استمرار تراجع التجارة الإسرائيلية للسنة الثانية

أشارت بيانات دائرة الإحصاءات الإسرائيلية إلى استمرار تراجع التجارة السلعية مع دول العالم العام الماضي، نتيجة تراجع قيمة الصادرات بنسبة 4.5% مقارنة بالعام السابق له، وانخفاض قيمة الواردات كذلك، وكانت التجارة الإسرائيلية السلعية قد انخفضت خلال عام 2023 مقارنة بعام 2022 بنسبة 14%، نتيجة انخفاض الصادرات بتراجع 13% والواردات بنسبة 15%.
وزاد العجز بالميزان التجاري السلعي الإسرائيلي إلى 31 مليار دولار العام الماضي مقابل عجز بـ28.5 مليار دولار في العام السابق له، لتنخفض نسبة تغطية الصادرات للواردات إلى أقل من 66%، وهي النسبة التي كانت تتخطى تسعين بالمئة قبل عشر سنوات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأزمة الكتابة الدينية في بلادنا
عندما يستسلم العالَم للتطرف
تصعيد غير مسبوق للمعارضة التركية.. لهذه الأسباب!
ويمكن الإشارة إلى بعض سمات التجارة السلعية الإسرائيلية بالعقود الماضية على النحو التالي:
أولا – تركز التجارة الإسرائيلية مع الدول الغربية: حيث أشار التوزيع الجغرافي للتجارة الإسرائيلية العام الماضي إلى استحواذ الدول الأوروبية على نسبة 41% منها، والدول الآسيوية على 27% ودول الأمريكتين على 20.5% والدول الإفريقية على 1% والدول الأوقيانوسية على نصف بالمئة، ونسبة 10% غير مصنفة.
ويرجع ذلك تاريخيا إلى عقد إسرائيل العديد من اتفاقيات التجارة الحرة التي تمكنها من النفاذ إلى تلك الدول بدون جمركة، إذ عقدت اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة عام 1985، ومع الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة عام 2000 ومع دول رابطة التجارة الحرة الأوروبية الأربع، ومع السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية (ميركوسور) الخمس، وهذا بجانب اتفاقات مع دول عديدة أخرى منها: إنجلترا وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية وتركيا وأوكرانيا والإمارات، ليصل عدد الدول التي تربطها بها مناطق تجارة حرة 47 دولة، فضلا عن دول اتفاقات التعاون التجاري مثل الأردن والمغرب.
تركز التجارة مع دول محدودة
ثانيا – زيادة المكون التكنولوجي بصادراتها: حيث يشير التوزيع النسبي بصادراتها البالغة 60.5 مليار دولار العام الماضي، إلى حصول الماس على نسبة 4% والصادرات الزراعية على 2%، ونسبة 89% للصادرات الصناعية، وداخل تلك الصادرات الصناعية كانت نسبة 41% صادرات عالية التكنولوجيا و38% متوسطة عالية التكنولوجيا، و14% متوسطة منخفضة التكنولوجيا و7% فقط منخفضة التكنولوجيا.
ولعل هذا يفسر بلوغ تلك الصادرات الكلية تلك القيمة التي كانت قد بلغت 73 مليار دولار قبل عامين، رغم قلة عدد المشتغلين بها الذين بلغ عددهم 4.4 ملايين مشتغل العام الماضي، بالتركيز على الصادرات التكنولوجية.
ثالثا – سمة التركز بالتجارة الإسرائيلية: حيث تتركز التجارة الإسرائيلية مع عدد أقل من الدول، ففي العام الماضي استحوذت خمس دول فقط على نسبة 42% من تجارتها وهي: الولايات المتحدة والصين وألمانيا وهولندا وأيرلندا، وترتفع النسبة إلى 57% للدول العشر الأولى بإضافة سويسرا وهونغ كونغ وبلجيكا وإيطاليا وإنجلترا، ويلاحظ هنا أن الدول الغربية قد استحوذت على ثمانية مراكز منها بجانب الصين وهونغ كونغ الآسيويتين.
ويظهر التركز بشكل واضح بالصادرات الإسرائيلية حيث استحوذت الولايات المتحدة وحدها على نسبة 28.5% من إجمالي الصادرات، وبالواردات استحوذت الصين على نسبة 15% منها، وهو ما يسفر على الجانب الآخر تدني نصيب كل دول إفريقيا إلى واحد بالمئة فقط، ودول أمريكا الجنوبية إلى نسبة 2%، ودول أمريكا الوسطى إلى نسبة اثنين بالألف أي أقل من نصف بالمئة.
رابعا – استمرار العجز التجاري منذ عقود: ارتبط العجز بالميزان التجاري منذ السنوات الأولى لإنشاء الكيان، نظرا إلى الحاجة إلى المواد الخام والوقود والسلع الوسيطة والاستثمارية، ومع اتساع التجارة ازداد العجز التجاري السلعي، فبعد أن كانت قيمته السنوية تقل عن ست مليارات من الدولارات في غالب سنوات العقد الأول من الألفية الجديدة، تخطى عشر مليارات في سنوات العقد الثاني، ثم تخطى ثلاثين مليار دولار في بعض السنوات الأولى من العقد الثالث.
وكانت أعلى دول العجز التجاري العام الماضي الصين بقيمة حوالي 11 مليار دولار، وألمانيا وسويسرا بـ4.1 مليارات لكل منهما، وإيطاليا بـ2.3 مليار، والإمارات بـ2 مليار، وبلجيكا بـ1.8 مليار، وكوريا الجنوبية بـ1.7 مليار دولار.
لكن الصورة ليست سلبية على طول الخط، فإذا كانت التجارة الإسرائيلية قد حققت عجزا تجاريا العام الماضي مع الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية، فقد حققت فائضا تجاريا مع دول الأمريكتين والدول الأقيانوسية.
فائض تجاري مزمن مع أمريكا
وإذا كانت قائمة الثلاثين الأوائل بالتجارة معها العام الماضي قد شهدت عجزا تجاريا مع 22 دولة منها، مقابل تحقيق فائض مع ثماني دول هي: الولايات المتحدة وأيرلندا والهند والبرازيل وقبرص ورومانيا وكندا وروسيا، فالمهم هنا هو حجم الفائض مع الولايات المتحدة البالغ 5.3 مليارات دولار، وهو الرقم الكفيل بالتعويض عن العجز مع العديد من الدول، حين نجد قيمة العجز التجاري مع التشيك 693 مليون والسويد 578 مليون والدانمارك 491 مليون، وتايلاند 456 مليون واليابان 329 مليون وتايوان 200 مليون دولار.
مع ملاحظة استمرار الفائض التجاري الكبير مع الولايات المتحدة منذ عقود، والسعي لعقد اتفاقات تجارة حرة أخرى لنفاذ صادراتها إلى أسواق جديدة بدون جمارك، كما يجري السعي له مع دول مثل البحرين والمغرب.
خامسا – المواقف السياسية مع غزة لم تترجم تجاريا: شهدت العديد من الدول التي أظهرت تعاطفها مع مأساة غزة، نموا لتجارتها مع إسرائيل العام الماضي مقارنة بالعام السابق له، حيث زادت التجارة الإسرائيلية مع الصين بنمو 11% والإمارات بـ10% ومع إسبانيا وبلجيكا بـ6.5% لكل منهما، وأيرلندا بـ3%، كما زادت مع هندوراس وشيلي وإندونيسيا، بينما انخفضت مع تركيا بتراجع 48% وجنوب إفريقيا بـ11% ومع ماليزيا والبرازيل وروسيا.
سادسا – خريطة التجارة ليست دقيقة تماما: تضمنت بيانات التجارة الخارجية، بيانات الصادرات والواردات مع 120 دولة موزعة على قارات العالم، ومع استعراض بيانات أبرز دول التجارة معها بكل قارة، كانت تذكر الإجمالي الخاص بالصادرات والواردات مع باقي دول تلك القارة، إلا أن البيانات تضمنت بندا بعنوان بلدان غير محددة، بقيمة 14.7 مليار دولار تمثل نسبة حوالي 10% من تجارتها.
وهكذا تتوزع تلك القيمة الكبيرة على العديد من الدول بخلاف الأرقام المذكورة لكل منها، ونرجح أن تتضمن تلك القيمة الكبيرة الرد على العديد من التساؤلات حول التضارب بين البيانات التي تصدرها إسرائيل وما تصدره دول أخرى كمصر، حيث بلغت التجارة الإسرائيلية مع مصر العام الماضي حسب البيانات الإسرائيلية 552 مليون دولار، بينما تشير البيانات المصرية إلى أن تجارتها مع إسرائيل بأول عشرة أشهر من العام بلغت 2.2 مليار دولار.
ونفس الأمر مع الأردن الذي بلغت تجارتها معه 478 مليون منها 109 ملايين دولار صادرات إسرائيلية إليه، وهي قيمة لا تتناسب مع واردات الأردن من الغاز الطبيعي الإسرائيلي.