العالم على موعد مع مغامرات ترامب
عشرة أيام تفصلنا عن بدء ولاية دونالد ترامب الرئاسية الأمريكية، الولاية الجديدة يترقبها السياسيون حول العالم بحذر بالغ، كما الاقتصاديون بقلق منقطع النظير، ليس بسبب شخصية الرجل المثيرة للجدل فقط، بل بسبب تصريحاته المعلنة، وممارساته الفجة، التي بدأت مع ولايته الرئاسية السابقة، بالانسحاب من اتفاقية باريس لحماية المناخ، بعد أن ألغى اللوائح التي تهدف إلى معالجة تغير المناخ، ثم الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ثم الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، وضم الجولان السوري، وغيرها من الممارسات الصادمة.
وما يثير القلق أكثر من الولاية المرتقبة، هو طبيعة رجالات إدارته الجديدة وأيديولوجياتهم، الذي أعلن عن اختيارهم، بالمواقع الوزارية والسيادية والإدارية، وحتى ببعض السفارات ذات الأهمية الاستراتيجية، إلى غير ذلك من إجراءات، سوف تكتمل بحلول تاريخ العشرين من الشهر الحالي، موعد التنصيب الطبيعي المنتظر، وهو ما جعل هناك حالة من الضبابية والقلق في الوقت نفسه تسودان العالم، خصوصًا مع اشتعال الأوضاع في جبهات ومحاور عديدة، كانت في حاجة إلى وسائل إطفاء، أكثر من كونها في حاجة إلى ترّهات ترامب، بما تحمله من عنصرية وتحفز للداخل الأمريكي والعالم الخارجي في آن واحد.
منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، قد ترى أنها معنية أكثر من غيرها بالوافد الجديد/القديم، لأسباب عديدة، أهمها الحالة الصهيونية، الشاردة بالمنطقة، الأمة الصينية أيضًا تعيش الحالة نفسها، لأسباب تتعلق بالصراع العسكري والاقتصادي والتكنولوجي بين القوتين، الدب الروسي هو الآخر يترقب ذلك اليوم بشغف بالغ، تحسبًا لحدوث متغيرات، تتعلق بذلك المستنقع الدموي الأوكراني، الذي حفره وأعده سلفه جو بايدن وإدارته، القارة الأوروبية من جهتها لا تخفي قلقها من مجرد نجاح ترامب في الانتخابات الأمريكية، وما يحمله ذلك من ابتزاز مرتقب بدعوى الحماية، وهو ما لن تسلم منه أقطار آسيوية أخرى، في مقدمتها اليابان وكوريا الجنوبية، أضف إلى ذلك ما يستجد من أعمال تتعلق بالأطماع في ضم كندا، والاستيلاء على قناة بنما، واحتلال جزيرة جرينلاند الدنماركية وغيرها.
اهتمامات ترامب الاقتصادية، قد تسهم بمجرد تنصيبه في انتعاش فوري، لأسواق الأوراق المالية حول العالم، وارتفاع قيمة العملة الأمريكية، وانخفاض أسعار النفط، على اعتبار أن البرنامج الاقتصادي للرجل يحمل العديد من الإيجابيات للولايات المتحدة بشكل خاص، وللتجارة العالمية بشكل عام، إلا أن ذلك كله سوف يتبخر -على سبيل المثال- بمجرد الإعلان عن غزو بنما للسيطرة على المجرى المائي هناك، أو الإعلان عن النية في قصف البرنامج النووي الإيراني، أو فرض مزيد من الإجراءات الجمركية فيما يتعلق بالصادرات الصينية، أو إشعال الموقف من جديد في الشرق الأوسط، بعد أن هدد بـ(الجحيم) إذا لم يتم الإفراج عن أسرى الكيان الصهيوني لدى المقاومة الفلسطينية.
مخاوف المستقبل
هذه القضايا كلها وغيرها، جعلت التوقعات المتعلقة بالعام الجديد 2025، مضطربة ومزعجة عالميًا، على المستويات كلها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويكفي في هذا الصدد التعنت الإسرائيلي فيما يتعلق بوقف حرب الإبادة على قطاع غزة، أو المماطلة في التوصل لاتفاق بشأن تبادل الأسرى، انتظارًا لقدوم الوافد الداعم للعدوان، المحفز على إشعال النار، على اعتبار أن الصهاينة حول العالم، لم يكتفوا بقتل ما يزيد على 60 ألف شخص، بخلاف الجرحى الذين يزيد عددهم على 110 آلاف، وفي الوقت نفسه أملًا في تنفيذ المخطط المعلن، المتعلق بالتوسع الجغرافي للكيان الصهيوني، على حساب عدد من دول المنطقة.
على الجانب الآخر، أعلنت إيران عن بدء ما يصل إلى 30 مناورة عسكرية، برية وبحرية وجوية، في المحافظات الغربية والجنوبية، تستمر حتى منتصف مارس/آذار المقبل، وأعلن المتحدث العسكري أن هذه المناورات مشتركة بين الحرس الثوري والجيش، لمواجهة التهديدات الجديدة، في إشارة إلى تصريحات ترامب وإدارته المزمعة بشأن إيران، التي تتوعد بما أطلقوا عليه: (أقصى ضغط)، وأوضح المتحدث أن جزءًا من هذه المناورات يقع قرب مفاعل “نطنز” النووي، وهو مركز رئيس لتخصيب اليورانيوم، أما المناورة الأضخم، فهي بحرية بمضيق هرمز، الذي يمر عبره ثلث إمدادات النفط العالمي.
وفيما يؤكد أن العالم يستعد (عسكريًا) لاستقبال ولاية ترامب الجديدة، أجرت الصين مؤخرًا، مناورات عسكرية واسعة النطاق حول تايوان، نشرت خلالها مقاتلات وسفنًا حربية، مكونة من أربعة أساطيل، أكدت أنها بمثابة تحذير صارم ضد الأعمال الانفصالية، وذلك في الوقت الذي كتب فيه ترامب على حسابه في منصة (X) أن أول إجراءاته الاقتصادية، بعد تنصيبه، ستكون زيادة الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، على الرغم من أنه كان قد فرض تعريفات جمركية على السلع الصينية خلال فترة ولايته الأولى، فيما يشير إلى عزمه تصعيد الحرب التجارية بين البلدين.
حكومتا التطرف
قد يجد العالم نفسه، وعلى مدى أربع سنوات، أمام الإدارة الأمريكية الأكثر تطرفًا وعنصرية في التاريخ المعاصر، حيث موقفها من المهاجرين، ومن الأجانب بشكل عام، والموقف من التجنيس، ومن الإقامات والديانات والأقليات، وحتى فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وحقوق المواطنة، والتظاهر، والتعبير عن الرأي، وجميعها قضايا مهدَدة، خصوصًا ما يتعلق بما يطلق عليه “معاداة السامية” وهي عبارة فضفاضة، يمكن من خلالها الانتقام من أي شخص ينتقد حرب الإبادة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، أو أي عدوان صهيوني على أي من بلدان المنطقة، وهو ما يخطط له الكيان بالفعل، خلال الحقبة الترامبية الجمهورية، التي لا تخفي عداءها السافر للعرب وقضاياهم بشكل عام.
وإذا ما استمرت الحكومة الإسرائيلية الأكثر إرهابًا، في سدة حكم الكيان، بالتزامن مع إدارة ترامب المشار إليها، نحن إذن أمام توقعات بأحداث ساخنة وغير مسبوقة للمنطقة، قد تدفع العالم إلى حرب عالمية، نتيجة ما سوف يسفر عنه التصعيد من أزمات تتعلق بإمدادات النفط والغاز من جهة، وحركة التجارة الدولية من جهة أخرى، وضغوط اللوبي “الصهيو أمريكي” من جهة ثالثة، وهي أمور كفيلة بإشعال الموقف، بعد أن تم تغييب المنظمات والمحاكم الدولية، التي يكن لها ترامب بصفة شخصية عداء بالغًا، خصوصًا إذا علمنا أن الولايات المتحدة ليست عضوًا بمحكمة العدل الدولية، ولا طرفًا بالمحكمة الجنائية الدولية، اللتين تعهد ترامب بالحد من اختصاصاتهما لحساب الكيان الصهيوني.
قد تكون مغامرات أو طموحات، وقد تكون نزوات أو هفوات، وقد يكون شططًا أو شطحًا، إلا أنه في الأحوال كلها، لن يكون من اليسير على العالم احتواء ذلك الوحش الكاسر، المرتكن على أقوى آلة عسكرية في كوكب الأرض، وأكبر اقتصاد، وأضخم ماكينة إعلامية، إلا أن العالم العربي تحديدًا، كان يجب أن يعي مبكرًا أنه الأكثر استهدافًا، بتحديات وجودية غير مسبوقة، قد تكون أكبر بكثير من تحديات سايكس بيكو، التي استهدفت، قبل أكثر من 100 عام، التقسيم والتفتيت، بينما نحن الآن أمام تحديات القضم والاحتلال، تحديات الإبادة والفناء، وهو ما يستوجب الاتحاد بدلًا من الفرقة، والتعاون بدلًا من التناحر، على أمل ألا يكون قد فات الأوان.