من «هند» إلى نتنياهو: سنلاحقكم

لم يكن الجنود، الذين تباهوا بنشر فيديوهات توثق جرائمهم في القطاع، يدركون أنها ستكون سببا في ملاحقتهم

الطفلة الفلسطينية هند رجب البالغة من العمر 6 سنوات قتلت بدم بارد (منصات التواصل)

 

على مدار 15 شهرا من حرب الإبادة في غزة، لم يكن مئات الجنود، الذين عمدوا إلى التباهي بنشر “فيديوهات” توثق جرائمهم في القطاع، يدركون أنها ستكون سببا في ملاحقتهم في دول العالم كافة.

الجنود الصهاينة باتوا عرضة للاعتقال، بعد أن نجح الصحفيون والإعلاميون الفلسطينيون، بدورهم، في تقديم سردية مختلفة عما قدمتها وسائل الإعلام الكبرى مثل “البي بي سي”، و”سي إن إن”، التي تخلت عن مهنيتها وانحازت للاحتلال.

وعلى سبيل المثال، يظهر “الفيلم” الوثائقي لقناة الجزيرة بعنوان “غزة”، ببراعة، كيف ينتهك “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، القوانين الدولية ويجرد الشعب الفلسطيني من إنسانيته.

ويستخدم “الفيلم” مجموعة شاملة من الصور الصادمة، ويعد وثيقة إدانة لجيش “غير محترف” ارتكب جرائم ضد الإنسانية، بدعم من زعماء العالم الرئيسيين.

امسك.. صهيوني

وحاليا، تكرس مؤسسات حقوقية، أبرزها مؤسسة “هند رجب”، مدعومة برأي عام عالمي متعاطف مع الفلسطينيين، جل جهدها لملاحقة جنود إسرائيليين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

هذه المؤسسات، تلقت جهودها دفعة كبيرة للأمام، بعدما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب”.

ويعني القرار، الذي يحسب بدوره لعملية “طوفان الأقصى”، أن الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 124 دولة ملزمة باعتقال نتنياهو وغالانت، إذا وطأت أقدامهما أراضيها.

“هند”.. صوت الضمير

من منا لا يتذكر مشهد مقتل الطفلة هند رجب، الذي نقلته شاشات التلفاز، بنيران دبابات الاحتلال؟

هذا المشهد، الذي حبس أنفاس أصحاب الضمائر، ما زال صداه يتردد حتى اليوم، وبسببه بات جنود جيش الاحتلال من تايلاند شرقًا إلى الأرجنتين غربًا، مرورا بالسويد والبرازيل تحت تهديد الاعتقال.

وهند، فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 6 سنوات من حي تل الهوى في مدينة غزة قُتلت على يد الجيش الإسرائيلي، بعد أن كانت الناجية الوحيدة من نيران الدبابات الإسرائيلية على السيارة، التي هربت فيها مع 6 من أقاربها.

وكان الهلال الأحمر الفلسطيني نشر تسجيلا صوتيا، يسمع فيه صوت شقيقتها الطفلة “ليان” وهي تحاول إخبار خدمات الإسعاف بما يدور حولها، وتقول: “عمو قاعدين يطخوا علينا، الدبابة جنبنا، إحنا بالسيارة وجنبنا الدبابة”.

وفي وقت لاحق، وبعد 12 يومًا من انقطاع الاتصال بطاقم الهلال الأحمر، الذي هرع لنجدتهم عُثر، يوم 10 فبراير/شباط 2023، على جثامين الشهداء الطفلة هند، وخمسة من أفراد عائلتها واثنين من المسعفين.

حاصر حصارك

أصبحت قضية، هند، ملهمة لتأسيس منظمة حقوقية، تحمل اسمها تحاصر الجنود الإسرائيليين وتلاحقهم، كما حاصروها وقتلوها، وحاصروا وقتلوا آلاف الفلسطينيين غيرها.

ونجحت المؤسسة في التقدم بشكوى ضد أكثر من 1000 جندي إسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة مدعومة بأكثر من 8 آلاف دليل من الأدلة القابلة للتحقق، تثبت تورط الجنود المباشر في ارتكاب الفظائع.

ورصد تقرير نشرته هيئة البث العبرية، ارتفاعًا في محاولات ملاحقة جنود جيش الاحتلال قضائيًا في الخارج، خصوصا في جنوب إفريقيا، وسريلانكا، وبلجيكا، وفرنسا، والبرازيل، منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي الأشهر الأخيرة، سُجّلت حالات عدة لجنود كانوا على وشك الاعتقال قبل تحذيرهم من قبل الجيش الإسرائيلي بوجوب مغادرة البلدان التي كانوا فيها قبل اعتقالهم، بعد تقديم شكاوى من مؤسسات محلية إلى القضاء في تلك الدول لاعتقالهم بتهمة ارتكاب جرائم في غزة.

ويذكر أن محكمة برازيلية قد أصدرت أمرا عاجلا للشرطة بتوقيف أحد جنود الجيش الإسرائيلي، والتحقيق معه بتهم تتعلق بارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة، وذلك بناء على شكوى جنائية تقدمت بها منظمة فلسطينية حقوقية.

كما قدمت مجموعة مكونة 620 محاميا تشيليا دعوى ضد الجندي الإسرائيلي سار هيرشورين، من الكتيبة 749 المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حرب الإبادة على غزة، الموجود حاليا على أراضي تشيلي.

دليلك.. لتجنب الاعتقال

وسعى جيش الاحتلال إلى حماية جنوده بالطرائق كلها، فأصدر قائد أركان جيش الاحتلال قرارًا بإخفاء هوية الضباط والجنود المرتبطين بعمليات قتالية في قطاع غزة خوفًا من ملاحقتهم قضائيًا في الخارج.

وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن القرار يشمل آلاف الجنود والضباط من رتبة عقيد فأدنى، الذين يحظر نشر تفاصيل خدمتهم العسكرية ومنهم قادة كتائب وألوية.

وينص القرار على القيام بعملية فحص دقيقة لصور الجنود والضباط في ميادين القتال، وعدم نشر صور لوجوههم خوفا من ملاحقتهم.

ويسري القانون على طياري سلاح الجو الذين يحظر نشر وجوههم على بقية الوحدات القتالية.

كما أصدرت وسائل إعلام عبرية، دليلًا إرشاديًا لتجنب الاعتقال في الدول الأجنبية، وهو دليل وصفه ناشطون بأنه “دليل للإفلات من العقاب”.

هجوم.. وتهديدات

واعتبرت إسرائيل أن مؤسسة “هند رجب” هي الجهة العالمية المسؤولة عن تنظيم عمليات الملاحقة القضائية للجنود والضباط المشاركين في حرب الإبادة.

ورغم أن المنظمة لم تحقق، حتى الآن، أي نجاح في اعتقال جنود إسرائيليين بسبب تهريبهم وترحيلهم قبل القبض عليهم، لكن نشاطها يُثير قلقا لدى وزارتي الخارجية والعدل الإسرائيليتين.

وكان مؤسس المنظمة، دياب أبو جهجه، وهو كاتب وناشط لبناني مقيم في بلجيكا، قد تلقى تهديدًا علنيًّا من وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، إذ حذره قائلًا “انتبه لجهازك البيجر”.

في إشارة إلى موجة انفجارات البيجر، التي نفذتها إسرائيل في لبنان خلال سبتمبر/أيلول الماضي، فضلًا عن التحريض الإعلامي ضده في الصحف الإسرائيلية.

وقبل أيام، نجحت الضغوط الإسرائيلية في إلغاء مشاركة هارون رضا المحامي بالمؤسسة في مؤتمر الشبكة الأوروبية الفلسطينية المنعقد في الدنمارك، بسبب ما نشرته الصحافة الإسرائيلية عن وجود صلات مزعومة بين مؤسسة “هند رجب” وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين.

لكن مؤسس المنظمة يؤكد تصميمه على مواصلة العمل في ملاحقة الجنود الإسرائيليين المتنقلين في الخارج، مهما كان الثمن.

جو.. إبادة

غير أن عار غزة، لن يلاحق قادة الكيان الصهيوني وجنوده فقط، بل سيطارد أيضا بايدن الرئيس الأمريكي السابق.

وقضى بايدن معظم حياته، وهو يحاول تحقيق حلمه بأن يصبح رئيسًا للولايات المتحدة.

لقد نجح، وعندما خرج من المكتب، كانت يداه ملطختين بالدماء، من دوره الرئيس في قيادة واشنطن إلى الحرب على العراق في عام 2003 إلى دعمه المخلص للإبادة الجماعية في غزة.

وكان بايدن، الداعم الثابت للدولة العبرية، الذي قدّم لها أسلحة بمليارات الدولارات منذ هجوم السابع أكتوبر/تشرين الأول 2023، هدفا متواصلا للجناح اليساري للحزب الديمقراطي والناخبين الأمريكيين المسلمين والعرب.

وقال “مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية” في بيان لاذع إنه “يدين بايدن لعدم توظيفه النفوذ الأمريكي للوصول لاتفاق منذ أشهر، مما تسبب في آلاف القتلى من دون سبب”.

والمؤكد، أن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وغزوها للبنان، وازدراءها العنصري، جعلتها الآن دولة منبوذة على المستوى الدولي.

ولكن مواصلة حصارها، ومنع المجرمين الصهاينة من الإفلات من العقاب، يحتاج دوما إلى قوة تحميه، ومن هنا تظهر أهمية مؤسسات مثل “هند رجب”.. فألف تحية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان