ورقة إعادة الإعمار.. سوريا وإيجاد الأرضية المشتركة

يقول ألبرت أينشتاين: “الخيال أكثر أهمية من المعرفة، المعرفة محدودة، بينما الخيال يحيط بالعالم”.. وربما الإدارة السياسية في سوريا الآن هي الأكثر فهماً لتلك المقولة، لم لا وهي التي خططت ونفذت حرب تحرير كاملة تكاد تكون غير منطقية طبقاً لحسابات المعرفة المتعلقة بالحروب المعتادة، حيث نجحت بعد 12يوماً فقط في الإطاحة بواحد من أكثر أنظمة العالم سلطوية ودموية، حيث فوجئ العالم والإقليم بانهيار وهروب النظام والجيش والقوات المتحالفة.
ومع انتهاء مرحلة الحرب، واجتياز الإدارة الحالية لتحديات استحقاق الشرعية واكتساب الاعتراف الدولي، بدأت مرحلة السياسة التي لا حرب فيها، وهى التي عبر عنها الشرع قائلاً: “عقل الدولة لابد أن يحضر، لأن عقل الثورة لا يبني دولة، فالثورة صفتها الهيجان والثوران وردود الأفعال، وهي تصلح في إزالة حكم ولا تصلح في بناء حكم “، وبذلك يدشن الرجل عصر انتهاء الجهاد الأصغر وبدء الجهاد الأكبر، فكما قيل؛ “السياسة هي حرب باردة كما أن الحرب هي سياسة ساخنة”، فهل تنجح الإدارة الحالية في السير خارج ما هو متوقع واستثمار ورقة “إعادة الإعمار” من أجل بناء سوريا وفي نفس الوقت إيجاد أرضية مشتركة لتعزيز العلاقات والتحالفات دون أن يؤثر ذلك على استقلال وسيادة ووحدة سوريا.
تحديات عظمى
القاصي والداني يعرف أن أمام سوريا تحديات عظمى، وأن تصريح أحمد الشرع القائد العام للإدارة السورية الجديدة: “عن ضرورة وضع منظور استراتيجي لمواكبة العالم خلال عدة سنوات”، هو خطوة على طريق المليون ميل، حيث تطفو على سطح التحديات عشرات الأسئلة والملاحظات، منها مثلا: هل تنجح إدارة سوريا الجديدة في الاستفادة القصوى من ورقة “إعادة الإعمار” لبناء سوريا الجديدة بالتوازي مع تعزيز العلاقات بدول العالم في ظل موازين القوى الإقليمية والدولية، بحيث تنهض سوريا المدمرة من تحت الركام، وفي نفس الوقت لا تصبح (إعادة الإعمار) محلاً للصراع أو لخسارة بعض القوى؟.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإعادة تدوير القول الغربي!
لماذا سفير لأمريكا في إسرائيل؟!
نادر فرجاني.. تذكر مستحق في أربعينيته
وفي المقابل هل تتجرد القوى الدولية بعض الشيء، ولا تنظر لعملية إعادة الإعمار باعتبارها كعكة اقتصادية لابد من تقاسمها للحصول على أكبر قدر منها؟ كما سبق وحدث من احتدام الصراع على عمليات إعادة الإعمار في العراق وليبيا.
في نفس الوقت هل ينجح المجتمع الدولي والمنظمات الأممية في إعادة ملايين اللاجئين والمهجرين مستثمراً حالة التغيير والاستقرار في سوريا، في ظل توحيد الأطياف وإنهاء الانقسام السياسي والأمني؟، وهل يمكن الحصول على ذلك دون تهيئة مناخ إعادة الإعمار وضخ الاستثمارات وزيادة تدفق المساعدات.
هل المهمة مستحيلة؟
الحقيقة قاسية، والمشهد صادم، والعيش ضيق لولا فجر الحرية وفسحة الأمل، ففي الوقت الذي ينتظر فيه ملايين المهجرين العودة من الخارج والداخل، مازالت الأمهات والأسر يبحثون عن أثر لذويهم في أطلال السجون والمسالخ البشرية والمقابر الجماعية.
وتكتمل مشاهد الفزع التي أخرجها النظام السابق بمناظر المدن والقرى الكاملة التي تحولت إلى ركام منزوع الحديد والخشب، وعلى الرغم من عمل الإدارة المحلية في الحكومة الجديدة منذ يومها الأول على تأسيس قاعدة بيانات واضحة عن حجم الدمار في المحافظات إلا أن المشهد المروع أكبر من الإحاطة به في عدة أسابيع.
وتشير تقديرات المنظمات الأممية إلى أن تكلفة إعمار سوريا تتجاوز 400 مليار دولار، وهذا يشمل إعادة بناء المرافق العامة والبنية التحتية المدمرة والمباني والمدارس والمستشفيات.
عموماً يكفي معرفة أن حجم الدمار في سوريا وصل إلى الحد الذي دفع قائدها الجديد وهو الثوري المحارب إلى ترك سلاحه جانباً وإعلان بناء سوريا وإعمارها على رأس الأولويات حيث قال: حجم الدمار في سوريا يتطلب جهوداً جماعية، والعقلية الثأرية لا تبني دولة، لابد من الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة.
صحيح أن المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، بل على عكس ذلك؛ معظم الأسباب مهيأة لإعادة إعمار سوريا، “وإعادة تموضع البلد الذي أزعج العالم، وإعادة أركان الحضارة إلى مكانها ” حسب تصريحات أحمد الشرع والذي عليه أن يستثمر حالة الاستعداد الدولي لتقديم يد العون رغم بعض التحفظات.
تريث دولي
مازال المجتمع الدولي متريثاً تجاه إعادة إعمار سوريا، وهو حتى الآن يختبر صلابة ومهارة الإدارة السورية الجديدة، ويطمح في استثمار الفرصة لفرض شروطه السياسية، وفي نفس الوقت لا يرغب في سحب يده الممدودة بالسلام مع النظام الواعد الجديد.
لذا فقد تمحورت معظم الوعود الغربية التي تسير على مهل حول السعي إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا.
وهو ما تحدثت بشأنه وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك على هامش اجتماعات الرياض بشأن سوريا: أن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي يجتمعون في 27 يناير الحالي لمناقشة رفع العقوبات، كما أشارت إلى -أن الحكومة الألمانية تقترح على الاتحاد الأوروبي اتباع “نهج ذكي” لدعم الشعب السوري بسرعة بحيث يتوفر المزيد من الكهرباء ويمكن معالجة إعادة الإعمار.
من جهته دائماً ما يؤكد قائد المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع مرة بعد أخرى رفضه مبدأي المحاصصة والفيدرالية في الدولة السورية الجديدة، وهو ما يعني أنه سيتجنب حتماً أى تدفق من مساعدات الإعمار الخارجية على مناطق نفوذ بعينها حتى لا يتم استثمارها لأهداف سياسية ترتبط بالدول المانحة.
في النهاية لا بد أن تنتهز الدول المهتمة بإعادة إعمار سوريا في الشرق والغرب فرصة الاستقرار الأمني والسياسي، وسعى النظام الحالي إلى لم الشمل السوري وتوحيد أطيافه، ولابد أيضاً لدول العالم والمؤسسات التي تسعى للمشاركة في إعادة الإعمار أن تستثمر حالة النقاء الثوري الموجودة لدى الإدارة الحالية، بسوريا إقليمياً، حيث يغيب الفساد السلطوي
كما لا يرتبط النظام القائم بمصالح الحلفاء الاقتصادية كما كان يفعل نظام الأسد، وهو الذي كان يشير دائماً إلى كعكة إعادة الإعمار باعتبارها من نصيب الحلفاء الذين ساندوه ضد معارضيه عسكرياً وأمنياً، وأحياناً أيضاً كان يستثمر تلك الورقة في صورة فرص استثمارية لشركات الدول الحليفة الكبرى مثل الصين والهند وروسيا.