هل أمريكا قوية.. أرجوك فكر بعمق قبل أن تجيب!

العلم الأمريكي يرفرف وسط هياكل محترقة في كاليفورنيا (الفرنسية)

تستعد وسائل الإعلام لتغطية حفل تنصيب ترامب، وينتظر العالم ماذا سيقول؟ وهو يعود منتصرا إلى البيت الأبيض، ويضع الكثير من السياسيين الواقعيين أيديهم على قلوبهم خوفا من تهديداته وقرارته التي لا يستطيع أحد أن يتوقعها، فهل هناك مجال في هذه الظروف لطرح هذا السؤال الذي يمكن أن يحمل رؤية جديدة لدراسة القوة الأمريكية؟!

يقول صمويل هنتنجتون: إن أمريكا يجب أن تخاف من السقوط حتى تتجنبه، وأنا أرى أن تلك المقولة تبرهن على عبقريته، وأن علماء السياسة الذين يحذرون من مخاطر الانهيار هم الأكثر وطنية، فهم يكشفون نقاط الضعف لدولتهم لكي تصلح ما فسد، والشعوب تتذكر هؤلاء العلماء المخلصين الذين يتحدون الوضع القائم، ويكشفون العيوب والإخفاق والفشل، بينما تميل الشعوب إلى نسيان المنافقين الذين يمدحون الحكام، وينسبون لهم الإنجازات، ويخفون الحقائق.

لذلك ارتفع صوت علماء السياسة الأمريكيين في السنوات الأخيرة ليوضحوا للمجتمع الأمريكي المخاطر، ويحذروا من السقوط.

أمريكا المحطمة رغم قوتها!!

من أهم هؤلاء العلماء ميتشل بيكلي أستاذ العلوم السياسية المشارك بجامعة توفتس ومدير برنامج آسيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، الذي نشر دراسة في مجلة السياسة الخارجية (فورين افيرز) بعنوان “الانتصار الغريب لأمريكا المحطمة”.

يستعرض في دراسته كل مظاهر القوة الأمريكية، فهي تملك الكثير من الأصول مثل الأرض الواسعة التي تحميها المحيطات من مخاطر الغزو الخارجي، وهي قلعة اقتصادية تملك الكثير من الموارد من أهمها قدرتها على جذب المهاجرين الذين يتمتعون بقدرات عالية على الابتكار خاصة في مجال التكنولوجيا، وهي القوة الاقتصادية التي تسيطر على 26% من اقتصاد العالم وإنتاجه، وتسيطر على الأسواق العالمية.

كما تمكنت أمريكا من توسيع تحالفاتها العالمية، وسيطرتها على النظم المالية العالمية، وأسواق الطاقة والتطور التكنولوجي.

كما تزايدت قوة الدولار، مما مكن أمريكا من فرض العقوبات، والتحكم في مصير الدول وتشكيل النظم الحاكمة، وتوسيع تحالفاتها العسكرية لمحاصرة كل القوى المنافسة لها.

بهذا تكون أمريكا القوة التي تسيطر على العالم وتتحكم في اقتصاده وسياسته، فهل يمكن أن يجادل أحد في قوتها، أو يتوقع عاقل انهيارها؟!!

يقدّم ميتشل بيكلي إجابة جديدة يمكن أن تزيد وعي الشعوب، وتفتح المجال لرؤية جديدة تتحدى الواقع الكئيب الذي يقوم على التركيز على القوة المادية التي تستخدم في قهر الشعوب، وتصيب الحكام بالغرور.

يقول بيكلي: إن المظاهر كلها تشير إلى أن أمريكا في حالة فوضى، ويرى أكثر من 70% من شعبها أنها تسير في الاتجاه الخاطئ!!

الرأي العام يقول كلمته!

يستند بيكلي في دراسته على نتائج استطلاعات الرأي العام، التي أوضحت أن 70% من الأمريكيين يرون أن الاقتصاد الأمريكي ليس في حالة جيدة، وأنه يمر بمرحلة سيئة، وأن 20% فقط يثقون في الحكومة، وأن حب الأمريكيين لدولتهم يتلاشى، حيث يرى 38% فقط أن الوطنية مهمة بالنسبة لهم، بعد أن كانت النسبة 70% عام 2000.

كما أن حالة الاستقطاب في “الكونغرس” بلغت ذروتها، وتزايدت التهديدات للسياسيين، وواجه الرئيس ترامب محاولتي اغتيال، وفاز في الانتخابات بالرغم من أن الكثير من الأمريكيين يرون أنه “فاشي”.

كما أن الكثير من الأمريكيين يقارنون بين وضع أمريكا الآن ووضع الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، ويرون أن أمريكا على شفا حرب أهلية!!

ماذا يعني الخلل الوظيفي؟!

يري بيكلي أن أمريكا تعاني خللا وظيفيا، فبالرغم من القوة الاقتصادية يتزايد القلق بسبب التضخم والدين العام، وتلك القوة الظاهرة تخفي الكثير من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى الانهيار، فالولايات المتحدة دولة منقسمة، ويدرك الجميع أنها تتدهور باستمرار، بالرغم من أنها أقوى وأغنى دولة في العالم، ولا يستطيع أحد منافستها.

يتوصل بيكلي إلى نتيجة مهمة هي أن عوامل القوة تحوي الكثير من نقاط الضعف، فهناك فجوة تتسع بين المدن المزدهرة والمجتمعات الريفية التي يتزايد الشعور فيها باليأس والإحباط، وتعاني من التهميش والفقر، ويتزايد فيها معدل الانتحار والجرائم العنيفة خاصة بين الشباب الذين يرحلون باستمرار إلى المدن.

الانقسام يهدد القوة والثروة

بالرغم من أن معدل الفقر هبط في الولايات المتحدة من 26% عام 1967 إلى 10% عام 2023، إلا أن هناك الكثير من مشاعر اليأس والإحباط، فبينما يتزايد الأغنياء ثراء وترفا، يزداد الفقراء جوعا وتشردا، كما يتزايد الظلم الاجتماعي والشعور بالمرارة، لذلك يهدد الانقسام المجتمعي أعمدة القوة والثروة الأمريكية، كما يهدد الديموقراطية.

لذلك يواجه قادة الولايات المتحدة الكثير من التحديات من أهمها كيفية التوفيق بين المتناقضات، وإذا لم يتمكنوا من تحقيق التوازن بين الطموحات والموارد، ويتغلبوا على الانقسام الداخلي، فإن ذلك سيدفع النظام العالمي كله نحو الانهيار.

أزمة الديون وفوائدها!

يشير بيكلي إلى أن الديون تشكل أهم عوامل ضعف الاقتصاد الأمريكي، حيث تجاوز معدل الديون 255% من الناتج القومي الإجمالي، وبلغ الإنفاق الحكومي على فوائد الديون 14% من الناتج القومي سنويا.

لذلك تناقص الإنفاق على الصحة والتعليم، وانخفض مستوي المعيشة بالنسبة لأغلبية الشعب، وهذا يشكل إفلاسا استراتيجيا يهدد استقرار الولايات المتحدة وأمنها، وفي ضوء ذلك يمكن تقييم قوة الولايات المتحدة واستشراف مستقبلها.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان