ماذا حققت إسرائيل في حرب استمرت 15 شهرا؟

“فشلنا في هزيمة حماس” هذه الجملة الكاشفة قالها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، وهي تؤكد أنه ليس بكثرة عدد الجثث والتدمير يكون الانتصار، وإنما هو انتصار الإرادة، وهي وحدها التي تحدد المنتصر والمهزوم.
فبعد أكثر من 15 شهرًا من القتل والتدمير والتجويع، لم تنهزم إرادة المقاومة، بل ظلت حتى آخر لحظة من التفاوض صامدة، وتفرض شروطها على الكيان المحتل لتحقيق ما تريده.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأزمة الكتابة الدينية في بلادنا
عندما يستسلم العالَم للتطرف
تصعيد غير مسبوق للمعارضة التركية.. لهذه الأسباب!
ولو قسنا النصر والهزيمة بالأهداف التي حققها الكيان، وكان يطمع في تحقيقها، لوجدناه فشل في تحقيق كل أهدافه، فهو لم يستطع القضاء على حماس ولا المقاومة كما أراد، رغم كل الدعم الغربي له من أسلحة وذخيرة، ودعم لوجستي ومخابراتي كبير.
ولم يستطع تهجير الفلسطينيين كما كان يطمع، لكي ينهي القضية الفلسطينية تمامًا، ولم يستطع تحرير الأسرى، فقد فشل في ذلك فشلًا ذريعًا، إذ استطاعت المقاومة حماية الأسرى ورعايتهم رغم القصف والتدمير.
ورغم العمليات العسكرية التي خلَّفت وراءها أكثر من 47 ألف شهيد ونحو 111 ألف مصاب، معظمهم من الأطفال والنساء، فإن صمود المقاومة وهي تقف وحدها أمام كل هذا التدمير كان -ولا يزال- شيئًا جديرًا بالاحترام والتقدير.
ومنذ بدء تنفيذ الاتفاق، بدأت بعض الأصوات من بني جلدتنا بالتحدث عن تسبُّب حماس في تدمير قطاع غزة، واستشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتناسوا أن المقاييس في الإسلام تختلف، لأنها ترتكز على العقيدة والإيمان قبل أن تكون مجرد سلوك أو فعل.
فالنصر في الإسلام لا يقاس بعدد الأفراد فقط، بل يشمل إضعاف العدو ومراغمته وإغاظته وكسر هيبته، والثبات على المبدأ والفتح لدين الله ورفع كلمة الله عالية.
ولهذا، نجد أن العلماء أطلقوا على الحديث “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم” اسم (الطائفة المنصورة)، مؤكدين أن موازين المؤمنين تختلف.
فلو كانت قيمة العدد هي المعيار لما بايع الصحابة الرسول تحت الشجرة، ولما هاجر النبي ﷺ وأصحابه من مكة إلى المدينة، ولو كانت للأعداد قيمة حقيقية لما وصل إلينا هذا الدين.
الهدف تدمير غزة
إن الهدف الحقيقي للكيان المحتل يكمن في تدمير قطاع غزة بالكامل، وتهجير سكانه الذين يبلغ تعدادهم نحو 2.4 مليون نسمة، بما يمثل أكبر كثافة سكانية فلسطينية، شكَّلت مصدر قلق دائم لإسرائيل.
وقد عبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين عن هذا الشعور، قائلًا “أتمنى أن أستيقظ من النوم وأجد أن البحر قد ابتلع غزة”، والهدف الأبعد من ذلك هو تصفية القضية الفلسطينية نهائيًّا، ما يعني القضاء على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل، إذ ببساطة لا يمكن أن تكون هناك دولة من دون شعب.
لقد حققت حماس العديد من المكاسب بفضل هذه الصفقة، إذ حصلت على المطلبين اللذين طالما طالبت بهما منذ البداية رسميًّا في الاتفاق؛ إنهاء القتال والانسحاب الإسرائيلي.
وقد فشلت كل التكنولوجيا الإسرائيلية والغربية في العثور على الأسرى -رغم مساحة قطاع غزة الصغيرة- فلا جواسيس نجحوا، ولا أقمار اصطناعية وأجهزة تجسس نجحت، بل بالعكس فشلت فشلًا ذريعًا.
نجاح حماس
كما نجحت حماس في طوفان الأقصى الذي كشف هشاشة الكيان، وبعدها نجحت في تهديد الأمن الإسرائيلي بالصواريخ، مما جعل أكثر من 3 ملايين منهم يعيشون في الملاجئ لأشهر عدة، فضلًا عن الخسائر المادية والبشرية التي تعرَّض لها الكيان، والتي بلغت أكثر من 150 مليار شيكل تقريبًا، بما يعادل 42 مليار دولار.
ومنذ بداية الحرب، قُتل نحو 840 جنديًّا، وأصيب حوالي 14 ألفًا من الجنود الإسرائيليين بمعدل يقارب ألف مصاب جديد كل شهر، وهذا العدد يُعَد كبيرًا بالنسبة للكيان الذي ظن أنه لا يُقهر.
وبالنسبة لمن يقيسون النصر بالعدد، فعليهم أن يراجعوا عدد شهداء مصر في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، وعدد قتلى إسرائيل، سيجدون أن مصر المنتصرة في الحرب التي حررت جزءًا من أراضيها استشهد منها 8528 جنديًّا، في الوقت الذي قُتل فيه من جنود إسرائيل 2656 فقط.
كما أن المقاومة بعثت رسائل عدة إلى العالم والكيان الصهيوني من خلال صفقة التبادل، إذ جاء مشهد تسليم الأسيرات الصهيونيات برسائل على حسن معاملة الأسرى، وهذه الصورة تُعَد نموذجًا عمليًّا للتأثير الإعلامي، لا تستطيع أكبر الدول أن تفعله بمثل هذا الأسلوب الاحترافي.
فقد جرت عملية التسليم بطريقة ذكية، بها من الوسائل السرّية ما حيَّر الصهاينة الذين حاربوا أكثر من 15 شهرًا دون العثور على هؤلاء الأسرى، لتعلّمهم حماس درسًا جديدًا في قدراتها المخابراتية والعسكرية.
مطلوبون للعدالة
يكفي أن يتساءلوا في تل أبيب اليوم وهم يرون الشعب فرحًا رغم الدمار، بينما يتألمون في إسرائيل وهم يشاهدون مقاتلي حماس والشرطة الفلسطينية يجوبون الشوارع بعربات حديثة، ويتساءلون: “مِن أين خرجت هذه المركبات المحمّلة بالمقاتلين الفلسطينيين بعد كل هذا القصف؟”.
لقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عشيّة الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، إن المسؤولين الأمريكيين قدَّروا أن حماس جلبت عددًا من المقاتلين الجدد يعادل تقريبًا عدد مَن فقدتهم في الحرب، واستطاعت المقاومة أن تجعل المجرمين من قادة الكيان مطلوبين للعدالة بوصفهم مجرمي حرب، في سابقة لم تحدث من قبلُ للكيان.
وأخيرًا، نتذكر حوار ضابط أمريكي في اليوم الأخير لوقف الحرب مع فيتنام مع نظيره الفيتنامي، إذ قال الضابط الأمريكي للضابط الفيتنامي “لم نُهزم في أي معركة معكم”، فرَد عليه الفيتنامي قائلًا “قد يكون هذا صحيحًا، لكن في الغد أنتم ستغادرون، ونحن سنبقى”.