اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وحرب بلا نهاية

نتنياهو وزوجته (رويترز)

حرب بلا نهاية وسلام بلا أمل، هذا هو الحال منذ أن وُجدت إسرائيل في المنطقة.

ومع إعلان التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يتجدد السؤال: هل تضع الحرب أوزارها، وتتوقف الإبادة بحق الفلسطينيين بعد الاتفاق الذي أُعلن في العاصمة القطرية الدوحة؟ سؤال يتمنى الجميع في المنطقة والعالم، باستثناء البعض، أن تكون إجابته وقفًا دائمًا للحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي بدت أنها حرب بلا نهاية.

حرب يراد لها أن تكون بلا نهاية

رغم عدم تحقيق الحرب الإسرائيلية على غزة أيًّا من أهدافها الرئيسية المعلنة، فإنها كانت خادمة لأغراض استراتيجية واقتصادية ونفسية لدى الاحتلال الإسرائيلي وداعميه، فقد بدا مع استمرار الحرب بهذا الشكل أن كسبها ربما لم يعد غاية مطلوبة لذاتها؛ بل هي غطاء لمخططات أوسع من الناحية السياسية والاقتصادية، أصبح معها مقبولًا أن يقنن العنف الحاصل فيها ذاته بذاته، لتكون الحرب بلا نهاية.

هناك من لم يكن يريد وقف الحرب على غزة، التي بلغت أقصى ما يمكن أن تبلغه الحروب من انتهاكات وتجرد من كل معاني الإنسانية، فهؤلاء لهم مآرب وغايات، لا يضمنها إلا ديمومة وجود الحرب، سواء في غزة أو غيرها.

اتفاق لا بد منه

نتنياهو وأعضاء حكومته اليمينيون المتطرفون هم الأكثر رغبة في ألا تقف هذه الحرب لو تُرك الخيار لهم وحدهم، لكن سيف الاضطرار هو ما يدفع نتنياهو مرغمًا إلى تجرُّع “كأس المر”، وقبول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تحت ضغط الحليف الأمريكي، ومع تهافت الخيارات، واستنفاد الحرب على غزة أهدافها.

منذ إعلان الدوحة في 15 من يناير/كانون الثاني التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي يُفترض أن يبدأ سريانه الأحد الموافق 19 من يناير الجاري، لم تتوقف القوات الإسرائيلية، حتى لحظة كتابة هذه السطور، عن شن هجومها على قطاع غزة واستهداف المدنيين، حيث يستشهد ويصاب العشرات يوميًّا، أغلبهم من الأطفال والنساء.

لم يكن الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي يتضمن ثلاث مراحل بالأمر اليسير، لا سيما بالنسبة للوسيطين؛ قطر ومصر، في ظل عراقيل نتنياهو التي لم تتوقف طوال المفاوضات.

وجدير بالذكر أن الدور القطري كان مهمًّا ومؤثرًا في إنجاح هذه المفاوضات والوصل بها إلى عتبة توقيع الاتفاق، إذ تتمتع الدوحة بعلاقات مميزة مع حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.

يؤكد واقع الحال المضي قدمًا في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فلا بديل عنه لاستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.

ولكن في إطار ما يمكن النظر إليه باعتباره مناورة مدفوعة بمراعاة التوازنات داخل إسرائيل، في الوقت الذي تزداد فيه أزمة الائتلاف الحكومي بسبب الاتفاق، فقد حاول نتنياهو أخيرًا وضع عراقيل عبر تأجيل اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) والحكومة المتعلق بإقرار الاتفاق، بذريعة وجود أزمة نتيجة مطالب جديدة لحماس، متهمًا إياها بالتراجع عن أجزاء من الاتفاق، لكن القيادي بالحركة عزت الرشق أكد تمسُّك حماس بالاتفاق، نافيًا مزاعم نتنياهو.

ماذا وراء التحول في الموقف الإسرائيلي؟

لقد كان التحول الكبير في الموقف الإسرائيلي، ولا سيما موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، دافعًا إلى التساؤل عن أسباب الرضوخ بتوقيع الاتفاق، الذي هو الاتفاق نفسه الذي أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن، وسبق أن رفضه نتنياهو بكل تفاصيله في مايو/أيار 2024، علمًا بأن حماس كانت قد وافقت عليه.

يمكن إجمال الأسباب التي دفعت نتنياهو إلى الرضوخ وقبول توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في غزة، والفشل في تحقيق الأهداف الرئيسية المعلنة، رغم الدمار الفادح الذي لحق بقطاع غزة والقدرات التدميرية غير المسبوقة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي.

يضاف إلى ذلك الخسائر الفادحة التي لم يسبق أن تعرَّض لها الاحتلال الإسرائيلي على مدار تاريخه.

وفي تصريح مهم ولافت، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال كلمة له أمام المجلس الأطلسي “حماس تمكنت من تجنيد مقاتلين يكاد عددهم يساوي الذين فقدتهم”، وهذا ما مثّل مؤشرًا خطيرًا لإدارة بايدن التي تدعم إسرائيل على كل الاتجاهات.

لقد مثّل تمكُّن حماس من تجديد قواها البشرية ضربة لأهداف نتنياهو والإدارة الأمريكية الرامية إلى كسر شوكة المقاومة خلال الحرب الوحشية المستمرة على مدار أكثر من 15 شهرًا.

وقف إطلاق النار بين بايدن وترامب

لقد أثارت الموافقة الإسرائيلية السريعة على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعد طلب ترامب تساؤلًا مفاده: إذا كان الرئيس المنتخب يستطيع أن يمارس هذه الضغوط على نتنياهو الذي كان يمثل عائقًا في طريق تحقيق الاتفاق، فلماذا لم يمارسها الرئيس بايدن عليه؟ ربما تكمن الإجابة في أن الأمر كان يتطلب رئيسًا أمريكيًّا يخشاه نتنياهو، وليس رئيسًا يُعَد تجاهله مثار تفاخر لرئيس الوزراء الإسرائيلي.

لا شك أن نتنياهو سيكون في أمسّ الحاجة إلى الرئيس ترامب لمساعدته في تجاوز مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت من المحكمة الجنائية الدولية، ويتطلع إلى تطبيق واشنطن عقوبات على محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بمجرد تولّي ترامب.

إضافة إلى ما سبق، ينتظر نتنياهو وحكومته من إدارة ترامب إلغاء عقوبات أمريكية على مستوطنين متطرفين، وحصول وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش على الموافقة الأمريكية لبدء توسع استيطاني كبير في الضفة الغربية، رغم أن ما سبق يراه البعض في الداخل الإسرائيلي تراجعًا عن الوعود الكبرى التي كانت تنتظرها إسرائيل من ترامب، ومنها ضم الضفة الغربية كلها.

هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار؟

وبعيدًا عن سرد تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإنه ينطوي على بنود قد تؤدي إلى تفجيره قبل أن يبدأ، لا سيما ما يتعلق بتبادل “المخطوفين” والأسرى واستعادة الهدوء المستدام، والمراحل الثلاث، ومفاتيح تبادل الأسرى، والمساعدات الإنسانية، وتحديد اليوم السادس عشر موعدًا أقصى لبدء المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين للاتفاق على شروط تنفيذ المرحلة الثانية، إضافة إلى تسهيل الإمدادات وسفر الجرحى، وانتهاء إلى بند الضامن.

تفاصيل ما سبق وتنفيذها بمثابة حقل ألغام يحيط باتفاق وقف إطلاق النار، وتفجُّر تلك الألغام المحتمل مع سوابق الاتفاقات مع الاحتلال الإسرائيلي هو ما يعني أننا أمام حرب بلا نهاية، وأن المقاومة هي الحل الذي لا سبيل غيره مع محتل لا يشترى سوى الوقت ولا يعرف سبيلًا للسلام.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان