حتمية الدولة الفلسطينية.. ومستقبل الكيان

لا ينبغي أن نغفل استقبال ترامب بالبيت الأبيض للحاخام اليهودي أهارون تيتلبوم

ترامب ونتنياهو (غيتي)

قبل ساعات من مغادرة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في إدارة الرئيس السابق جو بايدن منصبه، أقر بأن حركة حماس الفلسطينية، أصبحت أمرًا واقعًا في قطاع غزة، ويصعب استئصالها أو حتى هزيمتها، بل على العكس، استطاعت تجنيد بدلاء لمن فقدتهم خلال الحرب، وهو المعنى نفسه الذي أكدته الصحف الأمريكية والإسرائيلية معًا، خلال الأيام الماضية، في أعقاب الاتفاق على وقف إطلاق النار، خصوصًا بعد الظهور اللافت لعناصر المقاومة في شوارع مدينة غزة، خلال عملية تسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث للصليب الأحمر الدولي، تمهيدًا لتسليمهن للكيان.

تصريح بلينكن وتحليلات الإعلام الأمريكي، تتلاقى مع رؤية الرئيس دونالد ترامب، الذي حرص على الضغط باتجاه إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق، للسبب نفسه، وهو تنامي قدرات المقاومة، على الرغم من أنه لم يعلن ذلك صراحة، ذلك أن كل المعطيات والتقارير تؤكد أن إسرائيل دخلت حرب استنزاف طويلة الأمد، استدرجتها إليها حركات المقاومة، وفي مقدمتها حماس بالطبع، وهو ما ذهب إليه ديفيد برنيع، رئيس جهاز الموساد، الذي أكد أن اتفاقية وقف القتال صعبة جدًّا على الإسرائيليين، إلا أنه يجب مراعاة أن الجيش أصبح في وضع لا يسمح باستمرار الحرب.

حديث ترامب المتكرر عن السلام بالمنطقة، وآخره ما ذكره في خطاب التنصيب عن نيته وقف الحروب في العالم، يقطع الطريق على الحكومة المتطرفة في إسرائيل بإشعال المنطقة من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤكد أن هناك تحولًا في نظرته وتعامله مع القضية الفلسطينية، ربما لأسباب تتعلق بالانتخابات ولقاءاته مع الجاليات الإسلامية، والحصول على معظم أصواتهم، وربما خضوعًا للرأي العام الأمريكي الذي كان في غالبيته على النقيض من موقف بايدن الداعم بالسلاح لممارسات الإبادة الإسرائيلية، وربما بسبب فهم أكبر لجوانب القضية، بعد أن لاكتها التحليلات طوال شهور الحرب، وربما للتفرغ للعمل في محاور أخرى يراها أكثر أهمية.

ولا ينبغي أن نغفل أبدًا ذلك الاستقبال من ترامب بالبيت الأبيض قبل ثلاثة أيام من التنصيب، للحاخام اليهودي أهارون تيتلبوم، زعيم حركة ساتمار الحسيدية المناهضة للصهيونية ولإسرائيل، والتي لا تؤيد وجود دولة يهودية من حيث المبدأ، معتبرة أن ذلك كفر بالتوراة، وهو اللقاء الذي أغضب أوساطًا إسرائيلية، قالت إنها المرة الأولى التي يدعو فيها رئيس أمريكي في منصبه زعيما حسيديا إلى اجتماع رسمي، على الرغم من أن وسائل الإعلام الأمريكية ذكرت أن الاستقبال جاء في إطار شكر الحاخام على دعم طائفته لترامب في الانتخابات.

فشل كل المؤامرات

بالعودة إلى المواقف الرسمية قبل بدء الأحداث في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين 2023، سوف نكتشف تحولًا خطيرا وكبيرًا في تلك المواقف، على المستوى الدولي عمومًا، وعلى المستوى الأمريكي والإسرائيلي بشكل خاص، وحتى على المستوى العربي، ذلك أن المخطط الأمريكي/ الغربي، كان يقضي بترحيل سكان القطاع إلى دول أوروبية وغير أوروبية، وهو ما حدا بالولايات المتحدة إلى نصب ميناء عائم، كان يستهدف بشكل خاص نقل الفلسطينيين إلى قبرص في مرحلة أولى، قبل ترحيلهم إلى أقطار أخرى، إلا أن هذا المخطط فشل فشلًا ذريعًا، ولم تصمد الخطة عدة أيام، على الرغم مما أنفق على تشييد الميناء، الذي لم يستمر كذلك.

على الصعيد الإسرائيلي، كانت الخطة معلنة، على لسان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، وهي القضاء على حماس، وإقامة مستعمرات من جديد بالقطاع، وتوطين الإسرائيليين هناك، وفصل الشمال عن الجنوب من خلال محور نتساريم بعرض سبعة كيلومترات، حتى أصبحت مناقشات (اليوم التالي لما بعد حماس) حديث الإعلام الإسرائيلي، وحديث الساسة، بل حديث الإعلام الغربي والساسة أيضا، في الوقت الذي تحدث فيه يو آف غالانت وزير جيش الكيان وقت بدء الحرب، عن الفلسطينيين باعتبارهم “حيوانات بشرية” سوف نعمل على استئصالهم، وبالفعل وجدنا أنفسنا أمام حرب إبادة، لا تبقي ولا تذر.

على الصعيد العربي، بدا واضحًا تخلي الأنظمة العربية في معظمها عن القضية الفلسطينية، وخرجت تسريبات نقلًا عن مسؤولين أمريكيين وغربيين يجوبون المنطقة، بأن موقف بعض الأنظمة مساند لإسرائيل، خشية انتصار المقاومة الفلسطينية، لأسباب عديدة، كما كشفت الأنباء عن صادرات مختلفة من بعض العواصم العربية تصل إلى إسرائيل بشكل يومي، من خلال خط بري وآخر جوي، إلى غير ذلك من الأنباء، التي كانت صادمة في بداية الأمر، إلى أن شاهدنا ذلك الحصار العربي بالدرجة الأولى، على الشعب الفلسطيني في القطاع.

 تحولات جذرية في المواقف

الآن، مع نهاية الحرب، أصبحنا أمام تحول جذري في المواقف -كل المواقف- حتى في إسرائيل، التي تفاوضت مع المقاومة بطريق غير مباشر، عن طريق العاصمة القطرية، وفي الولايات المتحدة أصبحت الإدارة الجديدة تتحدث عن السلام كأولوية، وفي الغرب أيضا، بعد أن عاش أيامًا عصيبة جراء المظاهرات الحاشدة احتجاجا على الممارسات الإسرائيلية، وفي المحاكم الدولية التي أدانت الكيان، خصوصًا المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت قرارها باعتقال كل من نتنياهو وغالانت، في الوقت الذي أصبح فيه العسكريون الإسرائيليون بشكل عام، جنودًا وضباطًا، مطلوبين في العديد من عواصم العالم، بتهم عديدة، في مقدمتها ارتكاب جرائم حرب.

كل الشواهد، وبلا منازع أصبحت تصب في صالح، ضرورة الحل، وذلك بإنشاء الدولة الفلسطينية، التي أصبحت أقرب من أي وقت مضى، بعد أن فرض الفلسطينيون على العالم احترام قضيتهم، وإعادة النظر في الموقف منها، خصوصًا بعد عملية طوفان الأقصى، التي جاءت في توقيت حاسم، حيث كانت القضية قد توارت تمامًا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أكد الشعب الفلسطيني بتضحياته، أنه لن يستسلم إلى أن يحقق هدف إزاحة الاحتلال، وإقامة الدولة، على الرغم من ذلك الموقف العربي المخزي، الذي آثر الصمت بشكل عام، في مواجهة العدوان، على الرغم مما يشكله كيان الاحتلال من خطر داهم على المنطقة كلها.

وتبقى الملاحظة الجديرة بالإشارة، وهي المتعلقة بمستقبل كيان الاحتلال في وجود الدولة الفلسطينية المستقلة، أو حتى في عدم وجودها، وهو السؤال الذي يؤرق المجتمع الإسرائيلي ليل نهار، خصوصًا بعد عملية الطوفان، يقينًا منهم بأن الكيان ما هو إلا نبت شيطاني بالمنطقة، سوف يتبخر بمجرد رفع الغطاء الأمريكي الغربي عنه، بعد أن أصبح يمثل عبئًا كبيرا على كل المستويات، السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو أمر لم يعد مستبعدًا في ضوء تطورات الأحداث العالمية، بين عشية وضحاها، حتى لو كانت أحداثًا مناخية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان