إسرائيل لم تنتصر.. وهوليوود حاضرة من طهران إلى غزة

محتج يرفع لافتة تحمل صور 6 من الرهائن الإسرائيليين الذين استعاد الجيش جثثهم من جنوب قطاع غزة، خلال تجمع للعائلات وداعمي الرهائن (الفرنسية)

وكأن التاريخ يعيد نفسه، بعد 44 عامًا، من أزمة الرهائن الأمريكيين الـ52 في طهران عام 1979، حتى أزمة الرهائن الإسرائيليين في غزة عام 2023، الأزمة الأولى استمرت نحو 14 شهرًا ونصف الشهر، من 4 نوفمبر عام 1979، حتى 20 يناير 1981، بعد دقائق معدودة من تنصيب الرئيس رونالد ريجان، خلفًا للرئيس الديمقراطي، جيمي كارتر، الأزمة الثانية استمرت نحو 15 شهرًا ونصف الشهر، بدأت 7 أكتوبر 2023 وسوف تنتهي الأحد المقبل 19 يناير 2025، قبل ساعات قليلة من تنصيب الرئيس دونالد ترامب، خلفًا للرئيس الديمقراطي أيضًا، جو بايدن.

الشواهد تشير إلى أن أفلام هوليوود الأمريكية، تلقي بظلالها على نهايات المشاهد السياسية، حتى وإن اختلفت الزعامات والوجوه، رغم أن الحزب الجمهوري كان حاضرًا في الحالتين، حيث ينتمي كل من ريجان، الممثل السينمائي المشهور، وترامب المغامر العنيد في حلبات المصارعة، وأسواق المال والأعمال، وفرض الإخراج الهوليودي نفسه هذه المرة، على الرغم من الحرائق التي دمرت أستوديوهات السينما الأشهر عالميًا، بمدينة لوس أنجلوس مؤخرًا، وهو ما رأى فيه البعض غضب الطبيعة، جراء الممارسات السياسية والعسكرية الأمريكية حول العالم بشكل عام، وعلى مر التاريخ.

لم تخرج الولايات المتحدة منتصرة من أزمة الرهائن في طهران، بعد 444 يومًا من الشد والجذب، حيث نفذت عملية هوليوودية فاشلة، في 24 إبريل 1980 (عملية مخلب النسر) كانت تستهدف تحرير الرهائن، باستخدام السفن الحربية والطائرات، إلا أنها أسفرت عن مقتل 8 جنود، وإصابة آخرين، وخسارة 4 طائرات، بعد اصطدام مروحية بطائرة نقل، استقال على إثرها سايروس فانس، وزير الخارجية من منصبه، وخضعت الإدارة الأمريكية لوساطة الجزائر التي أسفرت عن اتفاق يقضي بتحرير أرصدة إيران المالية المجمدة لدى الولايات المتحدة، والالتزام بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإلغاء العقوبات، بعد أن سمحت واشنطن للشاه المخلوع، محمد رضا بهلوي باللجوء إلى مصر، حيث كانت تطالب به طهران لمحاكمته.

 

جيوش القتل والدمار

 

على الجانب الآخر، وفي تكرار للمشهد، تحصل إسرائيل على أسراها أو رهائنها هذه المرة، في أعقاب خسائر بشرية بين الجنود والضباط بشكل خاص، تقدر بالآلاف، بخلاف دمار آلاف المعدات الثقيلة، ما بين دبابات ومدرعات وجرافات وعربات عسكرية، ومليارات الخسائر المادية، وهجرة مئات الآلاف من السكان، ما بين الداخل والخارج، ناهيك من الخسائر على المستوى الدولي، من قطع علاقات هنا، وقضايا أمام المحاكم الدولية هناك، ونهاية درامية لأكذوبة الدولة الديمقراطية، التي تحترم القانون وحقوق الإنسان وحرية الرأي، إلا أنه كما جرت العادة، لا يعترف الكيان الصهيوني بخسائره في الحروب عمومًا، إلا بعد عقود عدة، ناهيك من عدم تحقيق أي من أهداف الحرب المعلنة منذ اليوم الأول، وأهمها القضاء على حركة (حماس).

وعلى الرغم من استخدام جيش الكيان أكثر الأسلحة العسكرية الأمريكية تطورًا وفتكًا، في قتل ما يزيد على 60 ألفًا من المواطنين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، بخلاف ما يزيد على 110 آلاف جريح، وعلى الرغم من استخدام هذه الآلة العسكرية في تدمير مقومات الحياة كلها في قطاع غزة، من بنية تحتية ومرافق وخدمات، إلا أنه بحسابات الحروب، لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة وإسرائيل معًا، ومعهم العديد من الدول الأوروبية الداعمة، قد انتصروا في حرب الإبادة الجماعية هذه.

ولأن الحرب كانت على الهواء مباشرة، فقد كانت ممارسات الإبادة كلها على مرأى العالم ومسمعه، الذي اكتشف أنه أمام عصابات مجرمة، احترفت قتل المدنيين، وحرق المستشفيات والمدارس والمنازل، واستهدفت بالدرجة الأولى، مخيمات النازحين وسيارات الإسعاف وفرقها والصحفيين، دون أدنى علاقة لذلك بقواعد الحروب وأخلاقياتها، وهو ما أشعل الغضب الشعبي حول العالم، وفي كلمته مساء الأربعاء حول الاتفاق، قال الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، جو بايدن: إن إسرائيل فعلت ما فعلت بفضل مساعداتنا العسكرية، ودعمنا اللامحدود.

المتابع لـ”السوشيال ميديا” الأمريكية، سوف يكتشف حالة السخط العام، من المواطنين الأمريكيين، على ذلك الدعم العسكري الكبير للكيان الصهيوني، متزامنًا مع كارثة النيران التي تلتهم ولاية كاليفورنيا، وهي الولاية الأكثر دعمًا لإسرائيل، من خلال أموال دافعي الضرائب هناك، في الوقت الذي كشفت فيه المعلومات أيضًا، عن أن هناك -على سبيل المثال- خفضًا كبيرًا في ميزانية إطفاء الحرائق بالولاية، هذا العام والعام الماضي، بخلاف البنود الأخرى، لحساب دعم الكيان، الذي اعتاد منذ إنشائه عام 1948 على المعونات الخارجية، من دول الغرب تحديدًا، ليس من أجل التنمية والاستقرار، بقدر ما هو من أجل الحروب والتوسع على حساب الآخرين.

 

صناعة السينما والسياسة

 

كل المؤشرات تؤكد أن دولة الكيان الصهيوني فيما بعد “طوفان الأقصى”، لن تكون أبدًا كما كانت قبله من الوجوه كلها، على الرغم من التعويل على وصول ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، باعتباره أكثر انحيازًا للاحتلال، وأكثر تشددًا مع الجانب العربي بشكل عام، إلا أن تطورات الأحداث العالمية، شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، بخلاف الأحداث الداخلية في الولايات المتحدة، وفي مقدمتها على ما يبدو المفاجآت المناخية العنيفة، وخسائرها الباهظة، قد تجبر ذلك الوافد الجديد على إعادة ترتيب الأوراق من جديد، خصوصًا في ضوء ذلك الانقلاب الدولي -الشعبي بشكل خاص- في الموقف من الكيان، ومن سلوكه الدموي، عالي التكلفة، على كل المستويات المادية والسياسية والأخلاقية.

المؤكد أن صناعة السينما في الولايات المتحدة، سوف تتراجع كثيرًا، ولسنوات طويلة، جراء ذلك الحريق، وتلك الخسائر، وهو ما يمكن أن تتراجع معه صناعة السياسة هناك أيضًا، جراء ذلك السخط في الداخل، من انتشار عسكري حول العالم لا طائل من ورائه، خصوصًا ما يتعلق منه بذلك الابتزاز الإسرائيلي، من خلال منظمات و”لوبيات” وجمعيات، أصبحت حديث الشارع الأمريكي الآن، خصوصًا بين طلبة الجامعات، بعد أن كشفت أحداث الطوفان، عن أموال بمئات المليارات، تودعها المؤسسات التعليمية الأمريكية، في خدمة الكيان، تحت عناوين استثمار وهمية، خضوعًا لضغوط “اللوبي” الصهيوني.

يبقى تأكيد أهمية موقف الأنظمة السياسية في العالم العربي، خلال الفترة المقبلة بشكل خاص، بأن تكون على مستوى المسؤولية، فيما يتعلق بالحد من التطبيع مع الكيان من جهة، وأيضًا ما يتعلق بدعم القضية الأكثر أهمية لدى المواطن، وهي قضية فلسطين/ القدس / الأقصى، وذلك بإعادة النظر في الموقف الحالي، المريب والمتخاذل، من دعم الشعب الفلسطيني، سياسيًا وماديًا ومعنويًا، وهو الموقف الذي تراجع كثيرًا خلال شهور المواجهة مع الكيان، إلى الحد الذي خرجت فيه أنباء، تتحدث عن انحياز بعض العواصم للكيان، ليس ذلك فقط، بل كان هناك دعم اقتصادي وتجاري علني، يمثل عارًا على الأمة قاطبة، من المحيط إلى الخليج، في مشاهد سجلتها هوليود وبوليوود، وكل ذاكرة (الميديا)، للعرض يومًا ما، باعتبارها فصلًا من فصول العرب البائدة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان