هل فشلت أمريكا في إدارة الأزمات؟!

طوّرت الجامعات الأمريكية علم إدارة الأزمات، الذي شكل إنجازا يمكن أن يفتح آفاقا جديدة لبناء المستقبل، فكل الدول تواجه أزمات تهدد وجودها ويمكن أن تؤدي إلى انهيارها، لكن الكفاءة في إدارة تلك الأزمات يمكن أن تزيد وحدة الشعب وإبداعه للتوصل إلى حلول جديدة.
ومن أهم الأسس التي يقوم عليها هذا العلم توفير المعلومات الصحيحة، والمعرفة الشاملة للجماهير عن الأزمة، فالشعب الذي يحصل على المعرفة يستطيع مواجهة التحديات، ويتعلم كيف يواجه الأزمات؟
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمآلات الدولة القومية في الغرب
أزمة الكتابة الدينية في بلادنا
عندما يستسلم العالَم للتطرف
لذلك قدّم علماء الإعلام إسهاما متميزا في تطوير هذا العلم عن طريق التخطيط الاستراتيجي للاتصال بالجماهير، ويوشك علم اتصال الأزمات أن يصبح علما مستقلا له نظرياته ومناهجه، ويقوم خبراء هذا العلم بتشكيل الرأي العام خلال الأزمات.
حرية الإعلام وثقة الجماهير
لكن النجاح في الاتصال بالجماهير يحتاج إلى وسائل إعلام حرة تحرص على مصداقيتها، وتحصل على المعلومات من مصادر متعددة ومتنوعة، وتقدم تغطية شاملة للأزمة من مناظير مختلفة، وتدير حولها مناقشة حرة، وتطرح حلولا جديدة، وفي الأزمات تشتد حاجة الناس لحرية الإعلام، حيث تتناقص الثقة في المصادر الرسمية، مما يفتح المجال لأزمات جديدة مقبلة قد تكون أشد خطورة على المجتمع.
إن إدارة الأزمة تعتمد على توفير الحقائق، لذلك تفشل النظم الاستبدادية في إدارة أزماتها، لأنها لا تستطيع تقديم المعلومات التي تكشف الفساد والفشل، وتوجه اللوم إلى المؤامرات الخارجية والداخلية.
هل تقلد الدول الفاشلة؟!!
نتيجة لاهتمامي بعلم إدارة الأزمات من منظور الاتصال والإعلام، حاولت دراسة الإدارة الأمريكية لأزمة الحرائق في لوس أنجلوس، وكيف تقوم وسائل الإعلام الأمريكية بتغطية الحدث الخطر الذي يهدد المركز الثقافي للرأسمالية العالمية؟
وبالرغم من أنه لا يمكن إعداد دراسات علمية عن الحدث الذي ما زال يتطور، إلا أن أهم ما يمكن أن نستنتجه هو أن أمريكا تدير الأزمة بأسلوب لا يختلف كثيرا عن أساليب الدول الاستبدادية الفاشلة، فتحاول إخفاء الحقائق، والتحكم في تدفق المعلومات، وعدم مناقشة أية أفكار جديدة، وأن وسائل الإعلام لم تتمكن حتى الآن من إشباع احتياجات الجماهير لتغطية شاملة للحدث من مناظير مختلفة.
الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي!
من أهم ملامح الفشل في إدارة الأزمة أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المصدر الرئيس الذي تعتمد عليه الجماهير في الحصول على المعلومات، وهذا يشكل أزمة جديدة للمؤسسات الإعلامية الأمريكية.
كانت الأزمة فرصة للصحف وقنوات التليفزيون، لتؤكد أنها الأكثر قدرة على تغطية الحدث، وإدارة المناقشة الحرة حوله، لكن من الواضح حتى الآن أن الفرصة ضاعت.. لماذا؟!!
هل تفتقد وسائل الإعلام الحرية للقيام بوظيفتها في الوفاء بحق الجماهير في المعرفة عن الأزمة؟!! وهل يحتاج العالم إلى مفهوم جديد للحرية؟
بداية سلسلة من الأزمات
إن هذه الأزمة يمكن أن تكون بداية للكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية، التي تؤثر في العالم كله، فهي ليست مجرد كارثة طبيعية، وكان يجب أن تفتح وسائل الإعلام المجال لمناقشة عامة حول الأسس التي تقوم عليها الأيديولوجية الرأسمالية.
في ضوء تلك الأزمة يجب أن تتم مراجعة الأفكار كلها ونقدها، فمن حق الشعوب عندما تواجه الأزمات أن تبحث لنفسها عن طريق جديد، وأن تستمع لكل الآراء، ومن أهم ما يجب أن يدركه الشعب الأمريكي أن غرور القوة هو أهم عوامل الانهيار والسقوط.
إن الاستكبار والاستعلاء منع أمريكا من احترام حقوق الحضارات الأخرى في تقديم رؤيتها للعالم، الذي أصبح في أشد الحاجة لمناظير حضارية تختلف عن الحضارة الغربية المادية.
الرأي العام والعداء لأمريكا
تحليل مضمون الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكشف للشعب الأمريكي أن دولته المغرورة بقوتها ظلمت شعوب العالم، وفرضت عليها حكاما تابعين لها يعملون لتحقيق مصالحها ويفقرون شعوبهم لكي تخضع لها، ويغرقونها في الديون لكي تتحكم فيها.
لذلك كان التعاطف الشعبي مع أمريكا محدودا، حتى في أوروبا المرتبطة بها ثقافيا وحضاريا، وهناك مشاعر معادية لأمريكا تنتشر في العالم كله، وهي تكشف عن غضب الشعوب من السياسات الأمريكية.
ولعل أهم ما كشفته وسائل التواصل الاجتماعي، المقارنة بين التدمير الذي قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي لغزة، وما سببته الحرائق في لوس أنجلوس من دمار، جاء مباشرة بعد تهديد ترامب بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم، إن لم يتم إطلاق الأسرى الإسرائيليين قبل عودته إلى البيت الأبيض.
من حق الشعوب أن تعبّر عن غضبها وسخطها، ودعك من خرافة الشماتة التي يرددها الذين يدعون الإنسانية عندما يتعرض القوي الغاشم لكارثة، ويتناسونها عندما يتعرض المظلومون لكوارث أشد وأقسى، وليس هناك شماتة عندما يوجه العلماء نصائحهم الحكيمة بالتوقف لمراجعة السياسات التي جعلت العداء لأمريكا يتزايد، والنفاق هو الذي يمكن أن يزيد المخاطر التي أصبحت تهدد الدول كلها.
العداء لأمريكا وخرافة الشماتة!
ليس هناك شماتة في تعبير الشعوب عن كراهيتها للظالمين، ويجب أن تقوم أمريكا باستطلاع الرأي العام في دول العالم، ودراسة صورتها في أذهان الشعوب، ومراجعة سياساتها، وإدارة مناقشة حرة في قنوات التليفزيون للآراء المختلفة، فلعل تلك الأزمة تضيء للشعب الأمريكي رؤية الحقائق التي تجعله يراجع سياسات دولته، ويحترم حقوق الشعوب، وبذلك يحول الأزمة إلى فرصة لبناء مستقبله. إن الهدف الرئيس لإدارة الأزمة تجنيب الدولة أزمات مقبلة يمكن أن تكون أشد خطورة، ومن حق الشعب الأمريكي أن تتبنى دولته سياسة جديدة لا تقوم على غرور القوة. هذه نصيحة مخلصة للشعب الأمريكي الذي أتعاطف معه في أزمته.