تداعيات التوسع الأمريكي بإنتاج النفط على الاقتصادات العربية

من بين العديد من القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمستهل فترته الرئاسية الثانية، كان قرار التوسع بإنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي لتحقيق الرخاء المحلي ومكافحة التضخم، بمبرر أن أسعار الطاقة تؤثر في جوانب الاقتصاد جميعها، ولهذا سيسعى لخفض الأعباء التنظيمية للإنتاج خاصة المتعلقة بالبيئة، حتى أنه انسحب من اتفاقية باريس الخاصة بالبيئة.
ويسعي ترامب لخفض أسعار الطاقة للتيسير على المستهلكين الأمريكيين، رغم أن معدل التضخم بلغ 2.9% بنهاية العام الماضي، لكنه يراه مرتفعا، وما يهمنا في توجه ترامب هو تأثير قراره في المنطقة العربية التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز الطبيعي، كمكون رئيس بصادرات العديد من الدول العربية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحول الإعلام الداعم للمقاومة
إعادة تدوير القول الغربي!
لماذا سفير لأمريكا في إسرائيل؟!
فإذا كانت بيانات صندوق النقد العربي تشير إلى أن صادرات الوقود والمعادن، قد شكلت نسبة 62.9% من الصادرات العربية عام 2023، فقد أشارت بيانات “أوبك” إلى أن الصادرات النفطية قد مثلت نسبة 93.5% من صادرات العراق بالعام نفسه، و89.7% من صادرات الكويت، و84% بليبيا بخلاف الغاز الطبيعي و67% بالسعودية بخلاف البتروكيماويات، و43% بالجزائر بخلاف الغاز الطبيعي.
كما أشارت بيانات صندوق النقد العربي إلى أن الإيرادات البترولية قد مثلت نسبة 57.7% من مجمل إيرادات الموازنات العربية عام 2023، وزاد نصيب الإيرادات البترولية إلى 96.8% من مجمل إيرادات الموازنة الليبية، و92.8% بالعراق، و91% بالكويت، و83% بقطر، و72% بسلطنة عمان، و62% من موازنة السعودية والبحرين، مع الأخذ في الاعتبار أن نفقات الموازنة بالدول البترولية تتطلب حدا أدنى لسعر برميل النفط حتى يتحقق التوازن بالموازنة.
تضرر الدول المصدرة والمستوردة للنفط
ففي عام 2023 كان مطلوبا سعر 108 دولارات للبرميل بالبحرين، و86 دولارًا بالسعودية، و56 دولارًا بالإمارات، ونظرا لبلوغ متوسط سعر خام دبي خلال العام 82 دولارًا للبرميل فقد انعكس ذلك على أداء الموازنات بتلك الدول، حيث حققت الجزائر عجزا بموازنتها بنسبة 18.8%، والبحرين 4.4%، والكويت 3.1%، والسعودية عجزا بنسبة 2%، بينما حققت الإمارات فائضا بنسبة 6.3%، وقطر فائضا بنسبة 5.2%.
ونظرا لحاجة البحرين لسعر برميل 97 دولارًا بالعام الماضي حتى تتوازن موازنتها و80 دولارًا بالسعودية، فمن المتوقع تكرار العجز بموازنة البحرين وغيرها بالعام الماضي، مع بلوغ متوسط خام دبي 79.7 دولارًا للبرميل.
ولا يقتصر الأثر السلبي لانخفاض سعر النفط والغاز في تلك الدول العربية المنتجة، بل يتعداه إلى الدول العربية الأخرى، حيت ينعكس أثر انخفاض الإيرادات البترولية في التشغيل بالداخل، وبالتالي في تحويلات الوافدين بها إلى بلدانهم الأصلية، وكذلك في الاستثمارات التي تقوم بها الدول البترولية بالدول العربية الأخرى، وعلى معدلات إنفاقهم السياحي عند زياراتهم لتلك الدول العربية الأخرى.
ومن الطبيعي أن يقول البعض إن انخفاض سعر النفط والغاز المتوقع مستقبلا نتيجة قرارات ترامب، سيصب في صالح الدول المستوردة للنفط كمصر والأردن والمغرب والسودان ولبنان وسوريا، وهو أمر صحيح، لكن بعض تلك الدول مصدرة للنفط كمصر، وبالتالي ستتأثر قيمة صادراتها النفطية أيضا، كما أن على تلك الدول المستوردة للنفط أن توازن بين الفوائض التي ستحقق لها نتيجة انخفاض سعر النفط المرتقب، وبين النقص بموارد العملات الأجنبية المرتب على انخفاض تحويلات العمالة التابعة لها بالدول الخليجية.
وها هي بيانات الربع الثالث من عام 2024 لموارد تحويلات العاملين بالخارج بمصر، التي بلغت 8.3 مليارات دولار بالأشهر الثلاثة، بينما بلغت قيمة وارداتها من النفط والغاز 5.4 مليارات دولار بالفترة نفسها، وتكرر تلك المقارنة بالدول التي تعتمد على تحويلات العمالة بشكل كبير كالأردن والسودان وتونس والمغرب واليمن وسوريا ولبنان.
عوامل معاكسة لتحقيق رغبة ترامب
وحتى لا نتسبب في انزعاج الوافدين العرب العاملين بدول الخليج، فإن استجابة الأسواق لتراجع أسعار النفط والغاز الطبيعي بعد التوجه الأمريكي لزيادة إنتاجهما مرهونة بعدد من العوامل، منها أن البحث والتنقيب عن حقول جديدة يستغرق بعض الوقت، كذلك تحتاج مرحلة تطوير الحقول للإنتاج لوقت آخر، كما يتوقع رفع العديد من القضايا بالمحاكم الأمريكية خاصة فيما يخص الآثار السلبية للتوسع بإنتاج النفط والغاز على البيئة، أيضا تأثير العقوبات الأمريكية الأخيرة على النفط الروسي التي نجم عنها تحسن أسعار النفط.
كذلك توجه مجموعة “أوبك بلس” التي تضم أكثر من 20 دولة منتجة للنفط للتقليص الاختياري للإنتاج للحفاظ على السعر، كما يتوقع البعض قيام الولايات المتحدة بتوقيع عقوبات على النفط الإيراني والفنزويلي، وهذا أيضا من شأنه تقليص الإنتاج، كما يعول البعض على توقعات صندوق النقد الدولي بتراجع معدل النمو بالصين -المستورد الأكبر للنفط بالعالم- بالعام الحالي إلى 4.6% مقابل 4.8% بالعام الماضي، مما سيقلل طلبها على النفط.
تساؤل آخر رئيس حول قدرة ترامب على التأثير في أسعار النفط والغاز الطبيعي بالأسواق العالمية، وهو ما يتطلب التعرف إلى وضعية الولايات المتحدة بتجارة كل منهما من خلال بيانات “أوبك” الخاصة بعام 2023، ففي إنتاج خام النفط احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى بنحو 12.927 مليون برميل يوميًا، تمثل نسبة 17.5% من الإنتاج العالمي للخام، الأمر الذي مكنها من احتلال المركز الثالث دوليا بصادرات الخام بكمية 4.1 ملايين برميل يوميًا، كما احتلت المركز الأول دوليا بصادرات المشتقات بنصيب 19.6% من العالم.
لكن الإنتاج المحلي للخام الأمريكي لا يكفي استهلاكها المحلي البالغ 20.4 مليون برميل يوميًا، ولهذا فقد احتلت المركز الثاني دوليا بواردات الخام بقيمة 6.5 ملايين برميل يوميًا، بخلاف واردات مشتقات 2 مليون برميل يوميًا، ومن هنا كان إصرار ترامب لزيادة إنتاج النفط محليا خاصة مع وجود احتياطي منه بلغ 47.7 مليار برميل.
أما بالغاز الطبيعي فقد بلغ الإنتاج الأمريكي المسوق 1.073 تريليون متر مكعب، بينما بلغ حجم الطلب المحلي على الغاز 926 مليار متر مكعب، الأمر أتاح لها تصدير 215 مليار متر مكعب محتلة المركز الأول دوليا بتصدير الغاز بنصيب 15.6% من الصادرات الدولية، لكنها استفادت من رخص الغاز الكندي الواصل إليها عبر خطوط أنابيب باستيراد كميات كبيرة منه، ساعدتها على تصدير كميات أكبر خاصة لأوروبا كي تحل محل الغاز الروسي الذي قللت أوروبا من استيراده.
وهكذا تحتاج الولايات المتحدة لخفض الأسعار لوسائل مساعدة بجانب التوسع بإنتاج النفط والغاز، منها تحجيم دور مجموعة “أوبك بلس” في تقليص الإنتاج، والاستمرار في التغاضي عن صادرات فنزويلا من النفط، والضغط على الدول ذات الطاقة الإنتاجية الفائضة لزيادة الإنتاج.