الشرق الأوسط.. هل يتغير كما تعهد نتنياهو بعد الطوفان؟!

نتنياهو (الفرنسية)

نعم، هناك تغيُّر ملموس، لكن أن تكون إسرائيل هي الفاعل الحصري للتغيير؛ أفكارًا وخططًا وتنفيذًا، فالإجابة: لا.

أمريكا تقف وراء هذا التغيير، وهى تبتعد عمدًا عن الصورة، وتترك حليفها في الواجهة.

إسرائيل مجرد أداة تنفيذ، هي الخادم عند السيد الأمريكي، هي الأصبع الذي يضغط على زناد البندقية، هي الوجه الظاهر للعدوان، وأمريكا الوجه الفعلي القبيح لكل عدوان منذ تأسيس هذا الكيان بوسائل القوة فقط.

ولم يكن للأمريكي أن يدفع الإسرائيلي إلى الواجهة ويتركه للتنفيذ ويطلق عنانه للحروب ما لم يكن لديه القدرة والتسليح والاستعداد والتدريب والمبادأة.

تكسب إسرائيل بالدعم الأمريكي المفتوح طبعًا، لكن لديها عامل مهم هو المجازفة، فهى لا تهاب أحدًا، ليس العدو فقط، بل الصديق والحليف أيضًا.

العرب كلهم عندها أعداء ومستباحون، ليس الفلسطيني وحده، ولا اللبناني واليمني والسوري والعراقي والإيراني وغيرهم، وحتى المصري أول من مد يديه للسلام فإنها لا تراعي العلاقة معه حيث تنتهكها متى كان ذلك لصالح مطامعها.

إسرائيل لا تعشق إلا ذاتها، ولا تخلص إلا لكيانها، ولو حصل تعارض منافع بينها وبين حليفها الأوثق أمريكا فإنها لا تعرف فضلًا، ولا تحفظ عهدًا، ولا تحترم وعدًا.

كيف يتغير الشرق الأوسط؟

نقرأ أولًا هذه التواريخ المرتبطة بأحداث مهمة وقعت في المنطقة:

(1) 27 نوفمبر/تشرين الأول 2024: وافق حزب الله اللبناني على اتفاق وقف النار مع إسرائيل، وأذعن للشروط المعروضة، فالرفض كان يعني استمرار العدوان عليه، وعلى حاضنته الشعبية، ولبنان كله، وخرج الحزب من هذه الجولة بخسائر كبيرة.

(2) 8 ديسمبر/كانون الأول 2024: سقط النظام السوري الوحشي، وهرب بشار الأسد، واستعاد السوريون حريتهم.

(3) 9 يناير/كانون الثاني 2025: انتخاب رئيس جديد للبنان بعد عامين و4 أشهر من شغور المنصب.

(4) 10 يناير 2025: انطلاق مناورة “السائرون إلى القدس” في إيران، لإظهار جاهزية القوات الشاملة لمواجهة أي تهديد محتمل.

والحقيقة، لا أحد يسير باتجاه القدس، لا إيران أو العرب، هي أسماء عاطفية لدغدغة المشاعر الشعبية، والمناورة كاشفة عن القلق الإيراني على منشآتها النووية المهدَّدة من إسرائيل لتعجيز طهران.

ويتعاظم الخطر على النووي الإيراني مع تنصيب ترامب رئيسًا لأمريكا، فهو قد يمنح إسرائيل الإذن لقصف هذه المنشآت.

اختبرت إسرائيل قدرات إيران في الرد عليها بعد اغتيال هنية، فكانت الردود العسكرية بالصواريخ والمسيَّرات غير فاعلة في المرتين، ويسهل اصطيادها وإسقاطها قبل أن تصل إلى سماء هذا الكيان.

(5) سيطرة إسرائيل على قطاع غزة بعد تدميره، وتقطيع أوصاله، وإغلاق معبر رفح، والبقاء في ممر فيلادلفيا يغيّر المعادلات المستقرة مع مصر على غير إرادتها، أو هي تجد نفسها مضطرة للقبول بالواقع الجديد الذي لا تمتلك إزاءه التصرف.

(6) استمرار ضربات إسرائيل العنيفة على الحوثيين في اليمن، بموازاة قصف التحالف الدولي لهم، وتهديدها قادة هذا التنظيم، ردًّا على إطلاقهم الصواريخ عليها، وكما تم إجبار حزب الله على التراجع وإسكات صواريخه، فالقادم يشير إلى حدوث ذلك مع الحوثيين أيضًا.

(7) جبهة العراق هادئة ولا تمثل إزعاجًا لإسرائيل، وحكومة بغداد تمنع أي عمليات من قوات الحشد الشعبي والميليشيات خارج الحدود، والعراق لا يتحمل اهتزاز استقراره الهش بهجوم إسرائيلي عليه.

(8) جبهة غزة هي الوحيدة النشطة، وتمثل استنزافًا مؤلمًا لإسرائيل رغم الخسائر الضخمة التي يتكبدها أهل غزة منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بحيث صارت الحياة عندهم إما الجحيم أو الموت، وسط صمت أو تخاذل العرب والمسلمين والعالم أمام إبادتهم الشنيعة.

إعادة هندسة المنطقة

هذه النقاط تصب كلها أو معظمها لمصلحة إسرائيل، ومِن خلفها أمريكا التي تريد إعادة هندسة المنطقة لمرحلة جديدة من اتفاقات السلام والتطبيع الذي بدأه ترامب في رئاسته السابقة، وعودته إلى الرئاسة تعني استكمال هذا المشروع الذي من خلاله تدخل بقية البلدان العربية حظيرة التطبيع ليكون لإسرائيل الهيمنة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية في الشرق الأوسط.

في أسباب إسقاط نظام الأسد يبرز دور انكسار حزب الله ومواجهات إسرائيل مع إيران ودفعها إلى التقوقع خوفًا على برنامجها النووي، بجانب تورط روسيا في أوكرانيا، وأسهم ذلك في نجاح المعارضة المسلحة في عملية ردع العدوان، وسوريا اليوم أضعف من مواجهة إسرائيل التي احتلت مناطق استراتيجية فيها.

إيران فقدت أهم ورقة استراتيجية لها في المنطقة، وهي سوريا، التي من خلالها كانت تمد حزب الله باحتياجاته العسكرية.

وإجبار الحزب على قبول وقف النار، أضعفه بالداخل اللبناني، لهذا لم يكن بمقدوره مزيد من تعطيل انتخاب الرئيس، وقد تم إنجاز هذا الاستحقاق، وكان لافتًا تأكيد الرئيس الجديد جوزيف عون على حصر السلاح بيد الجيش فقط، ما يعني بدء مرحلة جديدة بشأن سلاح الحزب لتقليصه أو نزعه، وهذا السلاح يجعل الحزب دولة داخل الدولة اللبنانية.

هذان متغيران يؤثران في محور المقاومة الذي بات مستقبله غامضًا، وأظن أن أي ترتيبات جديدة في غزة بعد وقف النار قد لا تسمح بأن تظل حماس كما كانت قبل الطوفان.

التماهي العربي مع التغيير

هل هذا التغيير يجري بمعزل عن النظام الرسمي العربي أو ضد رغبته؟

لا، فالعرب الرسميون ضد المقاومة فكرة وممارسة، وهم متماهون مع الأفكار والخطط الأمريكية للتغيير بالمنطقة، وهم مع ما تُسمى صفقة القرن، وتوسيع التطبيع، وترامب حبيب هذه الأنظمة يتجهز لدخول البيت الأبيض.

رغم هذا، فنحن إزاء منطقة يصعب الاطمئنان طويلًا لانكساراتها أو سكونها، فهى في لحظة تصير بركانًا يغلي، وما دامت فيها شعوب حية تسعى للحرية والكرامة، وحقوق فلسطينية مشروعة لم يحصل عليها أصحابها، فإن إسرائيل وأمريكا لن يَنعما بأي تغيير يخدم مطامع الحلف الشرير، ويدعم الاستبداد.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان