شادية صوت مصر وأيقونة السينما

الفنانة شادية في فيلم "شيء من الخوف" مشهد فتح الهويس (منصات التواصل الاجتماعي)

إذا كان مشهد محمود المليجي في نهاية فيلم الأرض ليوسف شاهين عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي أهم مشهد سينمائي قدمه ممثل في تاريخ السينما المصرية بما يحمله من دلالات قيمية في مواجهة الطغاة الذين يريدون تجريف الأرض وتحويلها إلى جسر يعبر بالباشا إلى أرضه، ويتمسك الفلاح بأرضه وقطنها حتى تختلط دماؤه بالأرض..

فإن أهم مشهد سينمائي قدمته ممثلة مصرية في تاريخ السينما -في تقديري- مشهد شادية الخالد في فيلم شيء من الخوف للمخرج حسين كمال والكاتب ثروت أباظة، وهو مشهد فتح الهويس الذي يحجز الماء: عندما فتحت فؤاده بطلة الفيلم هويس المياه بعد أن جفت الأرض وماتت بفعل طاغية آخر. نحن أمام دلالات قيمية أيضا تعادل الرسالة الأولى، وأمام صورة كسرت بها شادية النمط السائد للبطلة في السينما المصرية خاصة ونحن أمام مطربة صاحبة جماهيرية طاغية.

توقيت الاحتجاب

شادية التي اختارت أن تنهي علاقتها بالسينما والغناء في لحظة مفصلية في تاريخ مصر فنيا وثقافيا بل وسياسيا في بداية الثمانينات (1984)، واختارت البعد عن صخب الحياة التي عاشتها قرابة أربعين عاما منذ ظهورها عام 1947 في عالم السينما والغناء، اختارت أيضا أن تظل سنوات حكم مبارك الثلاثين بعيدة عن الحياة في مكان لا يعرف طريقه سوى قلائل من الأقرباء، فهل كان صدفة هذا التاريخ للاحتجاب. شادية بنت الأربعينات وبطلة الخمسينات المتألقة، والمتوهجة والناضجة في الستينيات، وحكمتها في السبعينات أدركت بعناية أفول زمنها في السبعينيات، وبداية زمن جديد في الثمانينيات فكان قرار الاحتجاب.

اختارت شادية صورة ومكانة تظل باقية لها، امرأة في بداية الخمسينات لها جمالها الخاص، شهرتها وتألقها، ملكة متوجة على عرش أشهر مهنتين في العالم: الغناء والتمثيل. صوت مصر الأول غنائيا، وممثلة من أهم نجمات السينما المصرية والعربية. صورة أسطورية لا يمكن أن يختفي في ظلها إلا الأساطير التاريخية، غادرت صاحبة أهم أغاني وطنية بعد أم كلثوم وعبد الحليم، الصوت الذي لا يغيب حتى الآن في مناسبات مصر الثورية والوطنية، صاحبة: يا حبيبتي يا مصر، يا أم الصابرين، أقوى من الزمن، قال لي الوداع، خلاص مسافر. اعتزلت فؤادة في شيء من الخوف، وزهرة في ميرامار، ونور في اللص والكلاب، وسيدة في نحن لا نزرع الشوك، وحميدة في زقاق المدق، غادرت وهي في قمة تتلألأ.

شادية هي تعبير عن مصر منذ سنوات الأربعينيات تشق طريقها والحركة الوطنية تتوهج في التظاهرات من أجل الجلاء فتية رشيقة، وفي المقاومة الشعبية بمدن القناة ضد الاحتلال، ثم تنتقل متوهجة شابة فتية مع ثورة يوليو، تثقل موهبتها في الستينيات مع ثبات الدولة الوطنية حتى نهاية الستينيات، وتخفت رويدا مع السبعينيات، وتختار الاحتجاب في بداية الثمانينيات فلا تقدم فيه سوى فيلم سينمائي واحد، وعرض مسرحي هو الوحيد في حياتها (ريا وسكينة) ومسلسل إذاعي (كل هذا الحب عام 1982) آخر أعمالها السبعة  للإذاعة المصرية.

شادية فتاة السينما الباسمة

دخلت شادية عالم السينما في سن مبكرة جدا عام 1947 في عمر الـ16 كبطلة لفيلم (العقل في إجازة) من إخراج حلمي رفلة، وانطلقت بعده في سنوات الخمسينيات لتقدم عشرات الأفلام التي شهدت شادية البنت الشقية والخفيفة، وملأت الشاشة بالحيوية والبهجة، فقدمت عشرة أفلام في ثلاث سنوات حتى بداية الخمسينيات، وفي عشر سنوات تالية قدمت 77 فيلما، وشاركت شادية البطولة مع كل أبطال السينما المصرية كبارا وشبابا.

لا يوجد ممثل أو مطرب من أصحاب البطولة لم يشارك شادية في فيلم سينمائي، إذ قدمت ثنائيات متعددة منها ثنائية شادية/ كمال الشناوي، شادية/ إسماعيل ياسين، شادية /صلاح ذو الفقار، شادية/ محمد فوزي، شادية/ عبد الحليم حافظ، وقد قدمت مع عبد الحليم حافط ثلاثة أفلام من مجموع 13 فيلما قدمهم عبد الحليم حافظ للسينما المصرية وهي: لحن الوفاء، ودليلة، ومعبودة الجماهير. قدمت شادية منذ عام 1947، وحتى 1959 أكثر من ثلثي أفلامها البالغ عددها 112 فيلما. وقدمت 11 منها طوال السبعينيات وأوائل الثمانينيات التي قدمت فيها فيلما واحدا هو آخر أفلامها (لا تسألني من أنا) عام 1984، وأعلنت بعده الاحتجاب وارتدت الحجاب ولم تظهر مره أخرى لجمهورها حتى وفاتها في 2017.

في استفتاء عن أفضل 100 فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية الذي أجراه مهرجان الإسكندرية وجمعية نقاد السينما المصرية جاء فيها ستة أفلام بطولة شادية وهي: مراتي مدير عام في المركز الثاني ثم خمسة أفلام أخرى في مراكز متعددة وهي: الزوجة 13، عفريت مراتي، أنت حبيبي، نص ساعة جواز، وأضواء المدينة.

في هذه الأفلام التي انتجت معظمها في فترة الستينيات نلاحظ أن شادية قدمت فيها ستة أدوار متنوعة، مع شخصيات متنوعة قدمتها ببراعة.

سنوات النضوج وأفلام الأدباء

مبكرا بدأت شادية تقديم أدوار مختلفة عن حكاية البنت الشقية، ودخلت في أدوار أثبتت فيها أنها ليست صوتا مهما وكبيرا في عالم الأغنية المصرية بل ممثلة تمتلك قدرات فريدة جعلتها واحدة من أهم بطلات السينما المصرية ونجماتها، وبدا ذلك واضحا منذ أواخر الخمسينيات حينما قدمت فيلم المرأة المجهولة في عام 1959 لتبدأ شادية فترة جديدة من عمرها السينمائي مع بداية الستينيات بفيلم اللص والكلاب، ثم زقاق المدق، وأغلى من حياتي، والطريق، وميرامار، ونحن لا نزرع الشوك، وشيء من الخوف، والملاحظ أن أغلب هذه الأفلام عن روايات أدبية.

قدمت شادية أفلاما لكبار كتاب الرواية المصرية منهم: ثروت أباظة في شيء من الخوف، يوسف السباعي في رواية نحن لا نزرع الشوك، أما أديب مصر الكبير نجيب محفوظ فقد قدمت له شادية روايات: الطريق، وزقاق المدق، وميرامار، واللص والكلاب.

وقال محفوظ إنه لم ير شادية قبل إنتاج هذه الأفلام كبطلة لرواياته واختلف الوضع حينما رآها على الشاشة، وقدمت لمصطفى أمين عدة روايات أبرزها: معبودة الجماهير مع عبد الحليم حافظ.

شهدت هذه الفترة تألق شادية رغم قلة أفلامها مقارنة بالخمسينيات. ولشادية أيضا ستة أفلام في أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي: شباب امرأة، واللص والكلاب، وشيء من الخوف، ميرامار، ومراتي مدير عام، والزوجة رقم 13، هذه الأفلام يبرز تنوعها مكانة شادية بين بطلات السينما المصرية.

رغم عدد الأفلام الكبير التي قدمتها شادية للسينما المصرية مقارنة بعدد سنوات عملها في السينما، ورغم كون شادية مطربة بالدرجة الأولى وتعتبر المطربة الثانية بعد أم كلثوم إلا أنها لم تشارك بالغناء إلا في 26 فيلما سينمائيا أي اعتمدت في السينما كونها ممثلة في أكثر من 80 فيلما.

ربما كان اعتزال شادية في سن مكبرة جدا من حياتها عن 53 عاما واختفاؤها عن الأنظار حتى أنه لم يظهر لها إلا صورة واحدة أو صورتين خلال 33 عاما قد أثر على حضورها الجماهيري وخاصة مع تغير ذائقة الجمهور الذي بدأ مع اختباء شادية في تذوق نوعية جديدة من الأفلام، لكنها اختارت التوقيت المناسب سينمائيا للاحتجاب لتظل شادية محط تقدير واحترام الجميع كواحدة من أهم نجمات السينما المصرية في تاريخها، وكصوت مصر القوي في الغناء.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان