المشهد الذي أرق إسرائيل وتداعيات وقف إطلاق النار في غزة!

أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة (حماس)
أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس (تلغرام)

تؤكد التجارب عبر التاريخ -قديما وحديثا- أن القوة مهما بلغت من جبروت، فإنها لا يمكن أن تحقق نصرا في مواجهة إرادة أصحاب الحق.

وعلى مدار التاريخ، تؤكد نتائج الحروب أن الحرب ليست مجرد سلاح في مواجهة سلاح، وإنما هي “إرادة وعقيدة” في مواجهة “إرادة وعقيدة”، ويصبح فيها المنتصر من يتمكن من شل إرادة الخصم، وتحطيم رغبته في القتال وتحصيل النصر، وكم من قوى عظمى واجهت شعوبا حرة؟ وانتهى بها الأمر إلى تجرع كأس الهزيمة وجر أذيال الخيبة في نهاية المطاف.

نموذج فريد في صراع الإرادات

سيذكر التاريخ أن “طوفان الأقصى” كانت معركة من أهم معارك الأمة ضد الاستعمار في العصر الحديث.

في غزة، قدمت المقاومة ومعها الشعب الفلسطيني نموذجا فريدا في صراع الإرادات سيخلده التاريخ، في مواجهة حرب تشنها إسرائيل ومعها تحالف قوى دولية كبرى تدعمها، وتزودها بأعتى أنواع الأسلحة الفتاكة، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وأستراليا، وقائمة أخرى من دول أوروبية تبيع الأسلحة لإسرائيل.

وليس من المبالغة القول بأن مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة تُعد من الأساطير التي ستُروى حكاياتها بفخر عبر الأجيال. لقد كانت الحسابات العسكرية تؤكد استحالة استمرار المقاومة والصمود في ظل اختلال مهول في موازين القوى، حيث إن المواجهة بين المقاومة والاحتلال غير متكافئة على صعيد القدرات العسكرية وأخلاقيات القتال.

لقد شنت إسرائيل حربها على غزة باعتبارها حربا وجودية، وذلك لاستعادة الردع الذي أطاح به “طوفان الأقصى”، لا سيما أن إسرائيل بنت فكرتها على أنها تستطيع بما لديها من القوة العسكرية إخضاع العرب والفلسطينيين، وجلب الجميع إلى طاولة المفاوضات والتطبيع معهم، لكن “طوفان الأقصى” وصمود المقاومة أثبتا أن الفلسطينيين لا يمكن إخضاعهم بالقوة.

ومن ناحية أخرى، فقد أكدت الحرب في غزة أن إسرائيل انهارت أخلاقيا على المستوى الدولي، وجرت معها الولايات المتحدة، التي كانت شريكا كاملا في تلك الحرب الوحشية.

إضافة إلى ذلك، فقد وجهت الحرب في غزة ضربة قاضية لفكرة معاداة السامية التي اقتاتت عليها إسرائيل وحلفاؤها لعقود، حيث بلغ الصلف والغرور بالاحتلال وداعميه أن اتهموا كل من استنكر الإبادة في غزة بأنه معادٍ للسامية!

رسائل مشهد تسليم الأسيرات

صورة تحكي ألف كلمة، في اليوم الأول من سريان اتفاق إطلاق النار وتسليم الأسيرات، فقد كان المشهد على أرض الواقع محملا برسائل عديدة ويُخبر بالكثير.

وجاء خطاب “أبو عبيدة”، الناطق باسم كتائب القسام، الذي يُعد الخطاب الثلاثين له منذ بداية الطوفان، ليعكس وجها من وجوه انتصار المقاومة وفشلًا واضحا للاحتلال.

لقد لخصت كلمة “أبو عبيدة” المعركة، وجاءت مشبعة بنبرة الانتصار، خاصة بعد الفشل الذي واجهه جيش الاحتلال الإسرائيلي في شمال غزة التي خاض فيها معركة أخيرة، سُميت بـ”خطة الجنرالات”، في محاولة لإخضاع المقاومة والإجهاز عليها، لكنه فشل فشلًا ذريعا في ذلك، واضطر للذهاب إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

من ساحة السرايا في قلب غزة، حمل مشهد تسليم الأسيرات الثلاث رسائل عابرة للحدود، قصفت جدران الحصار المطبق على الوعي الإسرائيلي، وأحدثت هزة عنيفة في الداخل الإسرائيلي.

لقد أثار مشهد المقاتلين والجماهير في ساحة السرايا نقاشا حادا في الداخل المحتل، واعترافا بأن اتفاق وقف إطلاق النار وإن أدى إلى استعادة الأسيرات الثلاث، غير أنه وبإجماع في الداخل الإسرائيلي مثّل هزيمة سياسية لنتنياهو، وذلك لأن أحد الأهداف الرئيسة للعدوان على غزة والمتمثل في القضاء على حركة (حماس) سياسيا لم يتحقق منه شيء، حيث بدا واضحا أن المقاومة ما زالت تتمتع بحاضنتها الشعبية في غزة.

لقد أكد اتفاق وقف إطلاق النار والصورة التي بدت عليها قوات (حماس) أثناء تسليم الأسيرات أن هدف القضاء على المقاومة غير قابل للتحقيق بالأدوات العسكرية والقوة العنيفة، وهو ما يعني إخفاقا سياسيا لنتنياهو وحكومته، له انعكاساته على المجتمع الإسرائيلي، التي ستؤدي حتما إلى تشكل واقع جديد.

آفاق وقف إطلاق النار وتداعياته بعد تنصيب ترامب

يبدو أن العامل الحاسم في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة كان يتمثل في “تأثير ترامب”، ورغم تغيير الإدارة فقد بدا واضحا أن إبرام الاتفاق يشكل أولوية لواشنطن.

بعد تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإن هناك تخوفات من خرق حكومة نتنياهو للاتفاق، لكن الأمر سيتوقف في جانب كبير منه على مدى الضغوط التي يمكن أن تمارسها واشنطن لمنع ذلك، لا سيما أن الرئيس ترامب يطمح إلى التطبيع بين الرياض وتل أبيب، وتمثل عودة العمليات العسكرية لغزة عائقا حيال ذلك.

ومما يجب الإشارة إليه، أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بالنسبة لإسرائيل، يمثل وقفا مؤقتا للعمليات العسكرية، ومن ثم فليس مستبعدا أن تغير الحكومة الإسرائيلية من تكتيكها، وذلك بالانتقال من الحرب الشاملة إلى نظام الغارات الجوية وعمليات الاغتيال.

ومن ناحية أخرى، من الواضح أن إدارة الرئيس ترامب ستحاول العمل على ألا يكون وقف إطلاق مساعدا في إعادة (حماس) تعزيز نفوذها في غزة، ومن ثم فهي تدفع نحو تأسيس إدارة مؤقتة تحقق الاستقرار المدني في غزة، ولضمان عدم استعادة (حماس) لنفوذها.

يعتمد المضي قدما في تحقيق مراحل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة على مدى استعداد إدارة ترامب لتحقيق ذلك، ووقف الحرب بشكل كامل.

لا تريد واشنطن أن تستعيد (حماس) قوتها من جديد، وما يترتب عليه من عودة الأوضاع لما كان قائما قبل “طوفان الأقصى”، لذلك يبدو الخيار الأقل سوءا من وجهة نظر واشنطن، هو في عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة.

ختاما

وبعيدا عن جدليات عقيمة حول النصر والهزيمة، فإن المشهد الذي نقلته “الكاميرات” من ساحة السرايا، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، أطاح بكل ادعاءات إسرائيل حول الحرب وأهدافها، وطرح سؤالا ما زال يتردد في إسرائيل، هو: ماذا كان يفعل الجيش الإسرائيلي في غزة؟

تشير تقارير أمنية غربية إلى أن في غزة ما يزيد عن 18 ألف طفل يتيم جراء الحرب الأخيرة وحدها، هؤلاء بعد عقد من الزمن أو أكثر سيشكلون نواة “جيش تحرير” سيكون أشد بأسا وقوة في مواجهة المحتل.

صراع الإرادات هو الذي يحدد مسار المشهد، فقد فشلت إسرائيل في القضاء على (حماس) والمقاومة، وفشلت في تهجير أهل غزة، واليوم تدفع ثمنا غاليا.

إن المعركة مع الاحتلال معركة نقاط وليست معركة ضربة قاضية، فعلى مدار تاريخ الصراع، يتناقص رصيد الاحتلال، وتصب النقاط وتتراكم لمصلحة القضية الفلسطينية.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان