الضفة الغربية بين احتلال السلطة واحتلال الكيان

الصحفية شذى الصباغ (وسائل التواصل)

اغتيال الصحفية الفلسطينية، شذى الصباغ، بمخيم جنين، في الضفة الغربية، برصاص قوات أمن السلطة هناك، كشف عن وضع مخجل ومزرٍ في الوقت نفسه، يعيشه الأشقاء الفلسطينيون من أبناء الضفة، بين مطرقة السلطة الفلسطينية، وسندان الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن أصبح خيار الموت حتميًا بين رصاص الحكم ودبابات المحتل، الذي لا يتورع عن ارتكاب المزيد من الجرائم على مدار الساعة، بالتزامن مع ممارسات غريبة ومشينة تطلقها -بين الحين والآخر- قوات الأمن التابعة للسلطة، بقيادة الرئيس محمود عباس، ضد مجموعات المقاومة، بفصائلها المختلفة، تحت مسمى “حملة أمنية”.

وتهدف هذه الحملات الأمنية، كما هو واضح، إلى مساعدة قوات الاحتلال على وأد حركات المقاومة، قبل أن تتمكن من تنظيم صفوفها المسلحة من جهة، وقبل أن تتمكن من فرض سيطرتها داخليًا من جهة أخرى، فيما يشير إلى أن هذه السلطة بشكلها الحالي وممارساتها اليومية، قد استمرأت الأوضاع مع الاحتلال، وتعايشت معه، بما يجعل من أي محاولات للمقاومة، عمليات خارجة عن القانون، من وجهة النظر الرسمية، تستوجب اعتقال الفاعلين والتنكيل بهم وسجنهم، حتى وصل الأمر إلى التصفية الجسدية، ولم تستثن في ذلك الإعلاميين، كما تفعل قوات الاحتلال تمامًا.

نحن نتحدث عما يزيد على 25 ألف عنصر أمني، جاءت بهم اتفاقيات أوسلو، موزعين على 5 أجهزة هي، الأمن الداخلي، الأمن الوقائي، القوة التنفيذية، مجلس الأمن القومي، الأمن الرئاسي، تحت أيديهم نحو 80 ألف قطعة سلاح، ما بين قطع صغيرة ورشاشات، بخلاف عشرات المدرعات، تسدد الولايات المتحدة الأمريكية رواتبهم الشهرية، التي تصل إلى نحو 4 ملايين دولار، بالتنسيق مع سلطات الاحتلال، وهم بذلك إلى جانب الجهاز السياسي في السلطة، يتقاضون أعلى رواتب بالضفة الغربية على الإطلاق، ينزعجون كثيرًا حال اتجاه الأوضاع إلى الاضطراب أو القلق، خشية خسارة هذه المميزات المستقرة.

وإحقاقاً للحق، فقد انحازت تلك الأجهزة الأمنية في السابق إلى جانب الشعب الفلسطيني، بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات، خلال انتفاضة عام 2000، حينما فوجئت سلطات الاحتلال بأنها في مواجهة مع القوات الأمنية الفلسطينية، وذلك خلال اجتياحها لمدن الضفة، التي كانت قد انسحبت من داخلها بموجب اتفاقيات أوسلو، إلا أن هذا الوضع لم يستمر طويلًا، منذ مجيء محمود عباس إلى سدة السلطة عام 2005، الذي دأب على مدى نحو 20 عامًا -من خلال أجهزته- على التشكيك في وطنية حركات المقاومة!!، وقتل العشرات منهم، واعتقال المئات، حتى وصل الأمر إلى اعتقال عناصر الأمن الذين رفضوا تنفيذ أوامر بهذا الشأن، أو على الأقل فصلهم من الخدمة.

أوسلو كانت البداية

ربما جاءت عملية استهداف الصحفية شذى الصباغ، بدم بارد، حسبما أكدت والدتها، لتفتح باب النقاش من جديد، حول جدوى وجود سلطة فلسطينية بهذا التوجه، أو بهذا الهدف، الذي يتنافى مع أبسط تطلعات شعب، سدد أكبر فاتورة مواجهة مع الاحتلال في التاريخ، من دماء وأرواح وهجرة ولجوء وسجن واختفاء قسري واضطهاد، ومع فتح هذا الملف يطرح الملف الآخر نفسه بقوة، وهو المتعلق بفساد السلطة، وتربح القائمين عليها، من المستويات السياسية بشكل خاص، وهو ما يجعلهم يركنون لكيان الاحتلال، باعتباره في نهاية الأمر يمثل حماية من المساءلة، بل حماية من الفتك، حال انقلاب الأوضاع إلى الشفافية والحساب.

أعتقد أن ما يسمى “التنسيق الأمني” مع سلطة الاحتلال، الذي نصت عليه اتفاقيات أوسلو، كان بداية الاختراق العلني المباشر للجانب الفلسطيني، على المستويات كلها السياسية والأمنية والاجتماعية، ليس ذلك فقط، بل جعل من النضال الفلسطيني مسألة ثانوية، كونها من ضروب الماضي، على اعتبار أن الوضع الحالي هو ما كانت تصبو إليه سلطة الاحتلال، التي بدا أنها كانت تستهدف تشكيل قوات أمن فلسطينية، ليس بهدف حفظ الأمن الداخلي، كما هو شأن مثيلاتها في كل دول العالم، إنما بهدف حفظ أمن الاحتلال، أو بمعنى أوضح: مواجهة المقاومة نيابة عن سلطة الاحتلال!!

بالتأكيد آن الأوان، لاستفتاء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، حول جدوى وجود السلطة القائمة من عدمها، وجدوى اتفاقيات أوسلو من عدمها، وجدوى التنسيق مع الاحتلال، وسبل تحرير الأرض، في ضوء المخططات المعلنة حاليًا بإنشاء مستعمرات في قطاع غزة، وضم الضفة الغربية، وترحيل النسبة الأكبر من المواطنين في هذه وتلك إلى كل من مصر والأردن، دون أدنى مقاومة من السلطة الرسمية لهذه المخططات، التي اعتادت انتقاد أي صدام شعبي مع كيان الاحتلال، على الرغم من عدم وجود أي أفق للحل السياسي، خصوصًا بعد أن أقر الكنيست الإسرائيلي رسميًا، رفض إقامة أي دولة فلسطينية مستقلة، من حيث المبدأ، وبعد أن أقر قبل ذلك ضم شرق القدس إلى الكيان.

سلطة بلا مشروع

وفي الأحوال كلها، وفي ظل هذه التطورات، لم يعد لدى السلطة الفلسطينية الرسمية، في الضفة الغربية، أية مشاريع للمستقبل، تتعلق بالاستقلال الوطني الفلسطيني، أو بتحرير الأرض، حربًا أو سلمًا، يمكن إقناع الشعب الفلسطيني بها، أو حتى طرحها للحوار الداخلي، وهو ما يشير إلى أن المواجهة أصبحت حتمية بين السلطة والشعب، الآن وفي المستقبل، كما حدث من قبل في قطاع غزة، ما دامت الطرق كلها تؤدي إلى ضياع القضية، على أيدي قادة ماتت ضمائرهم بفتات الدولارات، ومناصب وهمية، لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو ما جعل منهم، ما يشبه قوة احتلال موازية، لا أكثر من ذلك ولا أقل.

في الوقت نفسه، وفي غياب دور جامعة الدول العربية من جهة، وغياب العواصم العربية الكبرى، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديدًا من جهة أخرى، يجب أن نعترف بأن الشعب الفلسطيني أصبح عرضة للاندثار والإبادة، بعد أن تقاذفته رياح الاحتلال والمؤامرات في آن واحد، وهو ما كان يوجب على الفصائل كلها باختلاف أيديولوجياتها ومسمياتها، العمل تحت راية واحدة، تنطلق من المصلحة الوطنية أولًا وأخيرًا، بهدف وحيد، هو تحرير الأرض، والاتفاق على الوسائل المتاحة في هذا الشأن.

وفي هذا الصدد، يجب الوضع في الاعتبار أن قوى الأمن الفلسطينية، بأسلحتهم وذخائرهم، هم في نهاية الأمر جزء من المكون الفلسطيني الفاعل، الذي كان يجب الاعتماد عليه في المقاومة والتحرير، وهو ما يستوجب وجود قيادة جديدة ومختلفة على رأس السلطة، تنتهج سياسة الرئيس الراحل، ياسر عرفات، الذي أقر قبل رحيله، بكارثية اتفاقيات أوسلو، التي استهدفت القضاء على المقاومة، وترويض القيادة السياسية، وها هي قد حققت أهدافها، بعد أن بات الفلسطينيون يتساقطون برصاص السلطة!!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان