكلف أمريكا المليارات ويحرم المواطن الأمريكي دافع الضرائب والممول لميزانية وزارة الدفاع الكثير من الخدمات ويرفع عليه تكاليف المعيشة ويمنع عنه حلم الرفاهية.
أمريكا العظمى فقدت مع الوقت رونقها والحلم الذي كانت تصدره للعالم، فهي لم تعد تبالي بخسارة الطرف الآخر ما دامت تخرج رابحة تاركة وراءها الفوضى والخراب والموت. أمريكا لم تتعظ من أحداث 11 سبتمبر حين ردد مواطنوها بدهشة: لماذا يكرهوننا؟ لم تفتش الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن أسباب الكراهية، لكنها تمادت في طغيانها وتصفية حساباتها بالقوة الغاشمة مع كل الدول التي تشك في ولائها لها وتتمرد على سياستها.
وهنا علينا أن نطرح هذا السؤال: إذن ماذا يمكن لبايدن أن يقدمه في ملف غزة فيما تبقى له من وقت؟ أعتقد لا شيء غير تصريحات مكررة ووعود غير قابلة للتنفيذ ووعيد لا طائل منه، للأسف الحرب في غزة ستستمر لما بعد انتخاب رئيس جديد سواء كان ترامب أو هاريس.
نحن في مرحلة تمرد على قواعد النظام العالمي الحالي، وسفينة العالم التي انفردت أمريكا بقيادتها لعقود انحرفت عن مسارها الصحيح بعد ان فقد القبطان بوصلة القيادة الرشيدة التي تؤهله للوصول لبر الأمان.
أمامنا سنوات صعبة قادمة مزدحمة بالحروب والصراعات والنزاعات، والشرق الأوسط سيكون في قلب الصراع، وحتى يستقر العالم على قواعد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. النظام الجديد سيرافقه حتمًا تغيير في الخرائط والحدود وتوزيع جديد لمناطق النفوذ حول العالم، وأملي أن أعيش لأرى اسم فلسطين على الخريطة من جديد.