لماذا يوجه إيلون ماسك الإهانات لقادة ألمانيا؟
واصل ماسك هجومه الحاد عبر مقال له، برر فيه تدخله في الانتخابات الألمانية المقبلة

وصف الملياردير الأمريكي إيلون ماسك المستشار الألماني أولاف شولتس بـ”الأحمق غير الكفء”، وطالب باستقالته، كما هاجم الرئيس الألماني فرانك شتاينماير ونعته بالطاغية غير الديمقراطي. ولم يكتف بذلك، بل تدخل بشكل سافر في الشأن الألماني، داعيًا الألمان إلى التصويت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، زاعماً أنه الحزب الوحيد القادر على إنقاذ ألمانيا.
لم يكن أمام ألمانيا، التي تُعد قائدة أوروبا وأحد أكبر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أن تلتزم الصمت أمام هذه الإهانات المتكررة. ورد المتحدث باسم الحكومة الألمانية قائلاً: إن تأثير ماسك على الشعب الألماني محدود، وإن تصريحات كاذبة وآراء مزيفة لا يمكنها أن تؤثر على بلد يضم 84 مليون نسمة.
من جهته، وصف شولتس تصريحات ماسك بالمنحرفة، وقال في مقابلة مع مجلة “شتيرن” إن الحزب الديمقراطي الاجتماعي اعتاد منذ القرن التاسع عشر على سماع انتقادات أصحاب وسائل الإعلام الأثرياء، مؤكداً أنه “يجب التحلي بالهدوء والصبر”.
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي أثارت الجدل مؤخرًا بزيارتها إلى سوريا، انتقدت تصريحات شولتس الداعية للهدوء، معتبرة أن ذلك يعكس سوء تقدير. ورغم انتقاداتها، لم تهاجم ماسك مباشرة، ربما خوفًا من ردود أفعاله الحادة ولسانه السليط.
خلافات حادة في صحيفة ألمانية
واصل ماسك هجومه الحاد عبر مقال نشره مؤخرًا في صحيفة “فيلت أم زونتاغ الألمانية”، برر فيه تدخله في الانتخابات الألمانية المقبلة، والمقررة في 23 فبراير القادم. ووصف حزب البديل بأنه “شعاع الأمل الأخير لهذا البلد”، مشيدًا بمواقفه في تنشيط الاقتصاد، توفير الطاقة، ومراقبة الهجرة. لكن هذا المقال أثار انقسامًا داخل مجلس تحرير الصحيفة، مما دفع إيفا ماريا كوجل، محررة مقالات الرأي، إلى تقديم استقالتها اعتراضًا على نشر المقال.
أما رئيس رابطة الصحفيين الألمانية، ميكا بوستير، فقد دعا وسائل الإعلام إلى أخذ الحيطة، محذرًا من أن تصبح الصحف الألمانية أداة في أيدي أصحاب المال والديكتاتورين وأصدقائهم للإساءة إلى ألمانيا. وتساءل عن حدود السماح لمثل هذه الشخصيات باستخدام وسائل الإعلام لتحقيق أهداف سياسية مشبوهة.
ماسك يواصل هجومه على الأوروبيين
لم تقتصر تدخلات ماسك على ألمانيا. ففي بريطانيا، هاجم حزب العمال وزعيمه رئيس الوزراء كير ستارمر، متهمًا إياه بالتواطؤ في قضايا اغتصاب جماعي وقعت في مدينة “روثرهام” قبل أكثر من عشر سنوات، مما جعل البعض يعتبر أن هذه التصريحات تهدف إلى تقويض الثقة في الحكومة البريطانية وتشويه سمعة خصومه السياسيين.
وفي النرويج، دعا رئيس الوزراء يوناس غار ستوره ماسك إلى الكف عن التدخل في الشؤون السياسية للدول الأخرى، مؤكدًا أن ذلك ليس الأسلوب المناسب بين الديمقراطيات.
أما في بولندا، فقد انتقد وزير خارجيتها “إيلون ماسك”، وقال إنه لم يصل بعد إلى السلطة لكنه بدأ في فرض نفسه سياسيًا ليس فقط في الولايات المتحدة بل على حلفائه، ويجب أن نكون مستعدين لحماية ديمقراطيتنا بحيث يختار البولنديون رئيسهم وليس الأجانب.
وفي إيطاليا، طالب ماسك بإقالة قضاة إيطاليين بعد أن قررت إحدى المحاكم أن احتجاز المهاجرين الذين أرسلتهم إيطاليا إلى ألبانيا غير قانوني. ومن جهة أخرى، وهاجم المدعي العام الإيطالي الذي طالب بحكم بالسجن لمدة ست سنوات ضد السياسي اليميني المتطرف ماتيو سالفيني وقال: “يجب أن يكون المدعي العام المجنون هو الذي يجب أن يدخل السجن لمدة ست سنوات.”
ماكرون يستميل الملياردير الأمريكي
أما في فرنسا، حيث يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون تحديات داخلية وخارجية، فقد اضطر إلى اتخاذ موقف دبلوماسي مع ماسك، على الرغم من أن ماسك لم يعلن دعمه علنًا لليمين المتطرف الفرنسي بقيادة مارين لوبان، إلا أن الرئيس الفرنسي كان حريصًا على كسب ود ماسك، لا سيما في ظل الأزمات السياسية الداخلية التي يعاني منها ماكرون. دُعي ماسك في أكثر من مناسبة من قبل ماكرون للمشاركة في قمة الذكاء الاصطناعي في باريس، وأيضًا في حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام. الهدف من هذه الدعوات كان محاولة استمالة ماسك وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين فرنسا وقطاع التكنولوجيا الذي يمثله ماسك.
لا يمكن التقليل من شأن ماسك في إدارة ترامب القادمة، فقد ساهم بأكثر من 250 مليون دولار لدعم حملة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وظهر بجانبه في معظم المناسبات بعد الانتخابات، مما يعزز نفوذه داخل الإدارة المقبلة. ماسك، الذي تُقدر ثروته بأكثر من 400 مليار دولار، أصبح أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في السياسة الدولية بفضل ثروته الهائلة ومنصاته الإعلامية.
نفوذ متزايد لرجال المال
دفعت تدخلاته الفجة هذه إلى طرح تساؤلات حول حدود تأثير الأثرياء غير المنتخبين ديمقراطيًا على الرأي العام. ففي أوروبا، حيث تُعتبر الشعوب أكثر ثقافة ووعيًا مقارنة بنظيرتها الأمريكية، قد تجد الحكومات نفسها مضطرة لاتخاذ مواقف دبلوماسية أكثر حذرًا وذكاءً في التعامل مع نفوذ أصحاب المال. ولكن السؤال الأهم هو ما إذا كانت هذه الشعوب والحكومات قادرة على مقاومة هذا النفوذ المتزايد.
إن العالم يواجه تحديات جديدة مع ظهور شخصيات مثل ماسك، تجمع بين الثروة الهائلة والنفوذ السياسي. وبينما يسعى ماسك لفرض رؤيته للعالم، تبقى الشعوب الذكية والمتعلمة هي الأمل الوحيد لمقاومة هذا الاتجاه وحماية الديمقراطية من التحول إلى مجرد سوق تجارية تخدم مصالح النخبة.