طلب اعتقال أمير أفغانستان

ليس فيما يقوم به الشيخ هبة الله ما يزعج الغرب أو يقلق الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية.. ولكن!

هبة الله آخوند زاده أمير أفغانستان (الجزيرة)

في 21 يناير/كانون الثاني 2025 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارا باعتقال الشيخ هبة الله آخوند زاده أمير إمارة أفغانستان الإسلامية، والشيخ عبد الحكيم حقاني رئيس المحكمة العليا وقاضي القضاة، وبعيدا عن المنصب الإداري الذي يجعلهما في قمة الهرم في نظام الحكم الإسلامي المعمول به في الإمارة، فإنهما يمثلان القمة العلمية الكبرى المصحوبة بالبذل والجهاد، وهما المؤهل الأعلى للمناصب.

أولى الغرائب في طلب اعتقال أمير المؤمنين في أفغانستان، أن الرجل يدير الشأن السياسي بالتفويض الممنوح للحكومة ووزرائها، في تنفيذ الخطة التي أقرها مع أهل الحل والعقد، وهم في الحالة الأفغانية طبقة من كبار العلماء وأصحاب السبق في الجهاد، يمثلون مجلس الشورى المحيط بأمير البلاد.

لذا فإن الشيخ هبة الله يقيم في قندهار معقل العلماء ومركز ثقل طالبان، بينما قاضي القضاة عبد الحكيم حقاني يمارس عمله من المحكمة العليا ومقرها في العاصمة كابل، ومعروف عن أمير المؤمنين أنه لا يباشر العمل السياسي بنفسه، ولا يلقى الوفود الرسمية، ويحيل ذلك إلى الوزراء، كما لا يقبل الظهور الإعلامي، ويغلب على جدول أعماله تفقد أحوال الفقراء وحل مشاكل الضعفاء، والسعي لإكرام اليتامى والأرامل ورعاية طلاب العلم، والسعي لاستعادة أكثر من عشرة ملايين أفغاني شردتهم الحروب المتعاقبة في عقود متتابعة، وليس فيما يقوم به الشيخ هبة الله ما يزعج الغرب أو يقلق الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية، إلا خوفهم من استمرار تنامي الاقتصاد بعد بسط الأمن العام وتحقيق الاستقرار، واعتماد أفغانستان على نفسها، وتوظيف مواردها بحيث أصبحت ميزانيتها الكاملة من الداخل، وليس عليها أي ديون للخارج، بل سددت الديون التي كانت على الحكومة الموالية للاحتلال، التي كانت 75% من ميزانيتها من القروض والمساعدات الخارجية.

ولو نظر المنصفون إلى الأعمال الكبرى التي قام بها الشيخ هبة الله لرشحوه بجدارة لجائزة نوبل للسلام، وما أظنه يقبلها.

العفو وعدم المحاسبة

وفي مقدمة إنجازاته قرار العفو العام، وعدم محاسبة أي شخص أو مسؤول عن أعماله وجرائمه خلال فترة الاحتلال، وقد اطلعت خلال زيارتي لكابل على أناس منهم من قتل مئة نفس، وآخر قام بعمل مقبرة جماعية، ونظرا إلى الطبائع القبلية في أفغانستان، فإن حكومة الإمارة عينت حراسة للحي، وأخرى على قبر من مات منهم لئلا ينبشه أولياء الدم، ويكفي القول بأن حامد كرزاي رئيس أفغانستان السابق، وعدد من أعمدة حكمه ما زالوا يقيمون في بيوتهم، ولم يتعرض لهم أحد خلال السنوات الثلاث الماضية، واستطاعت حكومة الإمارة الإسلامية تحت رعاية أميرها، القضاء على زراعة المخدرات تماما وبشهادة الأمم المتحدة، وكانت أثناء الاحتلال الأكثر إنتاجا على مستوى العالم، بل ونجحت في علاج قطاع من المدمنين الذين بلغ عددهم أربعة ملايين.

يعتبر الشيخ هبة الله أول من وحد التراب الأفغاني وحكم أفغانستان التي مزقتها الحروب الخارجية والداخلية خلال الخمسين عاما الماضية، وله عناية خاصة بالإصلاح الاجتماعي ومتابعة لجان الإصلاح بين القبائل، لا سيما في الخصومات الثأرية التي بلغ عدد القتلى فيها بين قبيلتين 700 قتيل من الطرفين، وتشهد البلاد الآن نموا واسعا ونتائج عالمية في مجالي الزراعة والصناعة، كإنشاء قناة قوش تيبه إحدى أكبر القنوات في قارة آسيا، وتكفل لأفغانستان الاكتفاء الذاتي من القطن والقمح، كما افتتحت الإمارة منجم “مس عينك” في ولاية لوجر، وهو ثاني أكبر منجم للنحاس في العالم.

ولا يقل غرابة عن طلب اعتقال الشيخ هبة الله، إدراج اسم قاضي القضاة معه في الطلب نفسه، لأن الشيخ عبد الحكيم حقاني مشغول بتحقيق العدل والحكم بين الناس بالقسط، وهو من كبار الفقهاء الذين لهم تصنيفات وترجيحات، وسبقت لي زيارته في المحكمة التي تجمع بين بساطة الشكل وهيبة العدل، وأطلعنا على المراجع الشرعية التي يصدرون عنها في أحكامهم، وبيّن أن الحكم يمر بدرجات التقاضي الثلاث، حتى لا يشوبه عوار أو جور، وأن لديهم محكمة خاصة للقضايا المتعلقة بالمسؤولين وأصحاب المكانة، تفصل فيما يحال إليها في أقصر وقت، حتى لا ييأس الضعيف من إقامة العدل، ولا يستقوي المسؤول بمكانته وسابقته.

إلا قضية المرأة

ومن أجل ما سبق وجدنا الجنائية الدولية لم تجد شيئا تدين به قادة أفغانستان إلا قضية المرأة وحقوقها، وهي النافذة التي يطل منها الغرب دائما لدس أنفه في شؤون المسلمين، فقد سكت العالم ومحاكمه عن بشار الأسد ووالده طوال 53 سنة، أذاقوا فيها الشعب السوري رجالا ونساء أشد ويلات العذاب، ورأينا كيف تعيش المعتقلات مع أطفالهن في سراديب تحت الأرض، ولم يتذكر الغرب المتحضر حقوق المرأة إلا بعد التحرير.

أين هذه المحكمة وقضاتها من 50 ألف شهيد في غزة، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، ولم تصدر قرار اعتقال نتنياهو وغالانت إلا بعد تمام المجزرة، ولم تتعرض للدول الكبرى الداعمة للإبادة الجماعية علانية، بل يبدو أن قرار اعتقال قادة أفغانستان جاء تلطيفا للجو مع الأمريكان الذين رفضوا حكم المحكمة، وهددها نواب في الكونغرس الأمريكي بكل صلف.

إن ما فشلت في تحقيقه أمريكا في أفغانستان ومعها أربعون دولة، لن تحققه الجنائية الدولية، لأن تداعيات حكمها على أمير أفغانستان والقاضي الأكبر منعدمة الأثر، لأن الرجل كما أسلفنا لا يسافر إلى كابل فضلا عن غيرها من العواصم، أما مسألة الاعتراف فقد أعلنوا غير مرة أنهم غير مكترثين بها، ولا تؤثر في مسيرتهم، وأن المجتمع الدولي في قابل الأيام سيكون أحوج إلى الأفغان من حاجتهم إليه.

ونظرا إلى أن الحماقة أعيت من يداويها فلم تدرك القوى العظمى التي هزمت تباعا على أوتاد تورا بورا وفي جبال الهندوكوش أن سياسة لي الذراع لا تصلح مع هذا الصنف من البشر المعتز بعقيدته ومبادئه وتاريخه.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان