مطلوب موقف جماعي عربي قوي وحاسم ضد تهجير أهل غزة

الرئيس ترامب (رويترز)

القضية ليست في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن، بذريعة إعادة إعمار القطاع المُدّمر؛ إذ يستحيل أن تنجح الهجرة، سواء كانت طوعية أو قسرية، ومهما كانت ضغوط أي رئيس أمريكي أو أي حكومة صهيونية، لأن الفلسطيني مُتجذر بعمق في أرضه، ومَغروس بقوة في وطنه، إنما القضية في استمرار صمود مصر والأردن في رفض التهجير إليهما، وهما البلدان اللذان حددهما ترامب لاستيعاب المُهّجرين.

ومصر خصوصًا هي المكان الملائم من جانب الصهيوأمريكي لتهجير الغزيين إليه، والفكرة والمحاولة ليست وليدة حرب الإبادة الأخيرة، بل هي قديمة، وهي حلم كل حكومات الكيان للخلاص من القطاع الذي يشكل عُقدة لهم، فهم يتمنون أن يبتلعه البحر، أو يتم إخلاؤه من سكانه.

وهذا جزء من خطة إكمال اغتصاب ما بقي من أراضٍ فلسطينية لشطب هدف وجود الدولة المستقلة، فالضفة لم تتحرر كلها، والاستيطان يتسع فيها، وما لم يتوقف هذا الغول فلن تبقى فيها مدينة أو قرية واحدة على نقائها الفلسطيني، بل ستمتلئ بمزيد من المستوطنات والمستوطنين، وسيصير الفلسطينيون مشتتين دون رابط بينهم، أو تكتل سكاني مؤثر لهم، وسيصبحون مثل فلسطينيي 48 أقليات في مدنهم وقراهم وسط كثافات سكانية من اليهود القادمين من الشتات.

وقد لا يقتصر الأمر على تحويل الفلسطينيين بالضفة إلى أقليات فيها، وإنما دفعهم إلى الهجرة الطوعية أو القسرية أيضًا عبر الحصار والتوغل والقتل والاعتقال والتضييق وتدمير الخدمات بمناطقهم في ظل سلطة فلسطينية ضعيفة لا تمتلك من أمرها شيئًا.

مصر ورفض التهجير

منذ اليوم الأول لحرب الإبادة اتخذت مصر موقفًا جيدًا، وهو رفض تهجير سكان غزة، أو تصفية القضية الفلسطينية.

وهذا الموقف كان يزداد عزمًا وتصميمًا مع مرور الأيام، ومع هذا ربما تسربت شكوك بشأن الثبات عليه؛ ذلك أن المواقف العربية المعلنة غير المواقف بالغرف المُغلقة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بأمريكا ونفوذها الرهيب على الأنظمة.

واليوم وبعد الذي قاله ترامب يجب أن يُعاد تأكيد المواقف العربية الرسمية كلها -ليس مصر والأردن فقط- بإعلان الرفض المطلق والحاسم للتهجير، وتصفية القضية، وأن العواصم كلها لن تخضع أو تتماهى في أي لحظة مع رغبات ترامب وحكومة نتنياهو المتطرفة.

ولو غادر فلسطينيون غزة تحت أي مبرر فلن تسمح إسرائيل بعودتهم، ولدينا مآسي ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والخارج الذين هم محرومون منذ عشرات السنين من حق العودة إلى وطنهم.

المدهش أن ترامب مرغوب فيه من أنظمة عربية، رغم أن سياساته الصريحة تعصف بما بقي من حقوق للفلسطينيين، رؤساء أمريكا السابقون عليه لا يقلون خطورة عنه، لكنه الأكثر صفاقة بينهم بشأن تدمير كل ما هو فلسطيني، والارتماء المطلق في أحضان كل ما هو إسرائيلي.

والأنظمة العربية تُسلم له، وتستسلم أمام مطالبه، ففي فترته الرئاسية السابقة دفع أربع عواصم إلى التطبيع، وحدث اختراق صهيوني للخليج لم يكن يتوقعه أحد، واعترف بالقدس المحتلة عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وألغى جميع المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، كما اعتراف بأحقية إسرائيل في ضم هضبة الجولان السورية إليها.

وفي المجمل كانت أربع سنوات من الدعم الهائل لإسرائيل التي تذوب حبًّا فيه، كما تتودد إليه عواصم عربية في توافق مثير للدهشة ودال على غياب الرؤية السديدة لديها بشأن المصالح العربية الجماعية، وها نحن الآن في بداية أربع سنوات جديدة له لا تبشر بأي خير.

ولهذا كان ضمن أول الأوامر التنفيذية التي وقعها إلغاء عقوبات كان بايدن قد فرضها على مستوطنين بالضفة يرتكبون جرائم بحق الفلسطينيين، وإزالة الحظر على تزويد إسرائيل بالقنابل التي تزن 2000 رطل، ثم إعلان خطته بتهجير أهل غزة.

ضغوط وإغراءات أمريكية

لا نقول إن مصر والأردن ستقبلان التهجير فورًا، أو على مراحل ، إنما نخشى من أثر الضغوط والتهديدات والإغراءات الأمريكية الإسرائيلية في دفعهما إلى تغيير التوجهات والقرارات المتعلقة بالثوابت الفلسطينية، خاصة في مرحلة قلقة تحيط بهما، وفي ظروف داخلية صعبة تحاصرهما، ومع رئيس أمريكي مثل ترامب لا يريد لأحد أن يرفض طلبًا له.

خطة حكومة اليمين المتطرف هي تفريغ غزة من سكانها، هكذا يريد نتنياهو والليكود، وسموتريتش وبن غفير وبقية التيار الصهيوني الفاشي من أحزاب وقيادات، وهم لن يتراجعوا، وعلينا نحن العرب ألا نتراجع عن الرفض المطلق لخروج فلسطيني واحد من وطنه.

الأردن بادر واتخذ موقفًا أوليًّا ضد التهجير، ومصر شددت على موقفها طوال حرب الإبادة برفض التهجير وتصفية القضية، لكن المهم هو الثبات على هذا الموقف والصمود أمام ما قد يمارسه ترامب وإدارته من وعيد وترهيب، ففي رئاسته الأولى كانت هناك استجابات عربية لمطالبه المختلفة، بل كان يحدث تسابق لإرضاء غروره.

لكن المطمئن أن الشعب الفلسطيني متمسك بالبقاء في أرضه، ورغم فظاعات الإبادة  طوال 15 شهرا لم نجد محاولات جماعية لمغادرة غزة.

صحيح أن الحدود كانت مُقفلة مع مصر، وهناك من غادر بإرادته عبر معبر رفح، ولكن في تاريخ الشعب الفلسطيني طوال الصراع واغتصاب المحتل لأرضه وتحويل حياته إلى جحيم لم يحدث خروج جماعي طوعي، وكل تهجير جرى قديمًا كان قسريًّا وتحت جحيم النار، وحتى في هذه أيضًا فإن ملايين الفلسطينيين ظلوا متشبثين بوجودهم وجذورهم  في أراضي الـ48.

البقاء في الأرض هو قمة النضال وجوهر المقاومة، ذلك أن الحلم الصهيوني الإجرامي هو تفريغ فلسطين كلها من الفلسطينيين جميعهم، وإذا كانوا قد فشلوا في ذلك حتى اليوم، فإنهم لن ينجحوا غدًا، ولا بعد غدٍ، فالعروس لديها العريس، والأرض لها شعب يقيم عليها منذ آلاف السنين، وكل الأكاذيب الصهيونية سقطت، ولن تتحقق، أو تقوم لها قائمة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان