معرض القاهرة للكتاب.. زوار بلا كتب

صلاة الجمعة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب (صفحة المعرض- فيسبوك)

 

على مدار سنوات طويلة تخطت الخمسين عاما، ظل معرض القاهرة الدولي للكتاب مهرجانا ثقافيا مصريا وعربيا مميزا، كاد يدخل حيز العالمية، وكانت دور النشر تستعد له كل عام قبل تنظيمه بأشهر عديدة لتحقق نسب مبيعات عالية لا تحققها على مدار العام كله.

وكان معظم رواد المعرض من الكتّاب والشباب المصريين والعرب ومن المسلمين والجاليات الأجنبية المقيمة في مصر لا سيما من إفريقيا وآسيا يدخرون الجهد والمال من العام إلى العام ليتزودوا بالكتب التي تغطي احتياجاتهم للقراءة طيلة العام الجديد، في حالة من التنافس الرائع والمتنوع، بينما يقدّم الفنانون عروضا مسرحية هادفة، ويجذب الشعراء شريحة لا بأس بها من مرتاديه.

ولم تكن الكتب هى السلعة الوحيدة التي يقدّمها المعرض، وإنما كانت تُعقد مؤتمرات فكرية وسياسية أحيانا، لتبادل الأفكار، ويلتقي فيه الكتّاب مع قرائهم، وكثيرا ما كان يشهد المعرض بعض الوقفات والمظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني على سبيل المثال، والقضايا التي يغلب عليها طابع العروبة والقومية وليس الطابع الإسلامي الخاص.

الانتقال الثالث نخبوي

منذ سنوات قليلة، انتقل المعرض إلى أرض المعارض في التجمع الخامس، وهو الانتقال الثالث له بعد نقله من مكانه الأصلي في ساحة دار الأوبرا قرب ميدان التحرير، وانتقاله إلى أرض المعارض في مدينة نصر التي استوعبت عشرات المرات ما كانت تستوعبه في موضعه الأول.

في الانتقال الثالث انتقل المعرض هذه المرة انتقالا فكريا وليس مكانيا فقط، من الشعبوية إلى النخبوية، وذلك بسبب المستوى الاجتماعي والاقتصادي لسكان المكان الذي أقيم فيه وارتفاع الإيجارات هناك، ما أثّر في قدرات دور النشر على إمكانية المشاركة واستئجار المكان مهما كان محدود المساحة، وغير قادر على استيعاب جزء ضئيل مما كانت تستوعبه متاجرهم في أرض المعارض القديمة.

كما فقد المعرض فعالياته المرتبطة بتاريخه الثقافي، واستُبدلت بها مجموعة من الطقوس العسكرية التي تقدّمها فرقة الاستعراض العسكرية التي تجوب المعرض مقدمة عروضا تجذب الأطفال وبعض هواة الاستعراضات، هذا بالطبع غير المطاعم الجاذبة للأسر المصرية التي تذهب إلى المعرض للتنزه وقضاء وقت لطيف وليس لشراء الكتب.

أما الكتاب، وهو بيت القصيد، فقد أضيف إلى ثمنه استئجار قاعات المعرض المجهزة بصورة جيدة، علاوة على ارتفاع سعر الورق بنسبة غير مسبوقة، في الوقت الذي يفتقد فيه الكتاب أي دعم رسمي.

كل ذلك أثّر على دور النشر ذاتها، فبينما كانت دور النشر اللبنانية هي سيدة الحضور في مثل هذا الحدث عادة، تقلص عددها.

ثم تنتقل داخل أروقة المعرض لتجد أن معظم الرواد مجرّد متفرجين، يمرون على الكتب مرور من يسير في السوق ولا يملك ثمن السلعة المعروضة.

أما جناح الأزهر الذي يحتل القاعة الأولى، فكثير من رواده أفارقة شباب يبحثون عن كتب دراسية دينية، وكثير من الآسيويين من الماليزيين وغيرهم شبانا وفتيات، لتمثل مبيعات الأزهر الشريف أعلى مبيعات في معرض الكتاب، وإذا انحرفت يسارا في القاعة الثانية لتتوجه إلى سور الأزبكية، فربما يكون هو المكان الوحيد المزدحم في معرض الكتاب، ويمثل أكبر نسبة مبيعات بين دور النشر، نظرا لرخص سعر الكتاب رغم الاختيارات المحدودة للقارئ الشغوف.

أسباب فقدانه أهميته الثقافية

عوامل عديدة تدخلت في تناقص أهمية معرض الكتاب شعبيا عند القارئ المصري على وجه الخصوص، منها عوامل سياسية وأخرى اقتصادية، ومنها حالة البؤس الذي يعيشها قطاع عريض من المهتمين بالقراءة والكتاب.

العوامل الاقتصادية تتضمن ضيق ذات اليد، وارتفاع نسب البطالة بين شباب الخريجين الذين مثلوا يوما النسبة الأكبر لزوار المعرض، أيضا ارتفاع سعر الكتاب مع ارتفاع تكاليف الدراسة في المدارس العامة كان سببا كبيرا في عزوف أولياء الأمور عن شراء كتب الأطفال.

ومن العوامل السياسية اهتمام المؤسسة الثقافية في البلاد بالشكل العام للمعرض، أكثر من اهتمامها بالكتاب ذاته، فهي إن قدَّمت مكانا رائعا للتنزه، فلم تقدّم أي إسهام في تخفيض سعر الكتاب الذي أصبح مجرد رفاهية، واستعاض عنه القراء بالقراءة على شبكة الإنترنت، وذلك بعد توفر الكتاب بشكل كبير على الشبكة العنكبوتية وسهولة الوصول إليه وتحميله، فماذا تجدي القاعة المزينة والحدائق الجميلة مع كتاب لا تستطيع شراءه في معرض مخصص للكتب وليس للتنزه؟

أيضا هناك أسباب تتعلق بالمكان، فالمصريون لديهم حساسية تجاه المناطق التي تُعرَف بكونها أماكن الأغنياء، ما حوَّل المعرض من كونه معرضا للجميع إلى معرض نخبوي، لا سيما أن سعر الكتاب صار فوق قدرات الجميع إلا فئة قليلة ربما لا يهمها من الأساس شراء الكتب.

ومن المشكلات الأخرى إقصاء دور نشر كبيرة وعريقة من معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، منها دور نشر سورية، ومنع كتب كثيرة تتعلق بالرأي، ما أفقد المعرض وجاهته وأهميته.

وفي العموم، لقد صار هناك معرض كتاب يتاح فيه الكثير من مظاهر الفرح والبهرجة والاحتفالات إلا الكتاب.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان