ترامب وعصر الترحيل للفارين من الطغاة والحروب!

قبل توليه منصبه بأيام دشن الرئيس الأمريكي ترامب من منزله الشتوي بولاية فلوريدا، بداية عصر امبراطوري جديد ذي مبادئ وقحة، تبرر احتلال أراضي الغير مع استعداده للتحالف مع الاستبداديين مقابل التخلص من اللاجئين الفارين من الطغاة والحروب إلى دول أكثر تقدما وأمنا.
في خطاب ألقاه الثلاثاء 7 يناير الجاري، أعلن رغبته في إعادة احتلال الولايات المتحدة لقناة بنما وضم جزيرة غرينلاند الدنماركية، ودولة كندا، لــ” أمريكا العظمى”، خشية أن تقع القناة ومسار الملاحة بطريق القطب الشمالي المنتظر، تحت هيمنة الصين وروسيا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمآلات الدولة القومية في الغرب
أزمة الكتابة الدينية في بلادنا
عندما يستسلم العالَم للتطرف
كرر ترامب تهديده بشن حرب شاملة على الشرق الأوسط وحرق غزة على من فيها، إذا لم تطلق حماس ما لديها من أسرى إسرائيليين قبل توليه السلطة (20 يناير). اتخذ ترامب من هجومه على روسيا والصين والمكسيك، بوابة لبدء حرب شاملة على ملايين اللاجئين الذين دخلوا الأراضي الأمريكية منذ سنوات، ومئات الآلاف الذين ينتظرون منذ أشهر على الحدود.
الترحيل القسري
استفزت كلمات ترامب قادة الدول من مؤيديه قبل أعدائه، إذ جاء كلامه معاكسا للتعهدات التي قطعها على نفسه بالتخلص السريع من الحروب سواء بين روسيا وأوكرانيا أو بالشرق الأوسط، وإزالة التوتر العسكري مع الصين. لقد قدم ترامب محفزات لحرب واسعة بمناطق عديدة، على أنها اختيار سياسي، جاء على قمتها، إصراره على طرد 11 مليون لاجئ من بين 15 مليون مهاجر ينتمون لــ 110 دول، يعيشون بأمريكا منذ عقد كامل، لديهم أعمال وعائلات، ولم يحصلوا على الجنسية.
أعطى ترامب ذو الجذور الألمانية، إشارة البدء لكبار مساعديه، لطرد مليون لاجئ قسرا العام الجاري، رغم ارتفاع تكلفة الترحيل إلى 88 مليار دولار، والحاجة إلى زيادة هذا المبلغ سنويا، لإزاحة الباقين.
يريد الرئيس المنتخب، أن يثبت لناخبيه من اليمين المتطرف قدرته على تنفيذ تعهده بأن تكون ” أمريكا العظيمة للأمريكان” دون غيرهم، بما حفز اليمين الأشد تطرفا بأوروبا إلى الدعوة علنا لطرد كل من دخل القارة العجوز خلال السنوات الأخيرة، خاصة من المسلمين العرب: السوريون والمغاربة والفلسطينيون والأتراك وغيرهم من الأفريقيين والأسيويين.
أظهر استطلاع أخير، لمركز” بيو” الأمريكي للأبحاث، أن كل 9 من بين 10 من أنصار ترامب، المسجلين بقوائم الانتخابات، يفضلون الترحيل الجماعي للاجئين الذين يعيشون بأمريكا بطرق غير قانونية. نجح المهوسون بترامب من بينهم نائبه ومسؤولو الهجرة وبرلمانيون، في تعزيز الروح العدائية للمهاجرين، ووقف مشروع قانون بالكونغرس يمنح 11 مليون لاجئ ينتظرون على قوائم الجنسية.
ممرات الهروب الكبير
في رسم بياني لممرات الهجرة الدولة الأكثر زحاما بين تقرير الهجرة العالمية لعام 2024، الصادر منذ أيام، عن المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أن أغلب المهاجرين دخلوا الولايات المتحدة عبر موافقات رسمية، سواء بهدف الدراسة أو نظام القرعة والكفيل للعمل بالشركات الصناعية، التي تحتاج عمالة نادرة، لا تجدها بالسوق المحلي.
تأتي الهجرات لباحثين عن مستوى اقتصادي وتعليمي أفضل من دول كالمكسيك، بواقع 10.9 ملايين شخص، والهند 2.8 مليون والصين 2.2 مليون والفلبين 2.1 مليون نسمة. زاد عدد اللاجئين بالأعوام الأخيرة من الفارين من أنظمتهم العسكرية والاستبدادية والصراع العرقي والطائفي وعصابات المخدرات.
يتجه أغلب الفارين من الحروب والطغاة إلى ملاذات آمنة قريبة منها. ويهاجر العرب بسبب البطالة والفقر وغياب الحريات السياسية والبحث عن فرص تعليمية أفضل، في ظروف عرضت ما لا يقل عن 63 ألف و285 شخصا للموت غرقا، معظمهم أمام شواطئ ليبيا ومصر وتونس وسوريا في البحر المتوسط ثم شواطئ إفريقيا وآسيا، خلال الفترة من 2014 إلى 2023، وفقا لتقارير الأمم المتحدة.
تبين النتائج أن الحروب تدفع بملايين البشر نحو الخروج السريع من الوطن، كما حدث عند هروب 3.7 ملايين أوكراني من أصول روسية إلى روسيا، في اتجاه معاكس لنزوح 3.4 ملايين أوكراني عادوا إلى جذورهم، بما رفع معدلات الهجرة عالميا إلى نحو 281 مليون شخص عام 2023، يمثلون 3.6٪ من سكان العالم.
جنون العظمة
انتقل جنون العظمة لدى ترامب إلى حكومات إيطاليا والمجر وبريطانيا وفرنسا، التي وضعت الحد من الهجرة وإبعاد النازحين على رأس أولوياتها، خلال الفترة المقبلة، متجاوزة الخطوط الحمراء لضحايا الحروب والانقلابات العسكرية التي ارتفعت وتيرتها بالعشرية الأخيرة، بل منهم من يسلم الفارين من الاضطهاد على أساس الخلاف في الرأي السياسي أو العرقي أو الدين إلى الحكومات الفاشية، في تناقض خطير مع المبادئ الديمقراطية التي يروج لها الغرب بقيادة واشنطن.
انتبه كثير من المفكرين والإعلاميين والاقتصاديين إلى خطورة ما يفعله التيار المجنون، وأفردوا صفحات بأهم المجلات والصحف الأمريكية خلال الأسبوع الماضي، يحذرون فيها من فرحة المستبدين، الذين يمرحون تحت قيادة ترامب، لقدرته عل حماية الديكتاتوريين ممن يحاصرون دعاة الديمقراطية بينما يهدد بحرق من يحمون أرضهم وشعوبهم وحرياتهم.
صدرت أهم الأطروحات بمجلة الشؤون الخارجية الأمريكية “فورن أفيرز” بالتزامن مع بيان ترامب، لتضبط حجم التضليل الذي ينشره ترامب والمناهضين للهجرة، والادعاء بأن أمريكا والدول المستقبلة لها تتعرض للغزو.
يظهر الخبراء أن النظام المتداعي الذي بنته أمريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية غير قادر على التعامل مع الاحتياجات الإنسانية والاتجاهات الديموغرافية أو متطلبات سوق العمل اليوم، وأن القيود التي فرضت لن تنجح، في حين تولد سياسات الترحيل القسري والمنع مشاكل اقتصادية هائلة، يدفع ثمنها الأفراد والدول، ويجني ثمارها تجار البشر وشبكات الإجرام والسوق السوداء.
زهرة أمريكا الهشة
الآن يوجد في أمريكا أكثر من 10 ملايين وظيفة تبحث عمن يشغلها، وفي حال ترحيل 11 مليون مهاجر يعملون بكد بأعمال شاقة، ستغرق البلاد في تضخم ناتج عن زيادة تكلفة التشغيل وندرة العرض بالسلع، خاصة أن العمالة الملاحقة، لا يمكن استبدالها بالإنسان الآلي، مما سيدفع التضخم الأمريكي إلى رفع سعر الفائدة ويجرجر الاقتصاد العالمي نحو الركود والحروب التجارية التي يمكن أن تتحول إلى حروب مدمرة. أصبح أكبر 30 اقتصادا عالميا مهدد بالتراجع بسبب ندرة المواليد، التي لا يمكن تعويضها إلا بالعمالة من دول أخرى فقيرة.
أثبتت دعوات ترامب خطورة تهديده باحتلال أراضي الغير وأن الديمقراطية التي جاءت به زهرة هشة لأن راعيها لا يهتم بزراعتها بموطنها، ويدعم طغاة يولدون لدى الملايين دافعا للهجرة كطريقة مثلى لمواجهة الاستبداد بدلا من الصدام مع سلطة غاشمة، وإشعال مزيد من الحروب.