المسلمون الصينيون بين مطرقة “ترامب” وسندان “شي”
تحولات ترامب جاءت بعد اتصال بدأه نظيره الصيني شي شينبنغ، قبيل تنصيبه بساعات،

بعد أسابيع من ترقب العالم وبخاصة الصين لوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أن العلاقات بين العملاقين أخذت منحى أكثر رحابة وثقة في المستقبل.
بعيدا عن التشنج اللفظي الذي شنه ترامب قبل وصوله للسلطة، ضد الصين سببت في تحولها -بنظر الأمريكيين- من صديق حميم إلى عدو محتمل، فقد انتهى خطر تصعيد التنافس التجاري إلى صدام عسكري مدمر.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعندما يستسلم العالَم للتطرف
تصعيد غير مسبوق للمعارضة التركية.. لهذه الأسباب!
حرب الذكاء الاصطناعي
تراجع ترامب عن فرض جمارك باهظة على المنتجات الصينية، سبق أن حددها بنحو 60٪ على الأقل، فإذا به يقرها بحدود 10٪ فقط، قبلتها بيجين، فرفعت قيمة اليوان والأسهم الصينية، وجددت الأمل بتحسن الاقتصاد المتراجع منذ أعوام.
اختفت النبرة المتشائمة بالإعلام الصيني بعودة ترامب، فأصبح كُتاب السلطة يبشرون بأن” القوتين العظميين يمكن أن تصبحا شريكتين وصديقتين تزدهرا معا وتفيدان البلدين والعالم”.
تحولات ترامب جاءت بعد اتصال بدأه نظيره الصيني شي شينبنغ، قبيل تنصيبه بساعات، لم يهتم ترامب خلاله إلا بالحديث عن تفاهمات تجارية لإقناع بيجين بقبول المزيد من الواردات الأمريكية، ووقف تدفق “الفانتانيل” المستخدم بصناعة المخدرات، ومستقبل تطبيق ” تيك توك”، المحظور من قبل المحكمة العليا في ضوء شراكة أمريكية- صينية.
تحالف الأخوة الأعداء
يبدو أن ترامب لا يريد حربا تجارية واسعة، في وقت يخطط لرفع الجمارك مع حلفائه بالاتحاد الأوروبي، وجيرانه (كندا والمكسيك)، وفرض إتاوات عسكرية على أعضاء حلف (الناتو). فلم تكن الصين مستهدفة بقائمة القرارات الرئاسية، التي وقعها ترامب بمجرد وصوله إلى كرسي الحكم، إلا فيما يخص المهاجرين الذين يتدفقون منها إلى الأراضي الأمريكية سنويا.
قرر”ترامب” طرد 11 مليون مهاجر كدفعة أولى خلال 3 سنوات، من بينهم أكثر من 250 ألف صيني، دخلوا الولايات المتحدة منذ سنوات، وبعضهم ما زال عالقا على الحدود أو في طريقه إلى الولايات المتحدة.
شهدت معدلات الهروب من الصين ارتفاعا خلال السنوات العشر الماضية، من المسلمين وجماعة “الفالون جونغ” والمسيحيين والبوذيين، فزادت من 190 ألف حالة سنويا بالفترة من 2000 – 2010 إلى 310 آلاف حالة عامي 2021 و2022، مدفوعة بالاضطهاد الديني والعرقي وتراجع الاقتصاد، إضافة إلى بحث الأسر المتوسطة جيدة التعليم والخبرات التكنولوجية، عن فرص أفضل لتعليم أبنائهم والعمل المستقر وأجواء الحرية.
خفض ترامب خلال فترته الأولى، سقف قبول اللاجئين الفارين من الصين لأسباب دينية وسياسية، من 85 ألف في عهد أوباما إلى 15 ألف لاجئ سنويا عام 2020. ارتفع معدل قبول اللاجئين الصينيين خلال فترة الرئيس بايدن بنسبة 55٪، وفقا لتقديرات مجلة فورن بوليسي الأمريكية، التي أشارت إلى زيادة أعدادهم، من 64 ألف لاجئ خلال فترة ترامب الأولى، لتصل إلى 125 ألف لاجئ عام 2024، بسبب تصاعد فرار المسيحيين، الذين يحصلون على دعم قوي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
يسلك الفارون المسلمون عادة ممرات صعبة وطويلة للهروب إلى الدول المجاورة للصين ومنها للعيش بتركيا وأستراليا أو أوروبا والولايات المتحدة، بينما باقي الفئات تعبر المحيط الهادئ على طريق” دارين غاب” شديد المخاطر، الذي تديره مافيا دولية تحصل على نحو 20 ألف دولار مقابل تهريب البشر، بين غابات كولومبيا وبنما بأمريكا الوسطى، مرورا بالمكسيك فالحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
بين غدر الديمقراطيين والجمهوريين
أنشأ ترامب الأسبوع الماضي، إدارة فيدرالية لديها 100 مليار دولار والقضاة والجيش، مهمتها ملاحقة المهاجرين بالمدارس والملاجئ العامة والكنائس، وطردهم مع المقيمين بالقرب من الحدود، ووقف دخول الذين حصلوا على تأشيرة، دخول رسمية ومنعهم من ركوب الطائرات المتجه لدولته. أضرت القرارات بالمسلمين الإيغور الذين غدر بهم الحزب الديمقراطي، بمنعه السلطات عام 2024، منح اللاجئين الذين وصلوا أمريكا البطاقة الخضراء.
أثرت قرارات ترامب سلبا على المسلمين، الذين وقعوا ضحايا للتوافق بين بيجين وواشنطن، بعد سنوات قضاها الإيغور قاطنو منطقة شينجيانغ (تركستان الشرقية) هربا من الاضطهاد في وطنهم. أصبح هؤلاء بين فكي رحى، الملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية الصينية، والسياسات الأمريكية، التي ظلت تحميهم لسنوات بقوانين خاصة من “التطهير العرقي” الذي يمارسه الحزب الشيوعي ضد 22 مليون مسلم صيني من الإيغور ذوي الأصول التركية، ومن “الهوي” الذين ترجع أصولهم إلى قومية “الهان” المشكلة لــ 90٪ من الشعب الصيني. تحول المسلمون إلى ” أشرار” في نظر رجال ترامب، بينما هم مسجلون على “قوائم الإرهاب” التي ترفعها السلطات الصينية بوجه كل مسلم، يصلي أو يحفظ القرآن أو له لحية، ولا يمارس الدين على طريقة الحزب الشيوعي الماركسي.
خلقت القرارات قلقا ضد المهاجرين الشرعيين وكذلك لمن يصعب عليهم إثبات اضطهادهم وما زالت إقامتهم غير شرعية. فالأمر يبدو قاتلا لهؤلاء إذا عادوا للصين أو شردوا بأنحاء المعمورة، لاسيما أن الصين أبرمت نحو 40 اتفاقية أمنية، مع دول عربية وأسيوية تدفعها إلى تسليم الفارين للخارج. تدير الصين عشرات المراكز الأمنية، تعمل من داخل سفاراتها، في أوروبا والولايات المتحدة وحول العالم، لخطف المعارضين. كما وظفت قوتها الاقتصادية لاسترداد آلاف الهاربين من شينجيانغ، منذ عام 2017، وحكمت على بعضهم بالإعدام أو السجن لسنوات طويلة، مع وضع مليونين من أهلهم بمعسكرات” إعادة التأهيل”، لضمان تعديل أفكارهم ودينهم، وفقا للرؤية الشيوعية.
في دائرة الخطر
تروي “نيويورك تايمز” بملحق خاص مؤخرا، تجارب الفارين من الاضطراب السياسي والفقر الذي أصاب عشرات البلدان العربية والإفريقية، الذين ينامون بملاجئ عشوائية بجزيرة “راندال” وأماكن بعيدة عن أنظار السلطة، ممن يتسللون إلى مدينة نيويورك للعمل كعمال نظافة أو باعة جائلين بمحطات المترو، بدون تصريح مقابل أجور زهيدة، توفر لهم بالكاد قوت يومهم. ترصد الجريدة حالة ملايين اللاجئين المزرية بأنحاء البلاد، الذين لم يعد أمامهم إلا المكوث داخل الملاجئ بين عصابات تطلق النار عليهم ومداهمة الشرطة الذين يأتون إرضاء لسكان نيويورك وغيرها لمنع اللاجئين من بناء خيام.
يظهر الملحق المطول معاناة المسلمين، من المغرب والسودان وموريتانيا والصين من بين 255 ألف مهاجر أتو إلى نيويورك منذ عام 2022، وحالة ملايين آخرين لم يتمكنوا من توفيق أوضاعهم، أو الحصول على مأوى دائم، وأسرار تحالف إدارة مدينة نيويورك الديمقراطية، مع جيش الحزب الجمهوري لملاحقة القادمين من 150 دولة، يقيمون حول واشنطن العاصمة وكاليفورنيا وحدود المكسيك.
يخشى الأمريكيون مشاركة الآخرين بثرواتهم، بينما الفارون من الوطن يأملون الحصول على هوية جديدة تغنيهم عن العودة إلى نظام أهدر إنسانيتهم، وأسقط حقهم بالعيش أحرارا وبكرامة بين أهليهم.
يبحث اللاجئون عن شقق لاستئجارها مع عائلات مهاجرة أخرى، بمناطق بعيدة عن ملاجئ المدن الكبرى، خشية غارات وشيكة على تجمعات المهاجرين، من قبل السلطات الفيدرالية. امتنع الآلاف عن إرسال أبنائهم للمدارس والأماكن التي لم تعد آمنة على الأطفال وعائلاتهم، من طالبي اللجوء.
يدعم ترامب الحرب ضد المسلمين ويعظم ظاهرة ” الإسلاموفوبيا، ولديه أيضا هاجس من وجود 2.2 مليون صيني بداخل أمريكا أو العالقين على الحدود. يعتبر وجودهم ضمن خطة تسلل تديرها السلطات الصينية، للعمل كجواسيس أو لتسريب من هم بسن التجنيد إلى صفوف القوات المسلحة الأمريكية، بينما الحزب الشيوعي يشن حربا على المسلمين وباقي الطوائف التي يرى في وجودها خطورة على نظامه السلطوي الاستبدادي.