لن نترك غزة وحدها وعام من التخاذل في مواجهة الإبادة!

إسرائيل تواصل قصفها لغزة بعد مرور أكثر من 15 شهرًا
إسرائيل تواصل قصفها لغزة بعد مرور أكثر من 15 شهرًا (رويترز)

على مدار أكثر من عام، لم ينتج أثر ملموس عن أي مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، يؤدي إلى وقف الإبادة المستمرة في غزة.

وبين تصريحات متهافتة وأفعال غائبة كان السؤال هو: هل ترك العالم غزة وحدها؟ وهل استمرأ العرب والمسلمون العجز ورضوا بالمهانة اتجاه ما يحدث من إبادة في غزة؟ وهل من مصلحة دول المنطقة وشعوبها أن يترك الفاعلون الرسميون إسرائيل المدعومة أمريكيا وغربيا ترتكب “محرقة العصر في غزة”، وتعيث فسادا في فلسطين والمنطقة مع أنهم يملكون أدوات تمكنهم -إن توفرت الإرادة- من منع ذلك كله؟

عام الخذلان لغزة

لقد مضى عام 2024 مثقلا بلقب “عام الخذلان لغزة”، حيث شعب يباد وعالم يتفرج، فمنذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة لم يراوح العالم أجمع منطقة الشجب والإدانة والاستنكار للمجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وكأن ما يحدث هو عملية شراء وقت حتى ينجز الاحتلال الإسرائيلي مهمته، ويجهز على ما تبقى من غزة وأهلها وكامل فلسطين وشعبها.

ماذا ينتظر العالم والعرب والمسلمون في عام 2025 لوقف المجازر في غزة؟ أعداد الشهداء لا تتوقف عن الزيادة، حيث تقترب من 46 ألف شهيد، إضافة لأكثر من 100 ألف مصاب، وما يزيد عن 11 ألفا من الضحايا تحت ركام البنايات والمنازل، لا يمكن الوصول إليهم بسبب القصف المتكرر للعاملين في الإسعاف والدفاع المدني!

خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي وحده، نفّذ الاحتلال الإسرائيلي 1400 غارة جوية على غزة، بمعدل 45 غارة يوميا، طبقًا لما أعلنه جيش الاحتلال، ليُختتم عام 2024 بمعدل غير مسبوق من الغارات، وإمعان إسرائيلي بإبادة غزة، وضحايا معظمهم من النساء والأطفال، وكأن الاحتلال الإسرائيلي وحلفاءه يقولون للعالم، نقدر صمتكم وإتاحة مزيد من الوقت لإنجاز الإبادة في غزة!

إن أكثر ما في الأمر من خطورة، أن يكون العالم قد اعتاد رؤية المجازر اليومية في فلسطين وغزة، فأصبح إلف العادة -حُجة الخائبين- سيد الموقف، ومن ثم أصبح العالم لا يأبه أن يبذل جهدًا لوقف تلك الانتهاكات التي يندى لها جبين الإنسانية.

تخاذل دوليّ

على الصعيد الدوليّ، شهد عام 2024 العديد من القرارات، التي اصطدمت بـ”الفيتو” الأمريكي، وإن مثلت في جانب منها دعما أخلاقيا وسياسيا، لكن كانت وما زالت بلا أثر، لأنها بلا قوة تنفيذية.

إنه لا قيمة للكلمات والقرارات والخطوات الرمزية في مواجهة الممارسات الإبادية والمجازر الوحشية الإسرائيلية، طالما لا تُحدث تأثيرا ماديا، وتُحمّل الاحتلال الإسرائيلي كلفة ممارساته اللاإنسانية، ولذلك يبدو أن المجتمع الدولي يأخذ تلك الخطوات الرمزية عن وعي وتعمد، وذلك ليرفع عن كاهله اتخاذ إجراءات مادية تحقق أثرا ونتائج على الأرض.

على جانب آخر، كشفت محنة غزة عن تغلغل النفاق في التحالفات الدولية، وحجم الحماية التي توفرها قوى دولية عدة بطريق مباشر وغير مباشر للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما أكد فساد الإطار القانوني الدوليّ وعواره، حيث تستمر مواجهة الممارسات الإسرائيلية بالصمت والإدانات اللفظية، وهو ما يعني سقوط شرعية القانون الدوليّ وانعدام قدرته العملية على حفظ الأمن والسلم الدوليين.

تخاذل عربي

لكن الأشد مرارة على النفوس هو استمرار التخاذل الرسمي العربي والإسلامي في مواجهة المحرقة الصهيونية بحق غزة، بالرغم أن لهيبها عابر إلى دول الجوار، التي تشارك فلسطين وشعبها الحدود والدين والعروبة، فضلًا عن الإنسانية التي أصيبت بالسكتة الدماغية.

لقد تلخصت المواقف العربية والإسلامية بشأن جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق غزة في وصلات من بيانات الشجب والإدانة والاستنكار، وبعض المواقف والكلمات العاطفية، التي لا يتجاوز صداها حدود القاعات المغلقة الصادرة فيها، هكذا طويت صفحات عام مضى!

أقلب الصفحات العربية والإسلامية على مدار عام كامل وما قبله، أقارن بين الأفعال والأقوال، فأجد مؤتمرات وقمما عربية وإسلامية، وأتساءل ومعي كثيرون عما تمخض عنه كل ذلك، فأجدنا ندور في حلقة مفرغة لأقوال متخافتة من الشجب والإدانة والاستنكار، وخطابات صيغت بلغة دبلوماسية حذرة، في الوقت الذي غابت الأفعال خوفا أو استحياء!

أقف كثيرا أمام خطابات عدة، ولا سيما خطاب نائب وزير الخارجية الإندونيسي، محمد أنيس متى، الذي ألقاه في القمة العربية الإسلامية الاستثنائية بالرياض، في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو يقول: “لا معنى لحريتنا إن لم تكن فلسطين حرة مستقلة، فهي عندنا أمانة دستورية، وفريضة إسلامية، وضرورة إنسانية”.

غياب المقاطعة ونمو في التعاون

اختتمت القمة العربية الإسلامية الاستثنائية أعمالها، وشارك فيها أكثر من 50 دولة، وصدر قرار يتكون من 38 بندا، نص البند الأول منها على: تجديد التصدي للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة ولبنان، والعمل على إنهاء تداعياته الإنسانية الكارثية على المدنيين، إلى آخر ما جاء في البند.

أقلب صفحات الأيام منذ ذلك الوقت، أبحث عن أثر للقرارات على الصعيد الإسرائيلي والدولي، فأجد تصاعدا في وتيرة الانتهاكات والمجازر الإسرائيلية، وتوسعا في دائرة التدمير في غزة، وزيادة في تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل كما ونوعا، التي بلغت ما قيمته 22 مليار دولار منذ بداية العدوان على غزة، فضلًا عن المساعدات الأوروبية!

ومن ناحية أخرى، أجدني وغيري من العرب والمسلمين نتلقى صفعة قوية، حيث استمر التعاون مع إسرائيل في مجالات مختلفة، وزاد حجم التجارة العربية والإسلامية معها، على الرغم من دعوات إعادة النظر في العلاقات التجارية مع إسرائيل، بسبب استمرار العدوان على غزة.

لقد شهد عام 2024 غيابا للمقاطعة الرسمية العربية، ونموا في حجم تجارة إسرائيل مع الدول العربية، إضافة إلى 14 دولة إسلامية أعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، مقارنة بعام 2023، قبل العدوان على غزة، حيث بلغت واردات التسع عشرة دولة عربية وإسلامية من إسرائيل ما قيمته 2.3 مليار دولار، وفقًا لبيانات وزارة التجارة الخارجية الإسرائيلية عن التسعة أشهر الأولى من عام 2023!

لن نترك غزة وحدها

من أعماق التاريخ القريب، ومن قلب واقع عايشناه بأنفسنا، يتردد صوت ينادي “لن نترك غزة وحدها”، يبعث الأمل في أن هناك من سينتصر حتما لغزة.

كلمات صداها يتردد، وتتلاقى مع أشواق الجماهير العربية والإسلامية لنصرة إخوانهم في غزة وفلسطين، سبق بها منذ عقود “اللواء أحمد فؤاد صادق باشا”، قائد الجيش المصري، الذي أنقذ غزة وأهلها عام 1948، حيث رفض أن ينسحب بقواته، ويترك نصف مليون فلسطيني في غزة يواجهون الإبادة على يد العصابات الصهيونية.

وفي عام 2012، صدح بها الرئيس المصري السابق، دكتور محمد مرسي، ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبعدها توصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، بعد 8 أيام من العدوان.

واليوم، رغم التربصات وتعقيدات التوازنات الإقليمية والدولية، تتردد مجددا هذه الكلمات على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ففي خضم صمت إقليمي ودولي ما زالت تركيا على المستويين الشعبي والرسمي هي الأعلى صوتا في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وإن كانت الجماهير تتطلع إلى أكثر من ذلك، نظرا لما باتت تمثله تركيا، وما تملكه من أوراق وقدرات، في ظل تخاذل إسلامي وعربي.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان