بعد حظر “إكس” و”تيك توك”.. هل تنتهي ثورة السوشيال ميديا؟

إيلون ماسك (رويترز)

أصاب حظر البرازيل منصة “إكس”، مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، صدمة لـ5 مليارات إنسان، يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي في العالم.

جاء القرار القاسي قبل أقل من مئة يوم من بدء منتدى “حوكمة الإنترنت” المقرر عقده بالعاصمة السعودية الرياض، بحضور ممثلي الحكومات والمجتمع المدني والأمم المتحدة.

جرمت الدولة منصة “إكس” المملوكة لأغني رجل بالعالم، إيلون ماسك، في خلاف عنيف، بشأن حرية التعبير المحمية عبر الإنترنت، ودور السلطة في السيطرة على أنظمة الاتصالات، وسبل امتثال وسائل التواصل الاجتماعي الدولية للقانون لحماية المسؤولين داخل أراضيها.

اتهمت المحكمة العليا في البرازيل “إكس” بعرقلة العدالة، ومنعها من ملاحقة حسابات المتطرفين اليمينيين الذي أرادوا الانقلاب على رئيس البرازيل اليساري لولا دا سيلفا.

ألزم قاضي المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس “ماسك” بتعيين ممثل قانوني لشركته في البرازيل. منع القاضي شركتَي “غوغل” و”أبل” من تنزيل “إكس” على الهواتف المحلية.

ذهبت المحكمة العليا إلى أبعد من ذلك، بتجميد حسابات شركة “ستار لينك” للاتصالات عبر الأقمار الصناعية، المملوكة لـ”ماسك”، وحظرت لجوء المواطنين إلى استخدام شبكات افتراضية “VPN” للوصول إلى “أكس”، وفرضت غرامة يومية تبلغ 8900 دولار على المخالفين. يتابع “إكس” 20 مليونا يمثلون 10% من سكان البرازيل ونحو 44% من جمهور شبكات التواصل، بالمقارنة بنحو 91% لإنستغرام و83% لفيسبوك و65% لتيك توك.

بين الحرية والاستبداد

رأى “ماسك” قرار القاضي عملا استبداديا، فرد القاضي ببيان يؤكد أن دوره حماية الديمقراطية البرازيلية، بينما توعد البيت الأبيض حكومة دا سيلفا، إذ لم تتراجع عن قرارها، التي لا تتماشى -برأيه- مع مبادئ حرية التعبير والممارسة الديمقراطية.

وصفت الصحف الأمريكية حكومة البرازيل بالفاشية، متجاهلة أن السحر -الذي مارسته واشنطن منذ 3 أشهر في قضية حظر منصة “تيك توك” التي يتابعها 170 مليون أمريكي- قد انقلب على الساحر. وفق قانون أصدره مجلسا النواب والشيوخ ووقعه الرئيس بايدن في يوليو/تموز الماضي، فإن أمام “تيك توك” 10 أسابيع، لتبيع الشركة الصينية المالكة “بايت دانس” أصول منصتها قسرا إلى شركة أمريكية، وإلا ستُمنع من العمل، ويُحظر وجودها على تطبيقات الهواتف داخل الولايات المتحدة.

اتهمت وزارة العدل “تيك توك” بنقل بيانات حساسة للمستخدمين الأمريكيين إلى الصين، مستندة إلى تقارير مخابراتية تُظهر أن “تيك توك” سرّب المعلومات الخاصة بمتابعيه إلى المخابرات الصينية.

أثار قرار الكونغرس غضب كثير من العقلاء الأمريكيين الذي رأوا في تنفيذه خطورة تهدد مستقبل المنصات الأمريكية المهيمنة على الإنترنت خارج البلاد لا سيما في الدول الاستبدادية، إضافة إلى عرقلته حرية الوصول الحر إلى شبكات الإنترنت وتداول المعلومات. وصفت الصين القرار بأنه “عمل من أعمال التنمر، سيؤدي إلى نتائج عكسية”.

 القمع الفرنسي

كانت هذه المرة الثانية خلال أسبوع التي تقوم فيها حكومة بقمع أحد التطبيقات الكبرى للتواصل الاجتماعي، حيث ألقت السلطات الفرنسية القبض على مؤسس “تليغرام” ورئيسه التنفيذي بافيل دوروف في الثاني من سبتمبر، للتحقيق في مساعدته لمخالفي قانون الاتحاد الأوروبي بغسيل الأموال ونشر معلومات مضللة، وتسهيل الاعتداء الجنسي على الأطفال.

من وجهة نظر فرنسا والدول الغربية أن “دوروف” الروسي المولد والجنسية، الحاصل على الجنسية الفرنسية والإماراتية، المقيم منذ 10 سنوات ما بين باريس وإمارة دبي، يرفض وصول الحكومات إلى شفرة التشغيل للتطبيق، بما جعل منصته جاذبة للقنوات التلفزيونية وأصوات تمثل الأطياف السياسية والعرقية، خاصة الرافضة للممارسات الاستعمارية العنصرية للدول الغربية.

لطالما استجاب “تليغرام” بحظر مجموعات تصنفها فرنسا مخالفة للقانون، ورفض الاستجابة لتدخل الحكومة الروسية في أعماله قبل الحرب مع أوكرانيا، لكن أجهزة الأمن الفرنسية تريد من إدارة “تليغرام” الإبلاغ عن هذه الحالات وتتبُّع المجموعات بالتطبيق، والحصول على التشفير الخاص بتشغيله. يمتلك “تليغرام” القدرة على إجراء محادثات مشفرة خاصة وجماعية بين 200 ألف شخص، ليجمع بين مميزات “آي ماسيج” من “أبل” و”واتس آب” من “ميتا” المملوكة لـ”زوكربيرغ”.

يرفض “دوروف” المساس بسمعة منصة تتوسع بسرعة، حولته إلى ملياردير، تتهافت الحكومات على مقابلته، فتمسّك ببقائها ساحة حرة أمام الكافة من الروس والعرب والمجموعات الغاضبة بالغرب، بوقت يتراجع فيه الاقبال على”فيسبوك” داخل أمريكا، لصالحه و”تيك توك” منذ قيام “زوكربيرغ” بحجب معلومات وتقارير وضعها متابعون على منصته تشير إلى تواطؤ إدارة بايدن ضد مؤيدين للرئيس السابق “ترامب” تبرئ ساحتهم في قضية “احتلال الكونغرس الأمريكي عام 2020″، إضافة إلى شطبه ملايين الحسابات لمتابعين عرب وأمريكيين وغيرهم من أوروبا وآسيا يراهم داعمين للقضية الفلسطينية ومعادين للصهيونية والسامية، بينما ينشر معلومات مضللة حول ما يحدث في حرب غزة وأوكرانيا.

قانون المخابرات

تسير فرنسا الليبرالية على خطى الصين -المتهمة بالاستبداد من وجهة نظر الغرب- بإجبار شركات التكنولوجيا وتطبيقات التواصل على تقديم بيانات العملاء للأجهزة الأمنية، والعمل وفق قوانين الاستخبارات، وهو أمر أجبر “غوغل” و”ياهو” و”فيسبوك” على الخروج من الصين، بينما قبلت “أمازون” و”أبل” وإيلون ماسك العمل تحت مظلة المخابرات، طمعا في ثروات جمهور تعداده 1.4 مليار نسمة.

تتناسى فرنسا مشاركة الاتحاد الأوروبي العام الماضي، باتهام إيلون ماسك بتحويل “إكس” إلى ساحة لترويج الأخبار المزيفة، في وقت أطلقت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية على “ماسك” لقب “الصاروخ الجيوسياسي الطائش” الذي يقحم نفسه في نزاعات خطيرة، ويوظف “إكس” كمكبر صوت لدعم أصدقائه وفرض وجهة نظره، بينما يحجب الحقائق عن الجمهور، مستشهدة بتعليقه على اعتداء اليمين المتطرف على المسلمين في لندن بقوله “إن الحرب الأهلية أمر لا مفر منه في بريطانيا”.

الدعاية السوداء

منذ تحولت الروابط الدافئة بين الصين والولايات المتحدة إلى علاقة مسمومة عام 2018، انتقلت من مرحلة فرض الجمارك في عهد “ترامب” إلى حالة هيستيرية بوجود “بايدن” تعمق حربا باردة جديدة. تدفع المنافسة التجارية والصراعات العسكرية كل طرف إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام، بتضخيم إنجازاته أو تبني أفكاره وأخرى معادية لخصومه، عبر دعاية مزيفة أو أخبار مضللة.

يخشى الأمريكيون من تنامي قدرة “تليغرام” على استخدامه بكفاءة أثناء الحرب بين العسكريين ومسؤولين من الروس والأوكرانيين، وتوفيره تطبيقات ذكاء اصطناعي على شاكلة “نودي فلاير” Nudifler قادرة على كسر شفرات “غوغل” و”أبل” مع تحوله إلى متجر متكامل منافس لهما، يروج لتطبيقات يخترعها الأفراد والشركات، بمدفوعات بين شخصيات مخفية الهوية، بالعملات المشفرة وخارج نطاق الدولار، بعيدا عن قيود الحظر التي تفرضها واشنطن.

لدى الغرب مخاوف عميقة من توظيف “تليغرام” “وتيك توك” لمنتجات صينية وشركاء غير خاضعين لنفوذه، تعمق تراجعه الاقتصادي، إضافة إلى ما أثاره من رعب سياسي عقب فوز اليسار المتشدد واليمين المتطرف في أوروبا مستفيدا من ارتفاع شعبية التطبيقين بكل من فرنسا وإيطاليا وهولندا والسويد والولايات المتحدة، وانتشار ثورات شبابية تستخدم “تليغرام وسيجنال وواتساب وتيك توك” غير الخاضعة للرقابة اللحظية من المخابرات الغربية.

يوحي الصدام بين الولايات المتحدة والصين وروسيا بأن عصر حرية الرأي والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد انتهى. تتصرف الحكومات الديمقراطية والشمولية بطريقة استبدادية، لتحتفظ كل منها بسلطة إصدار القوانين وجعل كل مستخدم لوسائل التواصل غير قادر على الإفلات من قبضة السلطة أو الشركات والدول المالكة لها.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان