صدى انتصار الثورة السورية في تونس؟

صورة أرشيفية تجمع بين الرئيس التونسي قيس سعيّد، والرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (موقع الرئاسة التونسية)

 

منذ 2011 انقسم التونسيون فريقين حول الثورة السورية. وقف الإسلاميون وكثير من الطيف الديمقراطي وفي مقدمتهم الرئيس المرزوقي مع الثورة وصنفوها حركة ضمن الربيع العربي، ونظموا مؤتمر أصدقاء سوريا للدعم. بينما انحاز ضدها طيف سياسي يتكون من القوميين واليسار وفلول نظام بن علي القائلين بالربيع العبري.

وقد تبين أن هذا الانقسام أوسع من تونس، فكل خصوم الإسلاميين وأعدائهم اتحدوا في هذا الموقف، واستحضروا سردية الممانعة معتبرين نظام بشار هو مركز قيادة حرب تحرير فلسطين. لقد كان تحولا عجيبا، فكل الذين انحازوا إلى نظام البعث كانوا ضد سردية الممانعة (التي تقودها إيران الرجعية)، وتشهد عليهم مقالاتهم المؤرشفة منذ العام 1980، لكن الموقف من بشار ونظامه ومحوره تحدد في ضوء الموقف الاستئصالي الثابت، فحيث يميل الإسلاميون يميل عنهم اليسار والقوميون والفلول. هكذا حددوا موقفهم إلى جانب بشار والسيسي ومع انقلابه، ومن حفتر الانفصالي.

سقط بشار وانهار نظامه واندحر محوره إلى ما وراء جبال زاغروس، فهل تحرك موقف أنصاره في تونس؟ وهل تقاربت مواقف الصفين منه؟ نحاول استشراف المشهد.

عودة قضية التسفير.

اتهم أنصار بشار الإسلاميين وحلفائهم بتنظيم رحلات تسفير مقاتلين لما سموه الحرب الأهلية السورية، فدفع الإسلاميون ثمنا مكلفا لهذه التهمة، وكانت سببا رئيسا من أسباب سقوطهم في 2014، وقد تم فتح تحقيق برلماني ولم تقدم أدلة كافية للقضاء عن ورطة الإسلاميين، بل ظهر العكس فأغلق التحقيق بانكشاف المسفرين الحقيقيين، وتم ردم الملف وأخرست الجهة النيابة المكلفة به، لكن الإعلام الواقع تحت سيطرة اليسار والبعثيين ظل يروج للسردية حتى اللحظة.

سقوط بشار ينذر بفتح الملف ثانية، وقد بدأ نشطاء مستقلون (دون الإسلاميين) في إثارة الملف بما يهدد المسفرين الذين انطلقوا في لطميات طويلة عن نظام الممانعة مع استحضار كل مفردات التطبيع وتهمه.

نسمع اللطميات ونقرؤها كهروب إلى الأمام من فتح الملفات. وجب التذكير بأن تغيير الموقف السعودي من الثوار المنتصرين في دمشق صب ماء في طاحونة اللطميات، فوضعوا الثورة المنتصرة في سياق صفقة القرن التطبيعية، وعاد لنا حديث الرجعية العربية المتحالفة مع الأمريكيين ومخابرات العالم المتصهينة. وجب التذكير أيضا أنه طيلة سنوات 2011-2024 كان النظام السعودي يحظى بصفات حميدة بناء على موقفه المعادي للربيع العربي الذي ترجمته مساعدة السيسي وبشار ماليا وسياسيا.

فتح التحقيق من جديد في قضايا التسفير يعد بفضائح سياسية سيكون لها أثر كبير في المشهد التونسي أولها تثبيت الجرم على أنصار بشار الخائفين الآن من كشف كتائبهم التي حاربت إلى جانب بشار، وفيها من يعود هاربا من سوريا، وثانيها إثبات براءة الإسلاميين وحليفهم المرزوقي من التسفير.

المحدد من الثورة السورية (لا الحرب الأهلية) هو ملف التسفير، وهناك الآن من يحاول إخفاء الجريمة، فيوغل في عرض الثورة ويتهمها بكل رذيلة غاضا الطرف عن الممانعة بـ”الكبتاغون”.

ورطة الصورة مع بشار.

لم يعرف عن الرئيس قيس سعيّد موقف من نظام بشار قبل أن يصير رئيسا لتونس، بل إن خطابه الديمقراطي في أول أيام الثورة يجعل منه عدوا صريحا لأمثال بشار، فلما استقر له الحكم انكشف موقفه في صف أشرس أعداء الديمقراطية.

لقد انضم إلى الجوقة العربية التي عملت على إعادة تسويق بشار المنبوذ، وكان الحزام المعادي للإسلاميين (اليسار والقوميين) يدفعه إلى تجذير موقفه إلى جانب محور الممانعة وفي قلبها بشار، لذلك أعاد فتح السفارة في دمشق ووضع الأمر في سياق المشاركة في تحرير فلسطين.

وقد حافظ على موقفه حتى آخر بيان للخارجية اتهم فيه قوات ردع العدوان بالإرهاب، وهي مظفرة على أبواب دمشق، وهو الآن يحمل وزر الصورة الرسمية مع بشار، ونحن نتساءل عن طول فترة اللطم على بشار وقد اندثر نظامه والمنطقة تتغير فيها التحالفات والمواقف بما يشبه يوم قيامة. يقوم اللحظة نظام جديد في سوريا بوعود إنجاز ديمقراطية ضمن الربيع العربي، والوقت يضيق على من يواصل اللطم على بشار، فبشار لن يعود والأرض تتحرك بسرعة.

أنصار الثورة السورية ينتعشون.

أنصار الثورة السورية هم أنصار الديمقراطية وضمنهم الطيف الإسلامي، وهؤلاء فرحون بانتصار الثورة السورية، ويبنون أملا في أن يعود الربيع العربي من دمشق. بعد انكسرت موجته الأولى في دمشق.

لكن في فرحهم من الشماتة في نظام بشار وأنصاره أكثر ما فيه من خطة عمل للعودة إلى الثورة، ولا نقرأ حتى الآن موقفا سياسيا يتجاوز العواطف الجياشة، والبيانات بدت لنا خجولة مرتبكة، ولم يخرج أحد إلى الشارع للاحتفاء بالمنتصرين.

يتنادى الآن طيف معارض لنظام قيس سعيّد إلى الاحتفال بذكرى سقوط بن علي رابطين بين الهروبين، لكن لا نلمس حركة عميقة تنطلق من روح الربيع العربي، وسيحسبون ألف حساب لرفع علم الثورة السورية في مظاهرة.

معارضو قيس سعيّد لم يتغيروا ولم يتطوروا أشخاصا وخطابا وممارسات. الكلمات الخشبية نفسها من الوجوه المستهلكة نفسها، ولم يظهر أن الأكسجين القادم من سوريا قد تم استنشاقه.

لقد انكشف أن نظام قيس سعيّد جرف الساحة السياسية وفكك روابطها، فلم يعد أحد يقدر على حركة مؤثرة، وأي حركة في الشارع تبدو لنا الآن نوعا من الحشرجة، فالناس فقدت الأمل في النظام، لكنها أيضا فقدت الأمل في معارضيه. الطيف المعارض لقيس سعيّد مستنزف سياسيا وأخلاقيا وصحيا أيضا. هذه حقيقة جلية.

من زاوية أخرى فإن مؤشرات الثورة السورية تقول إن وصول إسلاميين إلى حكم بلد عربي يخيف الطيف الديمقراطي العاجز عن تحريك الشوارع دون جمهور الإسلاميين. لقد صار جليا أن الإسلاميين لن يعارضوا وحدهم، وأن الطيف الديمقراطي لن يشاركهم في الشارع ولا في الحكم، فلم تعد حجة أن الغرب لا يريدهم قابلة للترويج. ما زال الموقف الاستئصالي بشقيه (الهارد والسوفت) لم يتزحزح عن رؤيته الاستئصالية.

إذن من للربيع العربي العائد من سوريا في تونس خاصة؟ ذات يوم نشرت دمشق الإسلام شرقا وغربا حتى العدوة الأندلسية. من يدري ربما تعيد نشر الديمقراطية؟ سندعو أن لا يكون ذلك بالجنود أنفسهم (ونحن منهم) الذين فشلوا في الهجوم الديمقراطي الأول.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان