الرأي العام الإسلامي وقوة خطاب أبي عبيدة: مؤشرات المستقبل

نحيت رسالة الماجستير التي كنت أقوم بمراجعتها جانبا، وجلست أتابع قناة الجزيرة

مشهد تسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث (رويترز)

هناك مشاهد تثير خيال الأحرار لاكتشاف مصادر جديدة لقوة الأمة يمكن توظيفها في بناء المستقبل، لذلك نحيت رسالة الماجستير التي كنت أقوم بمراجعتها جانبا، وجلست أتابع قناة الجزيرة، فكل شيء في الحياة يمكن تأجيله إلا متابعة ذلك المشهد، وأعتقد أن هناك عشرات الملايين من المسلمين فعلوا مثلي، وتابعوا المشهد على قناة الجزيرة عبر أجهزة التليفزيون، وليس عبر شاشات هواتفهم المحمولة.

حاولت أن أطلق العنان لمشاعري الإنسانية، وأنا أكتب هذا المقال، فمن حق الكاتب أن يستريح قليلا من التحليل السياسي، واستخدام مناهج البحث وأدواته، ومن تحكيم العقل، ومن حق قرائه عليه أن يعيش مثلهم، وينزل من برجه البعيد الذي ينظر منه إلى الواقع، وأنا رفضت من البداية الحياة في ذلك البرج، فأنا إنسان أنتمي لأمة بنت حضارة عظيمة عندما طبقت مبادئها في الواقع، وصنعت بها التاريخ، لكن تلك قصة أخرى يمكن أن نرويها إذا أعطانا الله عمرا نرجو أن يكون في طاعته.

الفرسان يخرجون من الأنقاض!

ثراء المشهد دفعني إلى التحكم في عواطفي ومشاعري الإنسانية، لأقدم لكم بعض الدلالات المهمة التي يمكن أن نرى المستقبل في ضوئها، فمن بين ركام المنازل التي دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، خرج فرسان المقاومة، ليسلموا ثلاث أسيرات بصحة جيدة يحملن هدايا المقاومة إلى مندوب الصليب الأحمر، الذي طلبوا منه أن يوقّع على وثيقة التسلم، والشعب الفلسطيني يحيط بأبطال المقاومة، ويهتف لها، ويفخر بسلوكها، بينما ركزت “الكاميرا” على وجوه مجموعة من الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة.

ولا أعتقد أن خيال مخرجي السينما والتليفزيون في هوليود يمكن أن يتمكنوا من إنتاج هذا المشهد الواقعي الخيالي الثوري حتى لو أنفقوا المليارات، بينما حصلت عليه قناة الجزيرة مجانا، وهذا يؤكد صحة ما كنت أدرّسه لطلابي في كليات وأقسام الإعلام العربية عن الأحداث المفاجئة، وأن عليهم أن يستعدوا لتغطية أحداث خطرة سوف تشهدها منطقتنا خلال الأعوام المقبلة.

إنه بالفعل صراع حضارات!

من بين ركام المنازل التي يدمرها الطواغيت المغرورون بقوتهم الغاشمة سيخرج المقاتلون من أجل حرية الأرض والإنسان، ليعيدوا بناء الحضارة الإسلامية التي ينعم في ظلها البشر بالعدل، والمقاومة الإسلامية في غزة تبرهن على هذه الحقيقة، والجماهير التي التفت حول المقاتلين تتطلع لتحقيق الحلم، لذلك عبّرت عن حبها ومساندتها لأبطالها رغم التضحيات التي قدمتها، والآلام التي عانتها.

دولة الاحتلال الإسرائيلي تدرك جيدا أنها انهزمت في المعركة الحضارية الأخلاقية قبل أن تنهزم في المعركة العسكرية، التي يمكن أن تستمر لسنوات مقبلة. الدليل على ذلك أن حكومة “النتن ياهو” أعلنت رفضها لتكرار مشهد تبادل الأسرى، كما حرصت على نقل الأسيرات الفلسطينيات إلى بيوتهن دون السماح للشعب باستقبالهن، ويرجع ذلك إلى الخوف من انكشاف الحقائق عن تعذيب الأسيرات الفلسطينيات، كدليل على وحشية السجان الإسرائيلي وقسوته وانتهاكه للقيم الحضارية والإنسانية.

كما أن الشعوب العربية تشعر بالامتنان لـ(حماس) على تحرير الأسيرات، فهذا تعبير عن كل ما اختزنته الشخصية العربية الحضارية من شهامة وكرم أصل وإنسانية، واعتقد أن (حماس) كانت تدرك هذا المعنى عندما أصرت على تحرير الأسيرات والأطفال.

هل ينطلق الرأي العام الإسلامي؟!

انتظرت مثل ملايين المسلمين خطاب أبي عبيدة، وكان أهم ما تضمنه الخطاب أن هناك الملايين الذين أرسلوا إلى (حماس) يطلبون الانضمام إلى كتائب عز الدين القسام، وأنا –أستاذ الرأي العام– أرصد الكثير من المؤشرات التي تبرهن على صحة كلام أبي عبيدة.

وليت أمريكا تستخدم مراكزها البحثية لإجراء استطلاعات رأي عام، فهذا يمكن أن يساعدها على بناء علاقة جديدة مع العالم العربي، وأن تتخلي عن غرورها ومساندتها للاحتلال الإسرائيلي، والبحث عن بدائل للصدام.

يرى محللون إسرائيليون أن (حماس) تمكنت من تجنيد أعداد من المقاتلين تزيد على الذين استشهدوا، وهذا صحيح، لكن كيف تمكنت من ذلك؟ هناك الآلاف من الفلسطينيين في غزة الذين ينتظرون دورهم، ويتطلعون للجهاد والاستشهاد، وكان الشباب الذين ظهروا في المشهد يبتسمون، ويهتفون للمقاومة يحلمون باليوم الذي سيأتي حتما للمشاركة في الحصول على مجد المقاومة.

طليعة أمة عظيمة

هؤلاء الشباب يشكلون المخزون الاستراتيجي لـ(حماس)، ومن المؤكد أنها تقوم بدورها في إعدادهم ثقافيا في غزة التي تحولت إلى جامعة كبرى يتعلم فيها الشباب علوم بناء الحضارة وتحرير الأرض والإنسان، وصياغة الحلم والرؤية والأهداف، وكيف يصبحون قادة للمستقبل، فإن كان فرسان المقاومة برزوا من تحت ركام المنازل المدمرة، فسيخرج غدا هذا الجيل الجديد من المأساة والألم، ليبنوا المستقبل.

وهناك مخزون استراتيجي آخر لـ(حماس) يتمثل في ملايين الشباب الذين يتطلعون بشوق للانضمام لكتائب القسام، ولعل النظم الاستبدادية تسهم في زيادة وعيه عندما تحرمه من كل حقوقه، وتقهر إرادته، وتزيد مأساته، وتضغط عليه حتى ينفجر غضبه، فيتحول إلى طوفان لن تتمكن القوة الغاشمة من مواجهته.

هناك الكثير من المؤشرات على أن الملايين من الشباب في العالم يتطلعون للانضمام إلى كتائب القسام، والمشاركة في تحرير فلسطين، وسوف يفرضون إرادتهم قريبا رغم أنف أمريكا وأتباعها، وهناك مؤشرات على أن رأيا عاما إسلاميا عالميا يتشكل يرفض الظلم والقهر والخضوع للاحتلال والاستبداد، لذلك أتحدى النظم الاستبدادية أن تسمح لنا باستطلاع الرأي العام بأساليب علمية، وهناك الكثير من المعاني الكامنة في المشهد وفي النفوس التي تشتاق للتعبير الحر عن إرادتها.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان