“الضيف”.. لماذا تأخرت حماس في الإعلان عن استشهاده؟

محمد الضيف

أعلن الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، في بيان مصور، مساء أمس الخميس، استشهاد القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف (أبو خالد)، ونائبه مروان عيسى (أبو البراء)، وخمسة آخرين من المجلس العسكري القسامي.. دون ذكر تاريخ مُحدد لاستشهادهم. مُشددا على استشهادهم مُقبلين غير مُدبرين، في خضم معركة “طوفان الأقصى”، أقدس معارك الشعب الفلسطيني، وواصفا إياهم، بأنهم أرهقوا العدو طوال 30 عاما، ووضعوا أقدامه على طريق الزوال والانكسار، وأنه ما كان للضيف، ونائبه عقل القسام، وركنه المتين أن يموتوا على الفراش، بل شهداء في معارك بطولية، سيذكرها التاريخ.

الشبح.. والأفعى

الشهيد محمد الضيف (أبو خالد)، اسمه الأصلي محمد دياب المصري، مولود في غزة (عام 1965). حاصل على بكالوريوس العلوم (1988). معروف عنه حدة الذكاء، والقدرة على التحليل، والتخطيط. أمضى 18 شهرا في السجون الإسرائيلية، معتقلا عام 1989، بتهمة ممارسة أنشطة عسكرية حمساوية. القائد الضيف، كان قد انضم إلى الحركة عام 1987، وفي 2002، تولى رئاسة أركان كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس). ظل لسنوات طويلة، المطلوب الأول لإسرائيل. تُطلق عليه أجهزتها الاستخباراتية لقب “الأفعى”، ولا يملك الموساد له صورة واضحة، فالصورة المتداولة له حتى قبيل الإعلان عن استشهاده صورة معتمة. فهو لـ”الإسرائيليين”، الشبح. حاولت تصفيته مرات عديدة دون جدوى، لما يمتلكه من مهارات فائقة للتخفي، والمراوغة. “الضيف” كقائد سري، لم تتوفر عنه معلومات ذات قيمة، فهو لا يستعمل الهواتف الذكية. كما، أنه لا يميل إلى الظهور في أماكن عامة، ويتحرك في سرية تامة. له سجل حافل من التخطيط لعمليات فدائية، واختطاف جندي إسرائيلي يُدعى نخشون فاكسمان (1994)، من بلدة قرب القدس.

الصلوات التلمودية.. وحرق البقرات الحمر

انخرط “الضيف” في أربعة حروب، للمقاومة ضد إسرائيل، أعوام 2008، و2012، و2014، 2021 (سيف القدس)، وتُعد حرب غزة الأخيرة، هي الخامسة التي يخوضها، وقرأ خطاب “طوفان الأقصى”، مُعلنا إطلاق العملية (7/10/2023)، برا، وبحرا، جوا، برشق القدس، والعاصمة الإسرائيلية تل أبيب، بخمسة آلاف صاروخ. أعقبها اقتحام المقاومة لمستوطنات، وثكنات عسكرية إسرائيلية، بغلاف غزة، وقتل وأسر عدد كبير من جنود جيش الاحتلال، وضباطه، في عملية غير مسبوقة، أفقدت الكيان الصهيوني توازنه، وإذا كان واجبا في أي معركة أو حرب، أن تكون لها مشروعية حتى تجتذب التأييد والدعم، فإن “خطاب الطوفان” الذي تلاه الضيف بصوته، تضمن تأصيلا قانونيًا، وعقديًا، لمشروعية “طوفان الأقصى” وشرعيته. حيث أتى على سرد جرائم الكيان الصهيوني، من احتلال، وأسر للفلسطينيين، واقتحام للبلدات، ومصادرة الأراضي، وبناء للمستوطنات. هذا، مع تركيزه على اقتحام قوات الاحتلال لباحات المسجد الأقصى وتدنيسه، والسماح بأداء الطقوس والصلوات التلمودية، والنفخ بالبوق، وإحضار البقرات الحمر لحرقها، كمقدمة لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على مسرى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

طائرات الاستطلاع.. وشفافية الإعلان

عودة للإعلان عن استشهاد “الضيف”. سبق لجيش الاحتلال الإعلان عن اغتياله، قبل سبعة أشهر، إلا أن “حركة حماس”، لم تُقر بذلك رسميا. رغم، المُعتاد، من سلوك الحركة، بأنها، تتعاطى بشفافية مع عمليات اغتيال القادة، واستشهادهم، وتعترف بها دون تأخير. مثلما اعترفت باغتيال شهدائها السابقين. بداية بالمؤسس الشيخ أحمد ياسين (22/3/2004)، وخليفته الذي اغتيل بعد شهر واحد، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وانتهاءً برئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية (طهران- 13/7/2024)، وخليفته يحيى السنوار (رفح- 16/10/2024)، فلماذا تأخرت (حماس)، هذه المرة في الاعتراف باستشهاد الضيف؟ ولماذا الإعلان الآن؟ الناطق باسم الحركة في قطاع غزة حازم قاسم، علل هذا التأخير، بأن القطاع، كان تحت التتبع الاستخباري الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، والملاحقة للقيادات، طوال ساعات اليوم، ومع انطلاق الهدنة، وتغييب طائرات الاستطلاع عن التحليق فوق القطاع، لمدة 10 ساعات يوميا. أمكن للطواقم المختصة الوصول إلى أجساد الشهداء (الضيف، والقادة الآخرين)، وتنفيذ الإجراءات السارية في مثل هذه الحالات. من ثم، تم الإعلان عن استشهادهم، الذي يأتي بعد ساعات قليلة، من تسليم الأسرى الإسرائيليين، أمام أنقاض بيت الشهيد يحيى السنوار في خان يونس (الأسيرين أربيل يهود، وغادي موزيس)، ووسط ركام مخيم جباليا (المُجندة آغام بيرغر).

مخزون لا ينضب.. ورسائل

البادي، من انضباط مراسم تسليم الأسرى، واحتشاد رجال المقاومة، وسُكان غزة، والاستعراض العسكري لمقاتلي القسام في أولى لحظات الهدنة (26/1/2025). أن (حماس) أرادت من هذا المشهد، وما تلاه من الإعلان عن استشهاد الضيف، ورفاقه، أن تبعث بعدد من “الرسائل”. أولها، أن الانضباط، والتنظيم الفائق، لعملية التسليم، واختيار هذه الأماكن ذات الدلالة (حطام منزل السنوار، ومخيم جباليا). يعني أن المقاومة في أعلى درجات الجاهزية والتحكم والسيطرة، بعد 15 شهرا من حرب الإبادة على القطاع، وأنها تمتلك إرادة فولاذية لا تلين. يؤكد هذا، تصاعد عمليات المقاومة وضرباتها لقوات الاحتلال في الأشهر الأخيرة من حرب غزة. ثانيتها، أن الإعلان عن استشهاد الضيف، ورفاقه الآن، وبعد انتهاء المعركة بانتصار إرادة المقاومة. يؤكد، أن افتقادهم، رغم علو مكانتهم في الهرم القيادي لـ”القسائم”، لم ينل من عزائمها، وأنها لم تنهر، بل جرى سريعا، إحلال خلفاء لهم بالكفاءة ذاتها -ربما أكثر-، ممن يسيرون على الدرب نفسه. فالمقاومة الفلسطينية، لا تمل التأكيد عمليا، بأن تغييب القادة، باغتيالهم، أو استشهادهم في الميدان. لا يعني النهاية، فالمقاومة، فكرة لا تموت، ومخزونها من المقاومين، لا ينضب. ثالثتها، أن المقاومة، رغم الخسائر كلها في الأرواح، والقادة، والدمار. واصلت الصمود والتحدي، ولم تستسلم، بل نجحت في حرمان “الاحتلال”، من تحقيق أي نصر، وأظهرت انكسار إرادته.

المجد للمقاومة، والسلام لأرواح الشهداء، والنصر للشعب الفلسطيني البطل.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان