صعود اليمين المتطرف في ألمانيا: هل فقد شولتز السيطرة؟!

أليس فايدل، الزعيمة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف (غيتي)

حقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” فوزًا هائلًا في الانتخابات المحلية في مقاطعتي تورنجن وسكسونيا، حيث وصلت نسبة التصويت لصالحه إلى أكثر من 30% في كلتا الولايتين، متخطيًا الأحزاب التقليدية جميعها، بما في ذلك أهم حزبين في ألمانيا: الحزب المسيحي الديمقراطي (حزب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل) والحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم (حزب المستشار شولتز)، الذي حصل على نسبة ضئيلة للغاية لا تتعدى 7%.

تعد هذه النتائج صادمة وكارثية، ورغم أنه كان متوقعًا أن يحقق اليمين انتصارات، إلا أن الحجم الكبير لهذا الفوز أقلق الجميع وكشف عن فشل الأحزاب التقليدية، كما أظهر عدم رضا شعبي عن حكومة المستشار الألماني الحالية.

البديل العنصري جاهز للحكم!!

تعد هذه النتائج بمثابة إنذار قوي يشير إلى أن التغيير قادم لا محالة، وأن قوى اليمين المتطرف سيكون لها كلمة وتأثير في المرحلة المقبلة، وما كان محظورًا قد يصبح مباحًا.. لهذا السبب، صرحت “أليس فايدل”، زعيمة حزب البديل، في أول تعليق لها على النتائج التاريخية، أن الحزب جاهز للحكم الآن في الولايات التي تفوق فيها، وهي تعني الولايتين اللتين حصل فيهما الحزب على ما لا يقل عن ثلث مقاعد البرلمان.

“لا يمكن تجاهلنا”، هكذا يقول زعماء حزب البديل، بل ويطالبون الآن بالمشاركة في الحكومة وأن تتم مساواتهم سياسيًا كباقي الأحزاب الألمانية الفاعلة.. وهم يرون بعد هذه النتائج أن أي شيء آخر سيكون تجاهلًا صارخًا لإرادة الناخبين.

ليس من الغريب أن نبحث عن إجابة للسؤال: كيف نجح هذا الحزب بهذه الطريقة وفي هذا الوقت بالذات؟

يرجع ذلك إلى عام 2015، عندما فتحت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أبواب ألمانيا للاجئين من كل صوب وحدب، وبالتأكيد كان هناك مندسون من المجرمين والمتطرفين الذين أساءوا إلى قوانين الهجرة واللجوء، وبدأت تداعيات هذا الانفتاح الكبير تظهر في الشارع الألماني من خلال أعمال العنف والجرائم والتحايل على القوانين واستغلال المساعدات الاجتماعية التي ارتكبها هذا النوع من المهاجرين. تطور الأمر إلى ما نراه اليوم من هجمات ومشاجرات بالسكاكين في شوارع ألمانيا، ففي أقل من شهرين، هاجم أفغاني تجمعًا في مدينة مانهايم وطعن عددًا من المواطنين الألمان، وقبلها قتل أحدهم شرطيًا.. وقبل أيام عدة قتل شاب سوري ثلاثة من الألمان في مدينة زولينجن، وقتل عراقي قبل يومين مواطنًا ألمانيًا في ولاية ساكسونيا، وقد أحصت الشرطة الألمانية 373 جريمة باستخدام سكاكين في محطات القطارات الألمانية خلال النصف الأول من هذا العام.

الألمان غاضبون من سياسات شولتز

هذا العنف كله جعل المواطنين الألمان في حالة خوف وقلق كبيرين، وباتوا لا يثقون في حلول عاجلة من قبل حكومة المستشار شولتز، ورغم أن الحكومة أقرت بالترحيل الفوري لمرتكبي الجرائم وقامت بالفعل بترحيل 24 أفغانيًا، إلا أن الألمان يعتبرون أن الوقت أصبح متأخرًا ولا بد من معاقبة الحكومة.. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن 54% من الألمان غير راضين عن الأداء السياسي لحكومة المستشار شولتز.

الملف الآخر الذي أضر بحكومة شولتز هو التدهور الاقتصادي الذي تسببت فيه الحرب الأوكرانية الروسية، واستبدال الغاز الروسي القريب والرخيص بآخر مكلف، مما أثر تحديدًا في الولايات الشرقية وأضر بالصناعة فيها، وفاقم ارتفاع أسعار الطاقة من معاناة الناس، فتراجعت الصناعة وقل دخل الناس، فازداد غضبهم على الحكومة.

لقد وجّه رئيس حكومة ولاية ساكسونيا الألمانية، “ميشائيل كريتشمر”، قبل الانتخابات، تحذيرًا إلى الحكومة الألمانية وطالبها بإعادة النظر في حجم المساعدات التي تقدمها إلى أوكرانيا، وقال: “لم يعد بإمكاننا تخصيص أموال للأسلحة لأوكرانيا، في ظل استخدام هذه الأسلحة دون نفع”. ليس هذا فحسب، بل إن إعلان الولايات المتحدة وألمانيا نشر صواريخ أمريكية في ألمانيا مثل صواريخ “كروز” و”توماهوك” وصواريخ من طراز “إس إم-6″، وأسلحة جديدة تفوق سرعتها سرعة الصوت ابتداء من عام 2026، زاد من غضب الألمان على سياسة المستشار، الذي برر ذلك بقوله إن الأسلحة تهدف إلى الردع والحيلولة دون نشوب حرب!، وهو الأمر الذي زاد من سخرية الألمان منه.

المعارضة تنتقد الحكومة بشدة

هاجم فريدريش ميرتز، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، المستشار الألماني، وقال إن سياساته التعيسة هي السبب المباشر في تردي الأوضاع في ألمانيا، بل اتهمه صراحة بعدم القدرة على السيطرة على الوضع في البلاد، ودعاه إلى وقف قبول اللاجئين من سوريا وأفغانستان في ألمانيا واتخاذ قرارات سريعة دون تأخير، لوقف الهجمات الإرهابية باستخدام السكاكين المنتشرة في ألمانيا! وطالب بأن أي شخص يسافر من ألمانيا إلى وطنه كلاجئ سيفقد على الفور وضع الإقامة في ألمانيا، كما دعاه إلى فرض رقابة دائمة على الحدود الألمانية.

هكذا تبدو الصورة الآن، وليس هناك أدنى أمل في نجاح المستشار الألماني في الانتخابات المقبلة، ولا تعرف الحكومة حتى الآن كيف تصدر قرارات أكثر صرامة لتطهير ألمانيا من حاملي الأسلحة البيضاء والمتسكعين في محطات القطارات والمتحايلين على القوانين، وهذا كله يصب بشكل كبير في صالح اليمين المتطرف، الذي أصبح يرى في تصويت الألمان له ثقة في قدرته على اتخاذ القرارات التي تتغاضى عنها الأحزاب التقليدية خوفًا من ردود الفعل العالمية.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان