لماذا تخشى واشنطن منصة “تيك توك”؟!

أعلام الصين تغطي شعارا لتطبيق "تيك توك" (رويترز)

غدًا الأحد (19 يناير/كانون الثاني) قد تبدأ إجراءات وقف عمل منصة “تيك توك” في الولايات المتحدة الأمريكية، التي يشترك فيها أكثر من 170 مليون أمريكي!

فقد أيدت المحكمة العليا الأمريكية قانونًا أصدره “الكونغرس” بحظر هذه المنصة، وقالت المحكمة إنه قانون صدر لدواعي الأمن!

ولا شك أن تطبيق “تيك توك” يُعد واحدًا من أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخدامًا على مستوى العالم، فمنذ إطلاقه في عام 2016 استطاع أن يحقق نجاحًا كبيرًا، لا سيما بعد بلوغ ذروة شعبيته عام 2018، حيث تصدر قائمة التطبيقات الأكثر تنزيلًا في الولايات المتحدة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته.

رغم هذا النجاح اللافت، لم يكن طريق “تيك توك” خاليًا من العقبات، إذ واجه التطبيق سلسلة من التحديات القانونية والأمنية في العديد من الدول. اليوم، يجد التطبيق نفسه في خضم أزمة مصيرية في الولايات المتحدة، حيث أعربت الحكومة الأمريكية عن مخاوفها بشأن ارتباط التطبيق بشركة “بايت دانس” الصينية، وإمكانية استغلال الحكومة الصينية للبيانات الضخمة التي يجمعها التطبيق، ما يُنظر إليه كتهديد محتمل للأمن القومي الأمريكي.

تصعيد أمريكي تجاه التطبيق

في الآونة الأخيرة، شددت السلطات الأمريكية الضغوط على الشركة المالكة للتطبيق، مطالبة إياها ببيعه أو مواجهة الحظر الكامل في البلاد، كما دعت الحكومة الأمريكية شركتي “أبل” و”جوجل” إلى إزالة التطبيق من متاجرهما، في خطوة تعكس جدية الموقف الأمريكي في التعامل مع القضية.

تعود جذور الأزمة إلى توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن في إبريل/نيسان الماضي على مشروع قانون يتيح للحكومة الأمريكية اتخاذ إجراءات صارمة ضد “تيك توك”. هذه الأزمة تضع التطبيق أمام خيارين حاسمين: إما الرضوخ لشروط الحكومة الأمريكية أو الانسحاب من السوق الأمريكية، مما يجعل مستقبله غامضًا في ظل التوترات المتزايدة بين واشنطن وبيجين.

تجربة الهند: نموذج سابق

الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي قررت اتخاذ موقف حاسم تجاه “تيك توك”، فقد سبقتها دول أخرى مثل باكستان وإندونيسيا حيث أقدموا على حظر التطبيق لفترات مؤقتة لأسباب تتعلق بالمحتوى، فيما حظرت الهند، التطبيق في 29 يونيو/حزيران 2020، إلى جانب 58 تطبيقًا صينيًا شهيرًا مثل “وي شات” و”كام سكانر”. عقب تصاعد التوترات العسكرية على الحدود بين البلدين في منطقة وادي جالوان. حيث اندلعت مواجهات دامية أسفرت عن سقوط قتلى من الجانبين، حسب ما قالته الهند.

وقد أعادت هذه المواجهة إشعال التوترات التاريخية بين البلدين، وهو الأمر الذي دفع الهند إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية وأمنية صارمة، شملت حظر التطبيقات الصينية كجزء من استراتيجيتها للضغط على الصين وتقليل اعتمادها على الخدمات والمنتجات الصينية، وعلى الرغم من محاولات الشركة المالكة للتطبيق معالجة المخاوف التي أثارتها الحكومة الهندية، إلا أن الهند فرضت الحظر النهائي في يناير/كانون الثاني 2021.

وقد مثّلت هذه الخطوة ضربة قاسية للتطبيق، خاصة أن الهند كانت تضم حينها أكبر قاعدة من مستخدمي “تيك توك” عالميًا.

تجربة الهند تقدم نموذجًا لما يمكن أن يحدث عندما تتصاعد المخاوف الأمنية والسياسية حول التطبيقات الرقمية، وهو ما يجعل الوضع الحالي في الولايات المتحدة مشابهًا إلى حد كبير لذلك السيناريو.

هل الحظر هو الحل؟

يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لحظر تطبيق واحد أن يكون الحل الفعّال لمعالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن؟

في الواقع، قد لا يؤدي الحظر وحده إلى حل جذري لهذه المشكلات، إذ سيلجأ المستخدمون بشكل طبيعي إلى تطبيقات بديلة قد تكون أقل أمانًا أو تفتقر إلى الضوابط اللازمة، مما يجعلهم أكثر عرضة للخطر.

علاوة على ذلك، فإن مثل هذا الحظر قد يفتح الباب أمام مخاطر جديدة، مثل انتشار عمليات الاحتيال واستخدام تطبيقات مشبوهة وغير موثوقة قد تمر دون رقابة، مما يعرض الأفراد والشركات على حد سواء لتهديدات أكبر، لذلك فإن معالجة المخاوف الأمنية عبر استهداف تطبيق واحد في كل مرة ليست فقط غير فعّالة، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

تأثير الحظر على المبدعين

يُعد “تيك توك” منصة للتعبير عن الإبداع والأفكار، كما يمثل للعديد من الشباب مصدر دخل وفرصة لبناء قاعدة جماهيرية واسعة دون الحاجة إلى وسائل إعلام تقليدية مكلفة. أتاح التطبيق لمستخدميه التعبير عن أنفسهم بطرائق جديدة، سواء من خلال محتوى كوميدي، تعليمي، رياضي، صحي أو حتى سياسي.

حظر المنصة سيؤدي إلى خسائر كبيرة لهؤلاء المبدعين، وسيضعهم أمام تحديات البحث عن بدائل قد لا توفر الإمكانيات نفسها أو الجمهور الواسع، كما أن هذه الخطوة قد تُشعر الأجيال الشابة بأن صوتها مُقيّد في عصر يُفترض أن يكون فيه التعبير الرقمي حقًا أساسيًا.

بدلاً من الحظر، يتطلب الأمر نهجًا أكثر شمولية يعتمد على وضع تشريعات وتدابير تعاونية على مستوى الدول، تهدف إلى تعزيز أمان الإنترنت وحماية بيانات المستخدمين بشكل عام، كما يمكن للحكومات العمل مع شركات التكنولوجيا لوضع معايير صارمة لضمان الخصوصية دون اللجوء إلى حظر التطبيقات.

ومع اقتراب موعد اتخاذ القرار بشأن “تيك توك” في الولايات المتحدة، يبقي السؤال الأهم حول مستقبل حرية التعبير في العصر الرقمي. هل سيصبح الأمن القومي مبررًا دائمًا للرقابة على الفضاء الإلكتروني؟ أم أن هناك طرائق أكثر توازنًا لحماية المصالح الوطنية دون المساس بالقيم الديمقراطية التي يفترض أن تكون حجر الزاوية في هذه المجتمعات؟

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان