مع ترامب لا أحد في مأمن

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وهو يرتدي نظارة طبية ويستمع خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء جلوسه على مكتب في كييف (الفرنسية)

(1) التفكيك والتخريب في مواجهة الإصلاح

يوم الخميس الماضي نشرت جريدة نيويورك تايمز مقالا للكاتب والصحفي ديفيد بروكس بعنوان: كيف سيفشل ترامب؟

يفسر فيه الظاهرة الترامبية بالعودة إلى التاريخ الأمريكي وكيف أن ترامب تماهي في خطاب تنصيبه مع سلوك وسياسات أسلافه من الأمريكيين العظام الذين عاشوا في القرن التاسع عشر!!.

واقتطف هنا بتصرف أجزاء من مقاله التحليلي القيم يقول فيه: “لآن نعيش في خضم أزمة سلطة أخرى، إن مجموعة الأشخاص الذين يشكلون حكومة ترامب لديهم شيء واحد مشترك: أنهم يعتبرون أنفسهم مزعزعين، إنهم يهدفون إلى هدم وتدمير الأنظمة. والزعزعة أمر جيد في القطاع الخاص، إذا أراد ماسك إنشاء شركة سيارات وفشلت، فإن كل ما يضيع هو أموال المستثمرين وبعض الوظائف، لكن لنفترض أنك فككت وخربت وزارة الدفاع أو النظام القضائي أو المدارس؟ أين من المفترض أن يذهب المواطنون؟

ترامب المناهض للمؤسسات، يخلق ملكية انتخابية، وهو نظام يتم فيه تخصيص كل السلطة وحملها بين يديه، وهذه وصفة لتدفقات المعلومات المشوهة والفساد وعدم الاستقرار والعجز الإداري. وكما رأينا مرارا وتكرارا على مر القرون، هناك فرق كبير بين الأشخاص الذين يعملون بروح الزعزعة والهدم وأولئك الذين يعملون بروح الإصلاح والبناء.

لو كنت أتولى إدارة الحزب الديمقراطي (أعانهم الله)، لقلت للشعب الأمريكي إن دونالد ترامب محق في كثير من الأمور، فقد حدد بدقة المشاكل المتعلقة بقضايا مثل التضخم، والحدود، والتداعيات المترتبة على الاستعلاء الثقافي حيث كان أفراد الطبقة المتعلمة منعزلين للغاية بحيث لم يتمكنوا من توقعها، ولكن عندما يتعلق الأمر ببناء الهياكل اللازمة لمعالجة هذه المشاكل حسناً، فإن الرجل ببساطة عاجز وغير كفء”.

من السهل على ترامب أن يمحو بجرة قلم القواعد المؤسسية للدولة الأمريكية كما فعل بعد تنصيبه مباشرة بتوقيعه على عشرات الاجراءات التنفيذية وبعضها كان تخريبيا، لكن من الصعب عليه تأسيس قواعد بديلة يلتزم بها وأعضاء حكومته وانصاره ومن هنا سيأتي الفشل الترامبي من الداخل أولا.

(2) تصريحات مثيرة للقلق

ترامب النرجسي يعشق التصريحات المثيرة للجدل والتي تجعله في مركز الاهتمام دائما، رغم أنها تسيء لصورته كرئيس أعظم دولة في العالم، ولقد وصلت أمريكا إلي هذه المكانة، ليس فقط لتفوقها الاقتصادي والعسكري، لكن لنجاحها في تصدير صورة أمريكا الديمقراطية الحرة حامية حقوق الإنسان وصاحبة المعايير الإنسانية والتي تمتلك قوة ناعمة مؤثرة.

اللغة التي استخدمها ترامب لتبرير تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا ورغبته في الاستيلاء على قناة بنما وتملك جزيرة عرينلاند، لا تختلف كثيرا عن لغة وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش وهو يتحدث عن حق اليهود التاريخي في كامل الأرض الفلسطينية، وكان من الطبيعي أن يبدأ ترامب عهده بإلغاء العقوبات التي فرضها بايدن على مستوطنين يهود ارتكبوا أعمال عنف ضد فلسطينيين بالضفة الغربية ثم جاءت تصريحاته حول تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن.

إنه نفس مفهوم رعاة البقر الذين قتلوا الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، ليستولوا على أرضهم ظنا منهم أنهم العنصر الأفضل والأذكى والأقدر علي حسن إدارتها واستثمارها.

تصريحاته بشأن تهجير الفلسطينيين رفضها كل من مصر والأردن وهما دولتان حليفتان لأمريكا في الشرق الأوسط، ومثل هذه التصريحات لن تؤدي إلى السلام والاستقرار في المنطقة بل العكس، واعتقد أن ترامب الذي يعتبر نفسه مفاوضا رائعا لديه سيناريوهات أخري بديلة لكنه بدأ بالأسوأ حتى تقبل الأطراف العربية المعنية السيئ حين يقدمه كبديل، لكن البديل أيضا لن يحقق الاستقرار الذي لن يأتي إلا بسلام حقيقي ودولة فلسطينية مستقلة. الاعتماد على أسلوب التهديد والوعيد الذي يتعامل به ترامب مع حلفاء أمريكا ومنافسيها، لا يمكن أن يثمرعنه خير، وما ستأخذه أمريكا عنوة وتحت التهديد لن يدوم.

 

(3) أوروبا تنتظر

 

أعلن ترامب أكثر من مرة أثناء حملته الانتخابية أنه وحده القادر علي وقف الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة، ولكن فيما يبدو أن الأمر ليس بالسهولة التي تصورها ترامب، فشخصية ترامب المضطربة جعلته يدلي بتصريحات متعارضة، مرة يعلن استعداده للقاء بوتين في أسرع وقت مشيدا بذكاء الزعيم الروسي ومرة يهدده بمزيد من العقوبات وفرض تعريفات جمركية مرتفعة علي السلع الروسية المصدرة لأمريكا أن لم ينهي الحرب السخيفة علي أوكرانيا، ووصف زيلينسكي الحليف بأنه ليس ملاكا وكان عليه تجنب المواجهة مع قوة عظمي وعلق ترامب برنامج المساعدات للدول الأجنبية ومن ضمنها أوكرانيا، للضغط علي زيلينسكي.

موقف أمريكا من حرب اوكرانيا سيكون مثارا للجدل والخلاف مع الحلفاء الأوروبيين، أضف إلي ذلك تهديدات ترامب برفع رسوم الجمارك علي السلع الأوروبية المصدرة إلي أمريكا وهو ما سيؤدى إلي خسائر ضخمة لاقتصاديات الدول الأوروبية الكبرى المتعبة من كلفة الحرب الأوكرانية وتتسبب في فقدان الألاف لوظائفهم، وهذا يمثل ضغطاً كبيرا على حلفائه الغربيين، لكنه يؤمن بـأن من حق أمريكا الأعظم والأقوى في العالم، أن تحقق مصالحها بغض النظر عن مصالح الآخرين والنظام العالمي السائد، فلقد وقع بعد تنصيبه قرار الانسحاب من معاهدة باريس للمناخ(للمرة الثانية)، وكذلك انسحب من منظمة الصحة العالمية.

ترامب يزرع بذرة الشك في القارة العجوز، وموقفه من الحرب الأوكرانية سيحدد إلى أي مدي يمكن الاعتماد على أمريكا في الدفاع عن أوروبا لحماية حدودها وأمنها القومي وكذلك فاعلية حلف الناتو. ما صرح به ترامب مخيب لآمال الأوروبيين وخاصة ما قاله عن أن الجيش الأمريكي لن يحارب سوي معارك أمريكا مع أعدائها، ومن المتوقع أن نشهد انقساما في المعسكر الغربي، لو تخلت “أمريكا ترامب” عن مفهوم الدفاع المشترك وهو حجر الأساس الذي قام عليه حلف الناتو.

الدول التي تعتبرها أمريكا مارقة وخارجة عن بيت الطاعة الأمريكي مثل إيران، ربما ستكون الأقل تضررا من رئاسة ترامب لأنها تعرف ما ينتظرها وبدأت مبكرا الاستعداد له، والمؤكد أن رئاسة ترامب ستسارع في انهيار النظام العالمي الحالي لحساب نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

 

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان