حتى لا ينتصر دعاة الهزيمة

بدماء وتضحيات مذهلة انتصرت قضية فلسطين أمام العالم.
هذا الانتصار ليس محكومًا بالسلاح فقط، بل بنتائج استراتيجية عظيمة سيرسخها الزمن.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأكذوبة ترامب.. “ريفييرا الشرق الأوسط”!
نقابة الصحفيين بمصر: انتخابات الأجر والحرية
معرض القاهرة للكتاب.. بين فخر الماضي وشكوى الحاضر
مع تواتر أنباء الوصول إلى اتفاق ينهي العدوان الصهيوني المتواصل منذ نهاية 2023 تصاعدت أصوات دعاة الهزيمة في وطننا العربي على نحو غير بريء ولا شريف.
يحكمون بانتصار الاحتلال من خلال صور الدمار ويتجاهلون أن هناك نصرًا سياسيًّا واستراتيجيًّا قد تحقق.
كلماتهم تردد صداها على شبكات التواصل الاجتماعي ليؤكد هزيمة المقاومة الفلسطينية، ويعدد الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها غزة.
بخطاب هؤلاء الأسود تنهزم الأمم، وبالاستسلام لمنطقهم في التفكير يعيش الاحتلال آمنًا مطمئنًّا.
فلا تحرير بلا تضحيات مؤلمة، ولا أوطان يمكن أن تصل إلى لحظة الانتصار دون دماء.
تلك حكمة التاريخ مهما بدت قاسية.
نجح الكيان المجرم في تدمير غزة وفي إراقة دماء آلاف الأبرياء.
لكن طوفان الأقصى نجح في وقف قطار التطبيع المهين، وفي كسب أنصار بالملايين لقضية الشعب الفلسطيني في العالم، وفي تأكيد أن الكيان المحتل ليس ملاذًا آمنًا لمن ظنوا أن الأرض قد دانت لهم.
هذه حقائق ليست هيّنة، ولا يمكن تجاهلها وسط خطاب الهزيمة المغرض.
هزيمة التطبيع وتصاعد الدعم الشعبي
أحيت فلسطين قضيتها وحاصرت العدو بدماء أبنائها الطاهرة.
يوم الثلاثاء الماضي أصدر اتحاد الصحفيين العرب بيانًا دعا فيه إلى أوسع تضامن مع الزملاء الصحفيين في فلسطين ولبنان، فضلًا عن مساندة نقابة الصحفيين الفلسطينية في مواجهة العدوان الهمجي.
أحيا الطوفان الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023 كل صور الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني وقضيته، وأعاد فلسطين إلى الواجهة بعد أن ظن العدو وداعموه أنها غابت إلى الأبد.
الصحفيون العرب دعوا في بيانهم إلى التوجه لإقامة دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد مجرمي العدوان الهمجي على الصحفيين الفلسطينيين، وحملوا التنظيمات المهنية الدولية والمنظمات الحقوقية والشرعية الدولية مسؤولية التقصير في حماية الصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين وفي مواجهة الجرائم المقترفة في حق الشعب الفلسطيني.
في دعوة الاتحاد إلى ترسيخ الموقف الثابت بوقف كل صور التطبيع المهني والشخصي والنقابي مع العدو ما يؤكد أن قتل التطبيع في المهد هو أحد المكاسب الكبرى للطوفان.
كسبت فلسطين خطوة جديدة بتأكيد النقابات والمؤسسات السياسية العربية وجود ما يدعو إلى إعادة تأكيد موقفها الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني ورغبتها في المزيد من حصار الكيان المحتل.
منح الطوفان قوة جديدة للرفض الشعبي للتطبيع، وصعبت جرائم جيش الاحتلال الأمر على الحكام وموقفهم المتسامح مع التطبيع ودعاته.
خلال شهور مضت ومنذ بداية طوفان الأقصى بدت مظاهرات العالم الغربي لدعم فلسطين وقضيتها وكأنها أساطير لا يمكن تصديقها.
ملايين من الشباب النبلاء يناضلون من أجل عالم أكثر عدالة وإنسانية، وقد تفجرت احتجاجاتهم في المدن والعواصم الغربية.
انكشاف وجه إسرائيل الحقيقي وسقوط مظلوميتها طوال السنوات الماضية في الذهنية الغربية، يمثّلان انتصارا استراتيجيا عظيما للقضية الفلسطينية.
أصبح من حق الأجيال الفلسطينية القادمة أن تحلم بعالم قادم أكثر انحيازًا لقضيتهم.
فالذين تظاهروا اليوم في شوارع الغرب الأوروبي والأمريكي هم قادة المستقبل غدًا.
إسرائيل ليست ملاذًا آمنًا
في حكايات انتصار الطوفان كان الصوت الصهيوني بنفسه شاهدًا.
في نهاية عام 2024 نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية التي تصدر باللغة الإنجليزية من القدس المحتلة تقريرًا صادمًا.
أرقام التقرير الغريب كشفت أن الكيان المحتل يشهد صورًا من الهجرة الخارجية غير مسبوقة في تاريخه القريب.
الإيحاء الذي رسخه التقرير يقول بوضوح إن إسرائيل لم تعد ملاذًا آمنًا كما كانت من قبل.
انتصار استراتيجي كبير للقضية أكده الطوفان يمكن أن تظهر آثاره مع الزمن.
هذا الأمل في المستقبل سيترسخ وينتعش إذا ما عرفنا أن التقديرات تشير إلى أن نحو 40 ألفًا غادروا الكيان المحتل في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 وحملوا معهم أموالهم وشهاداتهم الأكاديمية ومهاراتهم المهنية، وأحلامهم في الاستقرار في “الأرض الموعودة”.
بيانات التقرير أظهرت أن 39% من المهاجرين عام 2023 كانوا من المناطق الأكثر ثراء في البلاد، بما في ذلك تل أبيب والمنطقة الوسطى، في حين غادر 28% من حيفا والشمال، و15% من الجنوب، ومن القدس 13% من مجموع المهاجرين.
هكذا رسخ الطوفان ما لم يكن ممكنًا من غيره.
لا أمن لاحتلال على أرض محتليه مهما طال الزمن، ومهما بلغت قوته وبطشه.
كيف نحمي ما تحقق
في مقبل الأيام لا مفر من وحدة فلسطينية ترسخ لمعركة طوفان الأقصى وتحمي نتائجها.
تستقر البنادق وتتلاقى الأوجه لتضع خريطة طريق لما هو قادم.
في الحوار الجاد الداخلي أهمية كبرى تحمي فلسطين وتحجم كل المتربصين بالقضية.
وفي حكومة وحدة فلسطينية، وانتخابات نزيهة على رئاسة السلطة تأمين لما هو مقبل، وتهدئة لمن عانوا الكثير طوال الفترة الماضية.
لا يمكن للحرب أن تنتهي بانشقاق فلسطيني من أي نوع، وإلا فالتفريط في نتائج المعركة سيكون مؤكدًا.
في قضية إعادة إعمار غزة تفاصيل أخرى لا تقل أهمية عما ذُكر.
فالاحتلال الذي واصل إجرامه بلا رادع عليه أن يدفع ثمن احتلاله وغطرسته بإجباره عبر المحاكم والمؤسسات الدولية على المشاركة في دفع فاتورة إعادة الإعمار.
معركة تستحق أن يخوضها الجميع مهما كانت نتائجها النهائية.
في المزيد من ملاحقة العدو وكشفه أمام العالم ما قد يكون مفيدًا الآن.
وفي متابعة القضايا التي تنظر فيها المحاكم الدولية تأكيد جديد على انتصار سياسي وقانوني تحقق لا يمكن تركه في مهب الريح.
اتهام الاحتلال بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة، وطلب اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، مكاسب مهمة وأوراق ضغط يجب أن تظل مشهرة.
تنتهي الحرب ويبقى غبار المعارك إلى حين.
وإدارة مرحلة ما بعد الحرب لا تقل أهمية عن التضحيات الكبرى التي قدمها أبناء فلسطين طوال 15 شهرًا مضت.