“جنين غراد”.. والفلسطيني المُستباح!
ما هذا السعار لإبادة الجنس الفلسطيني؟

من غزة إلى الضفة، المجازر مستمرة.
نحن أمام حيوانات بشرية بالفعل. لكنهم ليسوا الفلسطينيين كما تفوه بذلك وزير الحرب والإبادة الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأزمة الكتابة الدينية في بلادنا
عندما يستسلم العالَم للتطرف
تصعيد غير مسبوق للمعارضة التركية.. لهذه الأسباب!
الحيوانات البشرية المتوحشة هم القتلة الذين لا عمل لهم غير ارتكاب مذابح ضد الفلسطينيين، مذابح ضد المدنيين بالذات، ضد أطفال ونساء وعجائز، ضد شباب وشابات، ضد عناصر الشرطة والأطباء والممرضين والمسعفين والدفاع المدني والخبازين وكل من يعملون في الخدمات العامة، ضد المشافي والمدارس ومحطات الكهرباء والمياه والصرف، ضد المساجد والكنائس وبيوت العجزة ومنظمات الإغاثة، ضد الأونروا ومنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة والمطبخ المركزي العالمي، ضد كل شيء وأي شيء في غزة والضفة، ضد كل شكل من أشكال الحياة، ضد الحياة نفسها.
السفاحون تفوقوا على الهمج على مدار التاريخ، احتلال ليس كمثله احتلال طوال التاريخ، احتلال للقتل والتدمير والتخريب، احتلال لا يلوّث الأرض التي تطؤها أقدامه وتئن وتضجر منه فقط، إنما يلوّث الهواء والماء والفضاء ويجعل الأشجار تدخل الخريف حتى وإن كانت في عز الربيع.
نحن أمام حالة احتلالية إحلالية استئصالية إجرامية انحطاطية لا مثيل لها من قبل ولن يكون لها مثيل من بعد.
الفلسطيني هو من يواجه الأهوال والجحيم في مواجهة هذا المحتل الفاشي، هو الفلسطيني المستباح الذي يتصدى وحده دون صاحب أو جار أو قريب أو بعيد يعينه على الصمود.
والصمود موجود، لكن تكلفته عظيمة، هذه غزة واجهت أبشع محرقة طوال 471 يوما، ولو عاد النازي إلى الحياة لربما احتقر نفسه لأنه لم يأت بمثل الذي جاء به الصهيوني من وسائل وأساليب وتفانين في استباحة الفلسطيني وتدمير كل مقدراته.
ما هذا السعار لإبادة الجنس الفلسطيني؟
غزة شاهدة على الجريمة الشنعاء، محرقة القرن الواحد والعشرين التي تتضاءل بجانبها محارق القرن العشرين في الحرب العالمية الثانية.
مجازر العامين 2023، و2024، فاقت ما سبقها من مجازر ارتكبها الهمجي منذ بدأ تنفيذ المجازر ضد الفلسطيني لترهيبه وتشريده من قراه ومدنه ليصير لاجئًا في وطنه وخارجه.
اليوم، المجزرة تنتقل من غزة إلى مخيم جنين. مرّ يومان فقط بعد توقف الإبادة في غزة، لينتقل بعدها جيش العدوان إلى الضفة الغربية المحتلة عمليًّا، والحاضنة لسلطة وطنية فلسطينية ضعيفة لاحول لها ولا قوة، ولا مبرر لأن تظل بلا فاعلية أو دور أو وظيفة.
الوحشية الصهيونية تحاصر مخيم جنين منذ الثلاثاء 21 من الشهر الجاري في عملية عدوانية جديدة على هذا المخيم الذي تعرض للأهوال مرات عديدة من قبل، وفي واحدة منها عام 2002 كانت المجازر أخطر وأبشع ما يكون لهذا أطلق الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على المخيم اسم “جنين غراد” تشبيهًا له بمدينة “ستالينغراد” الروسية التي صمدت خلال الحرب العالمية الثانية بعد حصار ألماني مشدد وعنيف طويل لها.
في النهاية سقطت ألمانيا وانهزمت واستسلمت وبقيت ستالينغراد شاهدة على دموية النازية، واليوم فإن جنين بمخيمها ومدينتها وكل ما حولهما، لكثرة الهجمات عليها والحصار والقتل والهدم والدمار فيها؛ أصبحت شاهدة على نازية الصهيونية التي ستزول يومًا ما.
الصهيوني اختبر العرب في غزة طوال 471 يومًا من الاستباحة الممنهجة واطمأن تمامًا إلى أن هناك أمواتًا في العواصم التي صارت قبورًا دُفنت فيها الشهامة والعزة والرجولة.
لم يمد أحد يديه لنجدة غزة، بغض النظر عمن جلب ذلك إلى غزة. لا يطلب أحد تحريك الجيوش للدخول في حرب دفاعًا عن الناس في غزة، وإنما كان الواجب اتخاذ مواقف سياسية ودبلوماسية للتاريخ، مواقف تقول إن الفارس العربي لم يسقط على الأرض، ولم ينكسر سيفه، لكنه للأسف سقط وتهشم سيفه وعجز عن الوقوف على قدميه.
وهذا مخيم جنين يرتقي فيه حتى ساعة كتابة هذا المقال، وفي اليوم الأول للهجمة عليه، 10 شهداء و40 جريحًا، وهناك حصار كامل عليه؛ مما يعني أننا قد نكون أمام مجزرة ممتدة وتجريف مخطط للمخيم ودماء كثيرة قد تسيل من الفلسطيني الذي يُولد ليكون قدره أن يصبح شهيدًا تحت الطلب.
من ينقذ مخيم جنين؟
يستحيل أن يستمر وضع الفلسطينيين هكذا، كلهم دون استثناء على قائمة القتل من السفاحين، كلهم مطلوب استئصالهم حتى لا يبقى أحد منهم.
يقول الإرهاب الصهيوني علنًا إن بقاء طفل فلسطيني واحد على قيد الحياة يعني أنه سيكبر ويحمل البندقية ويواجه.
حصار جنين واقتحامها وإعمال القتل والتخريب هو دأب الصهيوني منذ أن بدأ احتلاله فلسطين، هذا هدف ثابت ودائم طوال قرن من الزمان، إزالة كل فلسطيني، وكل ما يشير إلى فلسطين، محو الذاكرة وشطب التاريخ، محو الواقع والخريطة من أي شاهد على وجود فلسطيني على هذه الأرض منذ ألوف السنين.
لا أحد يمد يده إلى الفلسطيني، فلا سند ولا داعم له إلا الله، ثم روحه التي يبذلها في سبيل الكرامة والشرف والعزة، وعندما تتساوى الحياة مع الموت فليكن موتًا كريمًا عزيزًا يليق بنبل الهدف بالتصدي لأشرس محتل وأعتى قتلة.
ماذا يفعل الفلسطيني؟
مطلوب حالًا وحدة جامعة تشمل كل الشعب الفلسطيني بقواه السياسية والأيديلوجية وفصائله وجماعاته المسلحة وشرائحه وطوائفه الاجتماعية والفئوية والطبقية، برجاله ونسائه وشبابه وشيوخه، في الداخل والخارج، لتمتين وتعضيد لحمة هذا الشعب لكي يستحيل النفاذ إليها للتأثير السلبي فيها.
هذه الوحدة هي الحبل المتين الذي يربط الفلسطينيين جميعًا بعضهم ببعض نحو الهدف والمصير الواحد، وهو التحرير والتخلص من الاحتلال الفاشي عبر سلطة وطنية فلسطينية جديدة مستقلة يقودها مروان البرغوثي -أو من هو مثله في الصلابة والفروسية- إذا قُدر لهذا المناضل العتيد أن يكون ضمن أسرى صفقة التبادل.
الانقسام الفلسطيني يجب أن ينتهي فورًا، والسياسة يجب تعمل بقوة أولًا لأجل السلام والتعايش حتى لا تُلام من أحد، ثم هي من توجه البندقية عندما تستلزم الضرورة الوطنية ذلك دفاعًا أصيلًا وشرعيًّا عن النفس.