العائدون إلى الشمال يدهسون أوهام التهجير!

فلسطينيون عائدون إلى منازلهم في شمال القطاع (الفرنسية)

تلك الأقدام التي باتت ليلة كاملة في انتظار العودة إلى شمال غزة بعد أن عطل دخولها الكيان الصهيوني بحجة الأسيرة الرابعة أربيل يهود وانتظرت ساعات طويلة في جو قارس البرودة، كانت الرد الأمثل على أوهام السيد الجديد في البيت الأبيض الأمريكي دونالد ترامب بتهجير أهل غزة إلى أراض في الأردن ومصر، وقبل أن تعقب المملكة الأردنية ببيانها، والخارجية المصرية كان الزحف الفلسطيني صبيحة الاثنين يدوس أحاديث ترامب وما قاله عن اتصاله بملك الأردن وإنه سيحادث الرئيس المصري من أجل هجرة متوسطة أو طويلة المدى لأهل غزة من الفلسطينيين.

عشرات الآلاف من أهلنا في غزة يتحركون نحو الشمال يكبرون ويهللون كأنهم في يوم العيد أو يهبطون من عرفات في يوم من أيام الحج، تلك الفرحة بالعودة والانتصار بعد حرب طويلة استمرت أكثر من 15 شهرا تحطمت فيها أوهام بنيامين نتنياهو، حطمت أيضا أوهام الكابوي الجديد في البيت الأبيض.

ملامح العودة التي امتزجت فيها دموع الفراق والحزن على الشهداء وافتقادهم، وغياب المصابين في المستشفيات بابتهال وتكبيرات الفرحة بالعودة على طول الطريق الطويل وارتفاع أعلام المقاومة والوطن تعكس قوة وصمود الشعب الفلسطيني.

هذا الشعب الذي لم يترك أرضه رغم آلاف من أطنان القنابل لن يتركها بعد عودته وانتصاره، مشاهد هؤلاء الأمهات العجائز اللاتي لا أشك لحظة في أنهن يحملن مفاتيح منازلهن القديمة في القدس ومنازلهن في شمال غزة هي الرد المزلزل على خطة ترامب وما تسمى بصفقة القرن، لقد دهس طوفان الأقصى كل خطط الصهاينة، وعودة الشعب الفلسطيني إلى الشمال في جباليا وخان يونس وبيت لاهيا تدهس أي محاولة لتحقيق ما عجزت عنه آلة الحرب الصهيونية الأمريكية بكلام من ترامب أو غيره.

لقد ثبت للعالم أن شعبنا في فلسطين بالفعل شعب الجبارين لا يتنازل عن حفنة تراب من أرضه، ما أبهج هذه العودة وما أقواها! ما أبدع هذه الحشود التي تخطو بأقدامها نحو منازلها وأحيائها رغم كل الدمار الذي حل بتلك الأماكن لترتفع أغاني الانتصار والعودة! وكما يعودون اليوم إلى غزة سيعودون في الغد إلى القدس وكل الأراضي المحتلة.

ما أروع أن يستقبل أبناء وأبطال المقاومة إخوانهم وذويهم من الأهالي فهم كتلة واحدة، وكان هناك تعبير عن قادة المقاومة بأنهم يبنون الإنسان قبل المقاوم وتلك عظمة المقاومة الفلسطينية وخلاصة تجربتها في غزة والضفة الغربية، وهي مبدأ الحرية للوطن كله وتحرير أرض العرب وفلسطين من هيمنة الاتصال التليفوني والتفاهم مع البيت الأبيض.

ولدت ميتة

مبادرة ترامب أو تصريحاته عن تهجير أهل غزة بحجة الدمار الذي حل بغزة ولدت ميتة، الرصاصة الأولى كانت من أهل غزة في عودتهم إلى ديارهم، وكان موقف المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وفي القلب منها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومن ثم بيانات من محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وإيران، كل هذا مثّل الرصاصة الثانية، ثم جاء الرفض الشعبي في مصر والأردن قبل الرد الرسمي من كلا البلدين، لقد توالت على تلك التصريحات ردود عربية شعبية دعمت البيان الرسمي الصادر من وزراء خارجية مصر والأردن وبعض الدول العربية.

كانت تصريحات وزير الخارجية الأردني والمملكة الأردنية سابقة للموقف المصري الرسمي بساعات وقد حسم الوزير الأردني موقف بلاده من خطة ترامب التهجيرية، وأعلن أن مكان أهل غزة في غزة، وأن الأردن يرفض أي محاولات لتهجيرهم أو إبعادهم عن أرضهم، ثم جاء بيان الخارجية المصرية ليعلن رفض مصر الشعبي والرسمي لأي خطة تهجير من غزة إلى سيناء أو داخل مصر.

ربما كان تأخر الخارجية المصرية لدراسة البيان ناتجا عن علم المؤسسات المصرية بالتخطيط مسبقا، ولكن هذا الرفض الشعبي من المصريين كافة كان داعما للسلطة المصرية في عدم تأخير البيان أكثر، لقد شهد الشارع المصري ولأول مرة منذ سنوات توافقا على رفض تصريحات ترامب، ودعم بيان الخارجية المصرية، ومن الجيد صدور بيان من مجموعة من النقابات المصرية للتظاهر أمس ضد تصريحات ترامب، وقد صدرت بيانات أيضا من كل الأحزاب المصرية ضد التصريحات ودعما لبيان الخارجية المصرية وإشادة بالموقف الأردني، بعد قول ترامب إنه سيدعو الملك الأردني والرئيس المصري إلى تقبل فكرته.

الخطة ليست قدرا محتوما

منذ سنوات ترامب الأولى ونحن نعرف وبعضنا يسمع عن ما تسمى بصفقة القرن التي تنبأ الكثير من السياسيين والمفكرين وبعض المحللين بمحتواها وأنها تذهب إلى زحزحة أهل فلسطين إلى مصر والأردن في محاولة لتوسعة رقعة الاحتلال وهناك تصريح لترامب عن صغر مساحة الاحتلال على الكيان الصهيوني، وكان هناك تخطيط قبل عملية طوفان الأقصى من أجل أن يكون الاحتلال صاحب المبادأة بالهجوم على غزة والضفة الغربية وإقامة مستوطنات فيهما.

هذه كانت الخطوة الأولى لحكومة اليمين الصهيونية وتابع العالم تصريحات بن غفير وزير الأمن القومي، وسموتريتش وزير المالية عن التوسع في الاحتلال وضم غزة والضفة الغربية، ولا يغيب عنا جميعا أطماع الكيان الصهيوني في باقي الدول العربية من النيل إلى الفرات وقد انتشرت خريطة خلال حرب الـ15 شهرا ضمت أرضا من سوريا، والعراق، ولبنان، ومصر، والسعودية، والأردن وحتى بعض أراضي تركيا، تلك الأحلام التي لا يتنازل عنها الصهاينة ويخططون لها منذ قيام دولة الكيان، ولا يمكن من وجهة نظرهم التخلي عنها، فهذه أطماعهم ويسعون لتحقيقها.

تلك الأحلام الصهيونية ليست قدرا محتوما حتى لو دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية وكل العالم والقوى الأوروبية، وحتى لو أعلنها ترامب، ترامب نفسه يعاني من مشاكل كثيرة اقتصادية وسياسية، فالولايات المتحدة هي الدولة الأكثر مديونية في العالم، فضلا عن احتمال مواجهة محتملة مع الصين التي يعتبرها الأمريكان العدو القادم لهم.

وبعيدا عن حالة الإمبراطورية والتصريحات الرنانة غير العاقلة التي أطلقها ترامب في أيامه الأولى فالوضع واقعيا يختلف كثيرا عن حالة الكابوي الذي لا يهزم وقد رأينا في عهود رؤساء جمهوريين هزائم للقوة الأمريكية التي لا تهزم ومثال ذلك في أفغانستان والعراق، أما الأحلام الصهيونية وفيما يخص نتنياهو وحكومته المتطرفة فقد شهدنا أن هذه القوة لا تجيد إلا تدمير البنايات وقتل الأطفال والنساء، ولا نبالغ إذا قلنا إنه لولا المساعدات الأمريكية والأوروبية وحجم هذه المساعدات التي لا نستطيع أن نقدرها بالفعل لاختلف الموقف تماما في النتيجة النهائية لطوفان الأقصى.

المقاومة خطتنا المضادة

لقد كان طوفان الأقصى الخطة المضادة التي فكر فيها ونفذها أبطال المقاومة الفلسطينية وحماس، هذا الرجل الذي شهدناه في الصفوف الأمامية للحرب يتوكأ على عصاه بين المنازل المدمّرة ويخطط للهجوم على جنود الكيان الصهيوني في قلب المعركة ووسط آلاف الأطنان من القنابل يذكرنا بالقادة العظام في التاريخ الإسلامي الذين كانوا يتقدمون المعارك بالسيف ويستشهدون في قلب المعركة، فقد كان العقل المفكر والمدبر للخطة المضادة للخطط الصهيونية، ورافقه الآلاف من الأبطال الملهمين هم قادة ميدان وسياسة وجنود لا يهابون الموت ولا يتوانون عن التضحيات، ثم شعب نراه الآن ينام على أطلال منازله ثم ينهض ليبني ويزرع أشجار الزيتون متحديا كل العالم من أجل أرضه ووطنه.

لكي لا تصبح الخطة الصهيونية في داخل الأرض المحتلة أو خارجها سواء في أمريكا أو أوروبا قدرا محتوما، على الأمة العربية والإسلامية أن تضع خطتها المضادة التي تبدأ بالإيمان العربي والإسلامي بحقنا في تحرير الأرض المحتلة، ثم دعم المقاومة الفلسطينية في إعادة البناء، وعدم الاستسلام لدعاوى من عينة القوة العسكرية والدعم الأوروبي والأمريكي لخطة الكيان، وعلى الدول المشار إليها في خريطة الصهاينة أن تعي أن عليها البناء على ما تحقق في غزة، وليكن في ثبات وصمود وانتصار أهلها القدوة لكل شعوب تلك الدول المهددة من الكيان الصهيوني وصهاينة العالم، وليظل شعار المقاومة “إنه لجهاد نصر أو استشهاد” شعارا لأمة العرب والمسلمين، فالتخطيط الصهيوني ليس قدرا محتوما يا أمة العرب.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان