مقاطع “القسام” للأسرى الإسرائيليين الستة المقتولين بغزة.. ما الهدف؟

واحدة من مظاهرات أهالى الأسرى الإسرائيلين تطالب بصفقة تبادل (الأناضول)

أشعلت كتائب القسام الشارع الإسرائيلي، وقلبته ضد العصابة الصهيونية الحاكمة للكيان الغاصب، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على خلفية مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة الذي كانوا لدى حركة حماس، وانتشلت قوات الاحتلال جثثهم من أحد أنفاق رفح. البادي، أن الأسرى الستة ربما لقوا حتفهم وقُتلوا في اشتباك القوة الصهيونية مع حراسهم من كتائب القسام، أو نتيجة الهجوم لتحريرهم، حيث ألقت حركة حماس بمسؤولية مقتلهم على عاتق رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو.

استعادة جميع الأسرى أحياء.. وتعقيب القسام بالعبري

أدارت “القسام” ملف الأسرى القتلى الستة بمهارة، كاشفة عن سيطرة على زمام الأمور في القطاع، واحترافية عالية، هادفة إلى توظيف الملف في سياق “الحرب النفسية” التي تشنها على الكيان الصهيوني؛ جيشًا وشعبًا، منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

فلم يكد جيش الاحتلال يعلن، الأحد الماضي، العثور على جثث هؤلاء الأسرى، حتى نشرت “القسام” مقاطع فيديو متتالية للقتلى الستة فرادى، كان قد تم تسجيلها، في وقت سابق لمقتلهم. الأسرى الستة اتهموا نتنياهو بأنه تركهم تحت القصف الإسرائيلي الذي يتعرضون له مع حراسهم الأكثر حرصًا على حياتهم من جيش الاحتلال.

ثم كان المقطع الأخير، الذي يحوي تجميعًا لشهادات الأسرى المقتولين، ومناشداتهم وانتقادهم لحكومتهم، واحتوى هذا الفيديو في نهايته على كلمة مقتبسة من خطاب لنتنياهو يزعم فيها أنه يسعى منذ بداية الحرب لاستعادة جميع الأسرى أحياء، ثم تعقيب للقسام باللغات الإنجليزية والعربية والعبرية يقول: “الوقت ينفُذ”، وهو التعقيب الذي تختم به القسام مثل هذه المقاطع لأسرى إسرائيليين، قُتلوا سابقًا في غارات إسرائيلية على القطاع، وذلك للتدليل على أنه كان بوسع نتنياهو استعادتهم أحياء من خلال صفقة لكنه لا يريدهم أحياء.

الموت يحل كل المشكلات

مما يُفسر لجوء نتنياهو إلى الإبادة التي يمارسها بحق الفلسطينيين في القطاع، ومحاولاته للتخلص من الأسرى الإسرائيليين بقتلهم؛ هو إيمانه بالحكمة القائلة: إن الموت يحل كل المُشكلات. لدى نتنياهو رغبة دفينة في موت الأسرى جميعًا، حتى تنتهي هذه المشكلة وتتوقف المطالبة باستعادتهم، كي يستمر في حربه المجنونة على القطاع، أملًا في انتصار ليس مؤكدًا أنه سيفوز به.

نتنياهو يعلم جيدًا، أن توقيعه على صفقة لتبادل الأسرى، يعني موته سياسيًا وهزيمة الكيان، فمثل هذه الصفقة ستكون تحت شروط المقاومة، وليس وفقًا لإملاءاته. دون تجاهل أننا بصدد تنظيم مقاوم، يواجه أعتى قوة في الشرق الأوسط، بدعم أمريكي، وأوروبي سافر، شاملًا كل المجالات، ووسط صمت عربي مريب عن الفعل.

يحيى السنوار وجلعاد شاليط.. والأسرى القتلى

مقاطع “القسام” تضمنت مطالبة الأسرى المقتولين -قبل مقتلهم- للإسرائيليين بالضغط على نتنياهو لإعادتهم لبيوتهم من خلال عملية تبادل، مثلما جرى مع الجندي جلعاد شاليط الذي استبدلته إسرائيل (عام 2011)، بألف و27 أسيرًا فلسطينيًا، كانوا في سجونها، وهي الصفقة المعروفة فلسطينيًا بصفقة “وفاء الأحرار”، التي خرج بموجبها زعيم حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، ضمن الأسرى المُحررين.

وقد فجرت أضخم موجة احتجاجات في الشارع الإسرائيلي، منذ اندلاع الحرب على غزة. الاحتجاجات، اندلعت تضامنًا مع عائلات الأسرى الإسرائيليين، طلبًا لعقد صفقة مع حماس لاستعادتهم. فالقسام من خلال هذه المقاطع أوصلت رسالة قوية حاسمة صارمة، وقعت في نفوس وعقول الإسرائيليين، بأن نتنياهو فشل فشلًا ذريعًا في تحرير أسراهم بالقوة العسكرية طوال أشهر الحرب (11 شهرًا) ولن ينجح لاحقًا، وأن هذه المحاولات لن تعيد أبناءهم أحياءً بل جثثًا، وأنه يكذب بما يدعيه بأن الضغط العسكري كفيل بإرغام حماس على إعادة الأسرى دون شروط أو صفقات لتبادل الأسرى، فهذا وهم يحاول نتنياهو تسويقه للداخل الإسرائيلي.

 النفوس والمعنويات والوجدان

لقد أظهرت المقاومة الفلسطينية تفوقًا جليًا ساطعًا على الكيان الصهيوني في الحرب النفسية، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 رغم تفوق الكيان الصهيوني المعهود سابقًا في هذا الميدان، الذي هو نفوس ووجدان ومعنويات جُند العدو وشعبه على السواء، إذ الشعوب دائمًا هي الحاضن المعنوي والمُحفز للجنود، كي يأتوا بالبطولات ويعودوا من ساحات القتال بالنصر.

فبيانات الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، مثلت طوال الحرب سهامًا قاتلة لمعنويات الإسرائيليين جنودًا، ومستوطنين. بما تحويه من سرد لخسائر جيش الصهاينة من آليات وعتاد، وهي غنية بروح التحدي والقوة والثقة في النصر، عن عقيدة وإيمان قوى بالله ونصره، تبشيرًا بهزيمة الكيان وزواله. فلدى اليهود إيمان ديني بـ”لعنة العقد الثامن” وهو أن دولتهم في فلسطين، تزول دائمًا عندما يصل عمرها إلى هذا العقد الثامن، وهو ما حدث أكثر من مرة سابقًا.

الشعار المُرعب.. والتسجيل الحي للكمائن

أبو عُبيدة، لم يكُف عن التذكير بشعار المقاومة المُرعب للكيان الصهيوني: “نصرٌ، أو استشهاد”، الكاشف عن رغبة المقاوم الفلسطيني الجارفة في الاستشهاد، شوقًا ولهفة إلى الجنة الموعودة، مقابل خشية الإسرائيلي على الحياة وتشبثه بها. تتساند مع بيانات أبو عبيدة مقاطع الفيديو شبه اليومية منذ بداية الحرب، وحتى الآن، التي تبُثها القسام وسرايا القدس تسجيلًا حيًا للكمائن التي تنصبها المقاومة لجنود الاحتلال في غزة، ولحظات مقتلهم واستهدافهم وآلياتهم ودباباتهم بـالقذائف والعبوات الناسفة، ومن المسافة صفر بواسطة المقاتل الفلسطيني المقاوم.

قد لا تُسفر إدارة القسام لقضية الأسرى الإسرائيليين الستة المقتولين في غزة، وتوظيفها في الحرب النفسية على الكيان، وما تزامن معها من احتجاجات عارمة، ومظاهرات طلبًا لعقد صفقة تبادل للأسرى، لكنها حتمًا، ستصيب الكيان بهزات وانقسامات وانشقاقات اجتماعية ونفسية وسياسية وداخل المؤسسة العسكرية. لها مردودها العاجل والآجل، بما قد ينتهي بهزيمة الاحتلال في عدوانه الغاشم على الشعب الفلسطيني في غزة.

المجد للمقاومة والسلام لروح الشُهداء.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان