بالقاعات المغلقة كلام مختلف مع المسؤولين العرب

الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في منطقة سوق السلاح بمنطقة مصر القديمة (رويترز)

أثبتت حرب طوفان الأقصى مدى الدعم الأمريكي والأوروبي للدولة الإسرائيلية، وعدم الضغط عليها لفتح المعابر لإدخال الغذاء والدواء للمحاصرين منذ 18 عامًا بغزة، لكنها مارست الضغط على الدول العربية والإسلامية حتى لا تساعد أهالي غزة، وكافأت بعض تلك الدول بقروض سخية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

بما يوضح مدى الانحياز الذي مارسته الولايات المتحدة والدول الأوروبية تجاه إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، وهو أمر ليس بجديد عايشته أجيال سابقة مع حرب 1973، ومن قبل خلال حرب 1967، فمنذ عقود تحرص تلك الدول على التفوق العسكري لإسرائيل على كافة الدول العربية.

ومن خلال التصريحات التي أدلي بها كلا المرشحين الجمهوري والديمقراطي للانتخابات الأمريكية المقبلة، يتضح استمرار تلك المساندة في حالة فوز أي منهما، وهو ما شاهدناه عقب الانتخابات البرلمانية البريطانية الأخيرة حيث لم يختلف موقف حزب العمال كثيرًا عن موقف حزب المحافظين من دعم إسرائيل، ونفس الصورة بعد الانتخابات الفرنسية الأخيرة، وعلى نفس المنوال سيستمر الموقف الألماني والإيطالي ومواقف غيرهما من الدول الأوروبية بمساندة إسرائيل.

وامتدت المساندة للمجال الاقتصادي، حيث سعت تلك الدول لإدماج إسرائيل بدول المنطقة من خلال معاهدات الصلح التي رعتها بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، وما تلاها من توقيع اتفاقية الكويز بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، والتي تتيح لهما دخول منتجاتهما للسوق الأمريكية بدون جمارك بشرط احتواء تلك السلع على نسبة من المكونات الإسرائيلية، إلى جانب التعاون الزراعي والسياحي وبمجال الطاقة وغيرها.

كما ضغطت علي الحكومات العربية لتغيير مناهج التعليم والدروس بالمساجد، بحيث يتم حذف كل ما يمس اليهود تاريخيًا من انتقاد، بداية من وصفهم بالقرآن الكريم أو قصص السيرة مع يهود بني النضير أو بني قريظة، إلى مذابح دير ياسين وصابرا وشاتيلا وغيرها، واستبعاد الجانب التاريخي الخاص بكفاح الشعب الفلسطيني، بداية من انتفاضة موسم النبي موسى بالقدس عام 1920، إلى انتفاضة يافا 1921 وثورة البراق عام 1929 وانتفاضة أكتوبر/تشرين الأول  عام 1933، والثورة الفلسطينية الكبرى التي امتدت من 1936 وحتي 1939، وما قامت به منظمة فتح وغيرها من المنظمات الفلسطينية من عمليات فدائية والانتفاضة الأولى عام 1987 والانتفاضة الثانية عام 2000.

استفادة محدودة بالمعونات الأجنبية

وساهمت الدول، التي استعمرت الدول العربية لعقود، كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، بتكريس الضعف الاقتصادي للدول العربية بشغلها بالحروب بين دول الجوار أو بين مكوناتها الداخلية كما بالعراق وسوريا والصومال والسودان، والحرص علي استمرار تلك الحروب الداخلية لسنوات طويلة كما يحدث باليمن وليبيا والسودان حاليًا، لاستنزاف قدراتها وتعطيل مسيرتها الاقتصادية، بحيث يصعب الاستفادة من المساحات الهائلة من الأراضي الزراعية ومياه الأنهار والأمطار بالسودان، وتحول العراق لدولة مستوردة للغذاء رغم ما بها من أنهار، وفقدان سوريا فائضها التجاري الزراعي الذي تمتعت به حتي حربها الأهلية.

مع الحرص على إهدار فاعلية ما تقدمه من معونات ليتم إنفاقها في الدراسات والندوات والسفريات والمآدب والزيارات والمطبوعات والمكافآت، وهنا أذكر يوم سألتُ بفترة الرئيس مبارك غادة والي الخبيرة حينذاك بالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالقاهرة، والتي تولت وزارة التضامن الاجتماعي بعد ذلك عام 2014، عن النسبة التي تصل للفقراء من مجمل المعونات الخارجية المخصصة لهم بعد استبعاد النفقات الشكلية، وكانت الإجابة الصادمة: صفر، وبسؤال مسؤول كبير بجهاز القرية عن النسبة التي تصل لأصحاب المشروعات الصغيرة من أموال المعونات المتجهة إليهم وكانت الإجابة من 5- 10%.

وهي أمور عايشتها حينما حضرت برنامجها تدريبيًا لعدة أيام حول إحدى قضايا حقوق الإنسان، بأحد أفخم فنادق شرم الشيخ التي وصلنا إليها وغادرناها بالطائرة، حين قام منظمو البرنامج الذين يشغلون حاليًا مناصب قيادية بتلك المنظمات الحقوقية، بتنظيم عشاء للمشاركين بالندوة بالصحراء حيث أقلتنا حافلة سياحية لمسافة داخل الصحراء، كي نتناول لحم الأغنام التي تم شيها على النار أمامنا، على أضواء الشموع جلوسًا على البُسط.

   تشجيع الاستيراد وإعاقة الإنتاج المحلي

وهو مشهد مُسرف تكرر كثيرًا بالندوات الممولة من أموال المعونات، وفي أكثر من نقاش مع مسؤولي البنك الدولي حول مصير المعونات للدول النامية، كانوا يعترفون بأن النسبة الأكبر منها تذهب لجيوب الطبقات الحاكمة.

ولم يعد أمر تنفيذ الأجندة الغربية المطلوبة لإجهاض التنمية بالدول العربية، قاصرًا على الحكام بل امتد لشرائح أخري عديدة كالمسؤولين الحكوميين والبرلمانيين والإعلاميين وأساتذة الجامعات وغيرهم، ليشارك الجميع كل بمجاله بتنفيذ الجزء الموكل له، وكما ذكر أكثر من مسؤول إسرائيلي بأن ما يجري بين المسؤولين العرب من جانب، والمسؤولين الأمريكان والأوروبيين والإسرائيليين من جانب آخر بالأماكن المغلقة، مختلف تمامًا عما يذكره هؤلاء المسؤولون العرب أمام وسائل الإعلام ببلادهم عما جرى بتلك المباحثات

ففي المجال الاقتصادي يجري تشجيع الاستهلاك والاستيراد لصالح لوبي المستوردين، مع إثارة العوائق أمام الإنتاج المحلي أيًا كان مجاله سواء من القمح أو الذرة أو المحاصيل الزيتية وحتى الإنتاج الحيواني، ويذكر المصريون تجربة وزير الزراعة الدكتور يوسف والي الذي ظل وزيرًا للزراعة لمدة عشرين عامًا عام 1984 وحتى 2004، والذي دعا لزراعة الفراولة بدلًا من القمح وتوسع في التطبيع الزراعي.

كذلك تجربة صيادي دمياط وكفر الشيخ والبحيرة بتربية الأسماك في أقفاص بمياه النيل، والتي أسفر نجاحها عن ثبات أسعار الأسماك لسنوات طويلة، ومع تضرر لوبي مستوردي الأسماك من ذلك، كان قرار منع تلك الأقفاص السمكية بحجة أنها تعيش على مخلفات المجازر وتلوث النيل.

رغم ما قدمه أساتذة كلية علوم دمياط والخبراء من عدم صحة ذلك، حتى أن أحد أصحاب الأقفاص استضاف عددًا من القيادات الشعبية بدمياط على وجبة كباب وسط النيل، وخلال اصطحابهم بالمراكب تعمد إسقاط بعض من اللحم إلى أحد أقفاص الأسماك، حيث لم يقترب السمك من ذلك اللحم كدليل عملي على أن تلك الأسماك غير آكلة للحوم.

وتشجع المنظمات الاقتصادية الدولية التي تمثل مصالح الدول الكبرى، الدول النامية على الاستثمار المالي من خلال بورصات الأوراق المالية التي لا تضيف شيئًا للناتج المحلى، والابتعاد عن الاستثمار بالمجال الإنتاجي سواء الصناعي أو الزراعي كي تزداد فاتورة الاستيراد من الدول الغربية، وعندما يوردون لنا مصانع يحرصون على أن تكون تسليم مفتاح حتي لا نتعرف علي مكوناتها، كما لا تكون ذات تكنولوجيات متقدمة.

وامتد الغزو الغربي للنواحي الثقافية والأخلاقية وغيرها من المجالات لتحقيق نفس الهدف، وتلك هي الحقيقة المُرة التي بدون التنبه لمخاطرها سيتم استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعرب

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان