هل كتاب فقه السنة مؤامرة إخوانية لهدم الفقه؟!
كتاب (فقه السنة) يعد أشهر كتاب فقهي في تاريخنا الفقهي كله، وقد قال عنه الدكتور مصطفى الشكعة: (إنه كتاب القرن)، وأكثر الكتب طباعة وتداولا، فقد كتب الله له القبول والانتشار، ورغم أن مؤلفه الشيخ سيد سابق -رحمه الله-، كتب كتبا أخرى، كان قلمه أكثر قوة من حيث اللغة الأدبية العالية، وطريقة العرض، لكنها لم تنل حظها مثلما نال كتابه الأول: فقه السنة.
وكشأن الكتب الناجحة، تجد لها خصوما، لا يتناولها بالنقد العلمي الرصين، بل يتناولها بالهوى، والنفس الباحثة عن أي نقد شكلي، محاولا أن يتحول هذا النقد الشكلي إلى جوهري، ولو بالافتراء، أو التعصب ضد الكتاب وصاحبه، نظرا لما تمتع به من شعبية جارفة على مستوى العالم الإسلامي، فالكتاب نشر في طبعات متعددة، وفي دور نشر كثيرة، وترجم للغات العالم الحية، رغم أنه يقع في ثلاث مجلدات كبار، وقد زار الشيخ سيد سابق إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي، ففوجئ بعدد من المسلمين يستقبلونه في المطار، حاملين كتابه مترجما للغتهم.
مؤامرة إخوانية لهدم الفقه!
من التجني الصارخ الذي خرج مؤخرا ضد كتاب (فقه السنة)، ما صدر عن أسامة السيد الأزهري وزير الأوقاف، حيث تناول الكتاب أكثر من مرة، كتابة وتحدثا، فادعى أن الكتاب، ما هو إلا مؤامرة إخوانية تهدف إلى هدم الفقه الإسلامي، بأن تبتعد الناس عن دراسة المذاهب، وتذهب لقراءة كتب لا تتحلى باللغة المذهبية، ولا التمسك المذهبي، والحقيقة أن الكلام لا يصدر عن روح علمية مطلقا، بل عن روح كلها جهل، وتعصب، وتجني على الرجل وكتابه.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرسالة لصديق بغزة انقطعت أخباره
الأمان المفقود في إسرائيل!
ماذا ينتظر غزة بعد وقف إطلاق النار؟
وكأن الإخوان قوة خارقة، تخطط وتدرس، وتضع المؤامرات، لهدم الفقه، وكأن الفقه الإسلامي كيان هزيل، تأتي جماعة مهما بلغت قوتها فتهدمه فوق رؤوس أتباعه، هذا الفقه الذي كان وسيظل ثروة فقهية وقانونية وعلمية لا توجد في أمة من الأمم، وهو ما يؤمن به، السيد سابق نفسه، ولم يدع يوما للخروج عن المذاهب، بل كان يدعو لعدم التعصب للمذاهب.
فقه السنة كتاب كتبه صاحبه يخاطب به المسلم غير المختص بدراسة الفقه، فسعى لتيسيره في اتجاهين: تيسير الفقه للفهم، فيبتعد عن المصطلحات الفقهية الصعبة، واللغة الفقهية التي لا يستوعبها سوى المختصين، وقد كتب الأستاذ عبد القادر عودة، في مقدمة كتابه: (التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقوانين الوضعية)، يشكو من معاناته مع الفقه الإسلامي، وأنه قرأ أول مرة فلم يفهم، ثم الثانية ليفهم، ثم الثالثة ليزداد فهما، وكلما زادت مرات القراءة زاد فهمه للغة الفقهية، فما بالنا بعوام المسلمين؟!
وهذه الموسوعة العظيمة بشهادة كل المختصين في الفقه الجنائي الإسلامي، وقد كان عودة وكيلا لجماعة الإخوان، وتم إعدامه في عهد عبد الناصر، وكتابه ليس على خط السيد سابق ونهجه، لأنه يخاطب المختصين في فرعي: الفقه الإسلامي، والقانون الجنائي، وكان يناقش كل مسألة في المذاهب الأربعة، فلو كانت هناك خطة كما يهذي بذلك أسامة الأزهري، فلماذا شذ عنها وكيل الجماعة؟!
كما يسر السيد سابق في كتابه: (فقه السنة) الفقه من جهة التطبيق، فلم يكتف بسهولة الشرح، وتذليل صعوبات الفقه للمثقف البسيط المسلم، والمسلم الذي يريد أن ينال قسطا من الثقافة الفقهية دون صعوبة، بل يسره من حيث تطبيقه، فتنبى أيسر الآراء، وابتعد عن التضييق على الناس، ما دام يجد رأيا فقهيا معتبرا، ويدعمه الدليل، سواء الدليل الخاص أو الأدلة العامة، التي لا حرج في أخذ الفقيه بها، سواء في الدرس الفقهي، أو الفتوى.
إن سر الحنق الأكبر على كتاب (فقه السنة)، ليس منهجه كما يزعم الأزهري وأمثاله من أتباع هذه المدرسة، ومن خصوم السيد سابق، بل السبب أن المؤلف حين بدأ كتابه كان رمزا من رموز الإخوان المسلمين، والكتاب كان في بدايته مقالات كتبها السيد سابق في مجلة (الإخوان المسلمين)، وبنصيحة من الشيخ حسن البنا، وخرج الكتاب بمقدمة مختصرة للبنا، وهذا معناه أن الكتاب الذي شرق وغرب، ودخل معظم بيوت المسلمين، يدخل معه مقدمة للبنا مرشد الإخوان، وهذا سبب عظيم لديه ولدى المتعصبين ضد الإخوان لمهاجمة الكتاب، ثم اتهام الكتاب والمؤلف بأن نيتهم هو التخطيط لهدم الفقه الإسلامي.
الواقع يكذب الأزهري في تجنيه على فقه السنة:
ودلالة أن كلام الأزهري وتلامذة علي جمعة في موقفهم من كتاب (فقه السنة)، أنهم يزعمون أن السيد سابق كان عليه أن يتبنى مذهبا فقهيا، أو طرحا فقهيا مذهبيا، وهو كلام مجافي للواقع العلمي الأزهري، فلا يوجد في مصر في مجال الإفتاء، من يفتي الشعب المصري حين يسأل بمذهب معتمد، بداية من الإمام محمد عبده، وانتهاء بآخر مفتٍ موجود، فالكل يفتي الناس بما يترجح لديه، رغم أنه متمذهب بمذهب فقهي، وتجد ذلك مدونا في شهادته الأزهرية، وليمسك أي باحث فتاوى دار الإفتاء المصرية التي بلغت (54) مجلدا حتى الآن، لن يجد مفتيا واحدا اعتمد مذهبه الذي درسه في الإفتاء، ولا مذهبا آخر.
ولم نذهب بعيدا، بل إن الدولة المصرية نفسها، منذ عهد الملكية، لا يعرف لها مذهب رسمي، كباقي الدول العربية، فمصر تتعبد على المذهب المالكي، وأحوالها الشخصية على المذهب الحنفي، وكان القضاء يعتمد لفترة طويلة على الاختيار من المذهب الشافعي للقضاء، ومع ذلك لم يتهم الأزهري ولا غيره الدولة بأنها سمك لبن تمرهندي في التمذهب الفقهي، بل أخذت في قانون الوصية الواجبة بالمذهب الشيعي.
والأشد في المسألة الفقهية، أن السيد سابق كتب كتابه لعامة الناس، لم يفرضه على أحد، رغم أن الأزهري وعلي جمعة وغيرهما من المتعصبين ضد فقه السنة، عاشوا موقفا كان واضحا بأنه قضاء على المذهبية، ولم ينبسوا ببنت شفة، فقد قام الشيخ سيد طنطاوي -رحمه الله-، بإلغاء دراسة المذاهب في الأزهر، وقام بتقرير كتاب في الفقه كتبه بنفسه، لم يعتمد مذهبا، ولم يعتمد منهجا فقهيا، وفرض تدريس كتابه لسنوات، ومعروف أن طنطاوي لم يكن من أهل الفتوى والفقه المعتبرين، بشهادة الجميع، فقد كان مختصا بالتفسير، حتى جاء الشيخ أحمد الطيب فألغى ما قام به، وأعاد دراسة المذاهب كما كانت، فما موقف الأزهري وغيره من هذه الخطوة؟!
التشدد الصوفي خلفا للتشدد الوهابي:
المتتبع لمسيرة الخطاب الإسلامي، من حيث الاعتدال والتشدد، سيلاحظ شيئا مهما، ربما غاب عن الرصد أو الكتابة، لقد كانت فترة السبعينيات وما تلاها، تشهد فترة التشدد الوهابي، وغلو خطاب الكثيرين منهم في الخطاب تجاه المدارس الفكرية والفقهية الأخرى، فلما ضعف التوجه الوهابي، خلفه الآن توجه صوفي مدعوم من الإمارات، يمارس عنفا وتشددا فكريا تجاه المدارس الأخرى، بالدرجة نفسها التي كان يمارسها غلاة الوهابية، وكأن الأمة مخيرة في حياتها الفكرية بين تشدد هنا، أو تعصب هناك.
وبدأ الخط الوسطي يحارب بشكل معلن من الطرفين، بتخطيط لا يخفى على راصده، ومن يتأمل الخطاب على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حلقات الدرس، سيجد هذا العنف والتعصب، مدعوما بافتراء وأكاذيب يستهدف المخالف له، وبخاصة المدرسة الوسطية، ولم ينتج عن هذا الخطاب في كثير من البلدان سوى بحث الناس عن خط الفكر الوسطي، رغم المخاوف التي تهدد من يتبعونه، أو ينادون به، ويعملون على إحيائه ونشره.