الشرق الأوسط يستعد على عجل للحقبة الترامبية

(1) لبنان وتغيير المسار
بعد سقوط نظام بشار الأسد بشهر، انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش “جوزيف عون” رئيسًا للبلاد، وبعد أقل من أسبوع تم تكليف القاضي “نواف سلام” لتشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس المنتخب.
وهذا يعد إنجازا بكل المقاييس في بلد استمر فيه الشغور الرئاسي لأكثر من عامين، ولم يكن ليحدث ذلك لولا التغيرات الكبيرة التي طرأت على ساحة القتال في غزة ولبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، وكذلك الرغبة في إصلاح الأمور في لبنان قبل تنصيب ترامب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأزمة الكتابة الدينية في بلادنا
عندما يستسلم العالَم للتطرف
تصعيد غير مسبوق للمعارضة التركية.. لهذه الأسباب!
بعد أن أدى الرئيس المنتخب اليمين الدستورية ألقى كلمة تحدث فيها عن ضرورة تغيير الأداء السياسي في لبنان، وبناء وطن يكون الجميع فيه تحت سقف القانون والقضاء، وشدد على احتكار الدولة للسلاح، وهذا معناه عدم شرعية تسليح (حزب الله).
أرسل “عون” برسائل طمأنة إلى اللبنانيين وكذلك للدول المعنية التي تراقب لبنان عن كثب، لبنان “عون” سيكون مستقل القرار السياسي، ولن ينزلق إلى صراعات ليس طرفا فيها ولن يدفع ثمن ما لم يشتره، ورغم أن الرئيس اللبناني تحدث عن ضرورة إزالة الاحتلال الإسرائيلي عن أراضي بلاده، فهو لم يستخدم كلمة “المقاومة”، ولم يأت على ذكر دورها في ذلك، كان واضحا أن حماية لبنان، من وجهة نظره، تقع على عاتق الجيش اللبناني وحده.
(2) وأخيرا.. التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة
توعد ترامب أنه سيفتح أبواب الجحيم في الشرق الأوسط إذا لم يُفرج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة قبل تنصيبه، ومن جهة أخرى نشر مؤخرا ودون تعليق على منصته “تروث سوشيال” مقطع “فيديو” يظهر فيه الخبير الاقتصادي جيفري ساكس، وهو يوجه انتقادات حادة لنتنياهو متهمًا إياه بالتلاعب بالسياسة الخارجية الأمريكية، وتنظيم “حروب لا تنتهي” في الشرق الأوسط، وتضمن حديثه شتائم نابية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو ما اعتبره البعض إشارة خفية من ترامب بأن دعمه لنتنياهو مشروط بما وعد به في حملته الانتخابية وهو إنهاء الحرب في غزة وعودة الأسرى الإسرائيليين.
وهو ما دفع الجانبين (حماس وإسرائيل) لاتخاذ مواقف إيجابية لإنجاز اتفاق طال انتظاره، وقد أعلن أمس الأربعاء عن إتمام اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين برعاية مصرية قطرية أمريكية على أن يبدأ التنفيذ يوم الأحد المقبل، ويتكون من ثلاث مراحل، الأولى مدتها 6 أسابيع يتم خلالها إطلاق سراح 33 إسرائيليًا محتجزين في غزة مقابل عدد كبير من السجناء الفلسطينيين، وينسحب الجيش الإسرائيلي شرقا من المناطق المأهولة ليعود النازحون، ويتم زيادة دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وتخفض إسرائيل تدريجيًا قواتها في محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر لتستكمل انسحابها خلال 50 يوما، ويقضى الاتفاق بأن يستمر وقف إطلاق النار ما دامت المفاوضات مستمرة.
ولقد أعرب ترامب عن ترحيبه بالاتفاق، ونسب لنفسه الفضل في التوصل إليه قائلا: “هذا الاتفاق الملحمي لوقف إطلاق النار لم يكن ليحدث إلا نتيجة انتصارنا التاريخي في انتخابات الرئاسة، الذي أرسل إشارة للعالم بأسره بأن إدارتي ستسعى لتحقيق السلام والتفاوض على اتفاقيات تضمن سلامة جميع الأميركيين وحلفائنا”، وهذه المرة لا يمكن نكران ادعائه.
(3) اجتماع الرياض لدعم سوريا الموحدة المستقرة
هرب بشار الأسد وترك وراءه بلدا مزقته الحروب والصراعات يقف على حافة الهاوية، وتتصارع على أرضه قوى إقليمية غير عربية تريد أن تمد نفوذها وتستغل موقع سوريا المميز، لتحقيق مصالحها.
الدول العربية تدرك أن مصلحتها أن يعود الأمن والاستقرار إلى سوريا، وأن تصبح دولة تحترم القانون تتسع لجميع طوائف الشعب السوري دون إقصاء أو تمييز، قادرة على حماية حدودها وقرارها السياسي، تحارب الإرهاب منفتحة للتعامل مع الدول العربية كافة والقوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالح الشعب السوري في حياة كريمة، ومن هنا كانت أهمية اجتماع الرياض لتنسيق الجهود العربية والدولية لدعم سوريا، والسعي لرفع العقوبات عنها، والبدء في تقديم الدعم لإعادة إعمارها وتهيئة البيئة المناسبة لعودة ملايين اللاجئين السوريين.
الوضع الإقليمي والدولي يستدعي موقفا عربيا موحدا، وتدارك خطأ ترك سوريا تحت الهيمنة الإيرانية زمن بشار الأسد، وعدم تكرار الأمر مع النفوذ التركي المتزايد والتوغل الإسرائيلي الجريء، فهذا سيكون خطأ استراتيجيًا سيدفع العرب ثمنه غاليا، ويجب تداركه سريعا وبشكل حاسم وجاد، واتخاذ استراتيجية عربية موحدة تجاه سوريا لا تراجع فيها أمام إدارة ترامب.
(4) شراكة إستراتيجية شاملة بين روسيا وإيران
منذ توقيع موسكو وطهران اتفاقية للتعاون بينهما عام 2020، كان هناك حديث عن أن تلك الاتفاقية هي تمهيد لإستراتيجية تعاون شاملة بين البلدين، ولقد طال أمد التفاوض حولها، وفيما يبدو كان هناك مراجعة إيرانية للتأثير السلبي لمثل هذه الإستراتيجية على علاقتها بأمريكا والغرب، وخاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني ورفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية، لكن السقوط السريع لنظام بشار الأسد في سوريا، والضربات الإسرائيلية الأمريكية المشتركة لمحور المقاومة المدعوم إيرانيا جعل من توقيع الاتفاقية الإستراتيجية الممتدة المفعول لعشرين عاما مقبلة في مقدمة أولويات طهران.
روسيا وإيران خسرا بسقوط نظام حليفهم بشار الأسد، وإن كانت خسارة إيران أعمق وأفدح، ومع اقتراب تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب المعروف بعدائه السافر لإيران ورفضه السابق لمفاوضات الملف النووي الإيراني وانسحابه منها، بالإضافة إلى التصريحات الإسرائيلية المتكررة عن ضرورة القضاء على المشروع النووي الإيراني بالكامل وتسديد ضربات قوية رادعة لإيران، لم يعد أمام إيران وقت للتردد والموائمة فهي أمام خطر وجودي، ولقد أصبحت حدودها مكشوفة بعد ضعف القدرات العسكرية لـ(حزب الله) و(حماس).
اعتادت طهران التعايش مع مثل هذه المخاطر منذ نجاح ثورتها عام 1979، ولديها دائما سيناريوهات عدة لمواجهتها، وفي هذا التوقيت البالغ الحساسية تم الإعلان رسميا عن أن زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، يوم الجمعة المقبل، لموسكو سيتخللها توقيع الاتفاقية الروسية الإيرانية، التي وصفها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنها تعطي اهتمامًا كبيرًا لقضايا الدفاع المشترك، وهو بند مهم جدا لإيران في هذا التوقيت يجعل توجيه ضربات عسكرية لها من جانب أمريكا أو إسرائيل بمثابة هجوم مباشر على روسيا، وهو ما يستدعي التفكير مليا قبل القيام به.